استعصاء الباب يدفع أنقرة لتسخين جبهة منبج
وقف الجيش التركي على عتبة مدينة الباب قبل أن يكتشف أنه لا يملكُ مفتاح الولوج إليها. التهديدات السورية، والاعتراضات الروسية والأميركية، وضعت أنقرة أمام مأزقٍ فعلي، خاصةً أن كبار المسؤولين الأتراك تناوبوا منذ أسابيع عدة على إصدار تصريحات شبه يومية بخصوص السيطرة على الباب. كما لم تعُد توجد أيُّ ثغرات إقليمية ودولية يمكن من خلالها التسلل خلسةً إلى هذه المدينة الاستراتيجية، لا سيما أن «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن أغلق آخر هذه الثغرات، عبر تصريحه أنه لا يدعم العملية العسكرية التي تقودها تركيا نحو الباب، وربّما هذا ما دفع أنقرة إلى محاولة الانخراط في لعبة عضّ أصابع من خلال تسخين جبهة منبج ضد قوات «مجلس منبج العسكري» التي درّبتها الولايات المتحدة في إطار «التحالف الدولي».
ولليوم الثالث على التوالي يعيش ريف منبج الغربي، حالةً من التصعيد العسكري غير المسبوق بين «درع الفرات» التي يقودُها الجيش التركي، وقوات «مجلس منبج العسكري» التي حرّرت مدينة منبج وأريافها من تنظيم «داعش» قبل أشهر عدة. حيث واصل الجيش التركي قصف قرى ريف منبج الغربي عبر استهدافها بالطائرات والمدفعية بالتزامن مع استمرار تحليق طائرات الاستطلاع التركية في أجواء المنطقة. أما على الأرض، فقد استمرّت الاشتباكات بين «مجلس منبج العسكري» وبين قوات «درع الفرات» التي حاولت السيطرة على عددٍ من القرى تحت غطاء القصف التركي. وتأتي هذه التطوّرات في وقت يخوضُ فيه كل طرف من هذين الطرفين معارك مستقلة ضد «داعش» الذي لا يزال يسيطر على مساحة شاسعة في تلك المنطقة.
وجدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأول، تهديداته بالتوجّه نحو مدينة منبج لتطهيرها من «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً. وقال أردوغان إن قوات «الجيش السوري الحر» المدعومة من الجيش التركي أصبحت على مشارف منطقة الباب شرق حلب، مشيراً إلى أن هذه القوات ستتوجه إلى منبج لإخراج قوات «الاتحاد الديموقراطي» منها.
وخلال كلمة ألقاها في مؤتمر «مفهوم الأمن الجديد» في أنقرة، قال أردوغان: «حاصرنا مدينة الباب من الغرب، لكن هذا ليس كافياً. من هناك سنتحرك إلى منبج. لماذا سنذهب إلى هناك؟ ليس لأننا نريد ذلك، لكن حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية هناك».
ويعتبر هذا الموقف التركي بمثابة الردّ على البيان الذي أصدرته «وحدات حماية الشعب» الكردية وأعلنت فيه انسحابها من مدينة منبج، لكنه في المقام الأول رسالةً موجهة إلى واشنطن بأنها لم تفِ بتعهداتها السابقة حول الانسحاب. ويتمثل الهدف النهائي لأنقرة من وراء ذلك في محاولة فتح البازار للمقايضة بين منبج والباب.
واتّهم المتحدث باسم «مجلس منبج العسكري» شرفان درويش أنقرة بأنها «أسدلت الستار عن نياتها العدوانية الصريحة، إذ بات واضحاً أن أهدافهم تكمن في احتلال منبج»، وذلك بعد تأكيده أن انسحاب «وحدات الحماية» من منبج تمّ بالتفاهم مع «التحالف الدولي».
وفي حوار لوكالة «هاوار» المقربة من «وحدات حماية الشعب»، ألمح درويش إلى عدم رضاه عن موقف «التحالف الدولي» إزاء «العدوان التركي» في منبج، فطالب «التحالف» بضرورة «الالتزام بتعهداته ووعوده المبرمة مع القوات المحلية في المجلس العسكري في منبج، وأن لا يسمح بضرب الاستقرار في المناطق المحررة من الإرهاب عبر التدخل التركي ومجموعاته المرتزقة»، مشدداً على أن ما يجري في محيط منبج من شأنه تهديد الاستقرار في المنطقة.
وأعلن تخريج آلاف المقاتلين بصورة موحّدة مع الإدارة الأميركية في منبج بغرض الحماية والأمن، وصلت أعدادهم ما يقارب خمسة آلاف مقاتل، وسجلات من خضع للدورات «محفوظة لدى إدارة التحالف»، بحسب قوله.
ميدانياً، أحرز «مجلس منبج العسكري» تقدّماً مهماً تمثل في سيطرته على بلدة العريمة من تنظيم «داعش»، ليصبح قريباً من بلدة قباسين التي استعادت «درع الفرات» السيطرة عليها مؤخراً بعد معارك كر وفر بينها وبين «داعش». ويعزز هذا الإنجاز من حالة التنافس بين الطرفين للتقدم نحو مدينة الباب التي لا يزال الضوء الأخضر بخصوصها مطفأً، ولكن لدى كل طرف أمل بأنه سيُضاء قريباً لمصلحته.
إلى جانب هذا الإنجاز ضد «داعش»، أعلن «مجلس منبج العسكري» أيضاً إفشال هجوم لمن أسماهم «مرتزقة تركيا» على قرى الشيخ ناصر وإيلان وقرت ويران، متحدثاً عن تدمير ثلاث دبابات تركية خلال الأيام الثلاثة الماضية، كان آخرها دبابة تمّ تدميرها أمس بين قريتي بي شملي وجب الدم.
في المقابل أعلنت «غرفة عمليات حوار كلس»، العاملة ضمن «درع الفرات»، أنها سيطرت على قريتي برشايا وجب الدم بعد اشتباكات مع مَن اسمتها «الميليشيا الانفصالية (وحدات حماية الشعب الكردي)»، كما سيطرت أيضاً على قرى جب البرازي ودويرة وبرات شمال مدينة الباب، من تنظيم «داعش».
من جهته، أعلن «داعش» عبر وكالة «أعماق» تنفيذ عملية انتحارية استهدفت مقر قيادة الجيش التركي وفصائل «المعارضة» السورية قرب قرية وقاح شمال غرب الباب في ريف حلب. وعرضت الوكالة مقطع فيديو للعملية، لكن ما ظهر هو انفجار العربة المفخّخة في مكان خالٍ من الأبنية.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد