روغوزين في دمشق: اندفاعة اقتصادية تُعيقُها البيروقراطية
رجال منضبطون ببزات سوداء، حسناوات بثياب رسمية أنيقة ومحتشمة، شخصيات لافتة للنظر بحقائب سوداء مكتبية، كثرٌ بسحنات أوروبية شرقية، يتجولون او ينتظرون تحرك الموكب الرسمي، تحيطهم عناصر أمنية سورية متوزعة في بهو الفندق الدمشقي، وعلى مداخله وبين طوابقه، مع الكلاب البوليسية المدربة، وأفواه مطبقة حين السؤال عن الضيف البارز، الذي زار دمشق، أمس الأول، فلا تُخفى أهميته، كما لا تُعرف هويته.
في اليوم التالي، أعلنت «سانا»، أن نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري روغوزين، رجل نهضة الصناعات العسكرية الروسية، والمقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زار سوريا لمدة يومين، وعقد لقاءً مع الرئيس السوري بشار الأسد، واعداً بعد لقاء استمر 90 دقيقة بـ «تذليل العقبات التي تعترض التعاون بين البلدين».
وقال روغوزين «اتفقنا أن الحكومة السورية ستولي اهتماماً دقيقاً لكل شركة روسية في سوريا. وقدّمنا اليوم أكبر المشاريع في مجالي الطاقة والنقل للرئيس الأسد، وهو يضمن شخصياً نظام الظروف الأكثر ملاءمة لتنفيذ المشاريع الاقتصادية الروسية في سوريا».
وذكرت «سانا» أن الجانبين اتفقا خلال اللقاء «على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات التبادل التجاري والاستثمار والنفط والغاز والنقل».
وفي هذا السياق، أكد روغوزين أن موسكو تدرس جميع الإمكانيات لدعم الشعب السوري اقتصادياً، موضحاً أن «الجانب السوري قدّم عدداً من الطلبات حول مساعدة الدولة السورية على الاستمرار، ودعم السكان الذين حرموا من الطرق التقليدية لتأمين لقمة عيشهم». وقال إن «سوريا كانت سابقاً دولة ناجحة تبيع النفط والحبوب، واليوم لم يعد لها شيء: لا نفط ولا حبوب، ولا توجد بضائع كثيرة ضرورية لتلبية الاحتياجات الأساسية» للسكان.
وكان الجانبان اتفقا على ضرورة هذه الزيارة، التي جرت من دون الإعلان عنها في يومها الأول، منذ زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو في شهر تشرين الاول الماضي، كما اتفقا على الحاجة لخطوة عملية وذات ثقلٍ لتحريك مياه التعاون الاقتصادي الراكدة بين البلدين. ووعد الجانب السوري حينها موسكو برفع مستوى اللجنة المتابعة لقضايا التعاون إلى مستوى نواب رئيس الوزراء، كما حصل، وتحويل قضايا التعاون مع موسكو لـ «قضايا شراكة اقتصادية طويلة الأمد».
بدوره، أثنى الأسد خلال اللقاء على روسيا بقوله إن «السياسات والمواقف التي تنتهجها روسيا، سواء على المستوى الدولي أو ما يتعلّق بالحرب ضد الإرهاب، أكدت موقع موسكو الطبيعي كقوة عظمى أساسها المبادئ والقيم والتمسّك بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول وحقّها في تقرير مصيرها».
كما أشار الأسد للوفد الروسي، الذي ضمّ أيضاً نواب وزراء الخارجية والدفاع والتنمية الاقتصادية والطاقة والزراعة، إلى أهمية الدعم الروسي لسوريا في مختلف المجالات، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي.
ولاحقاً، عقدت «اللجنة السورية - الروسية المشتركة» برئاسة المعلم وروغوزين جلسة مباحثات اقتصادية، أثمرت عن التوقيع بالأحرف الأولى على ثلاثة بروتوكولات للتعاون في المجال الجمركي حول تنظيم المعلومات التمهيدية ما قبل وصول البضائع والمركبات التي يتم نقلها بين البلدين، والتعاون في مجال تبادل المعلومات والمساعدة المتبادلة وفقاً للنظام الموحّد للأفضليات التعريفية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
ويعاني التعاون بين الجانبين، من «بيروقراطية في التمويل» وفقاً لما نقلته مصادر قريبة من الجانب الروسي، تتمثل في وجود عقبات في تنفيذ الضمانات المالية المرتبطة بالعقود الموقعة، وبينها مشاريع طاقة، ولاسيما في مجال الكهرباء مخصصة لمناطق تشهد معاناة كبيرة كما في حلب على سبيل المثال. ما دفع المصادر للقول إن الحديث عن اجتماع مجلس استثماري مشترك بين الجانبين قريباً، غير عملي، قبل إيجاد حلول سريعة ومستدامة لهذه القضية.
برغم ذلك، ركّز المعلم على «أهمية زيادة التبادل التجاري بين البلدين وتمكين المنتجات السورية من الولوج إلى السوق الروسية بهدف تحقيق شراكة استراتيجية اقتصادية بين البلدين»، مشيراً إلى أن سوريا «ستعطي الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار إلى الأصدقاء، ومنهم الشركات الروسية في مختلف المجالات».
من جهته، أكد روغوزين أهمية دعم الحكومة السورية للشركات الروسية التي تقدّم عروضاً لتخديم البنى التحتية في سوريا وتقديم التسهيلات لها ومتابعة هذه المشاريع من الجانبين.
وفي السياق ذاته، التقى رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس روغوزين بغياب وزير الاقتصاد اديب ميالة، ولكن بحضور وزراء الخارجية والمغتربين والمالية والنفط والثروة المعدنية، والأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء محمد العموري، ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي ومعاون وزير الخارجية أيمن سوسان والسفير الروسي في دمشق.
ويرأس روغوزين مجمع الصناعات العسكرية الروسية، وله دور في تحديد احتياجات الجيش السوري العسكرية، كما سبق أن زار دمشق في نيسان 2014، وتأتي زيارته متزامنة مع حديث الجانب الروسي عن توسيع قاعدته العسكرية البحرية في طرطوس، وتحويلها لقاعدة مستدامة. كما تزامن مع إعلان الجيش السوري عن «تشكيل الفيلق الخامس اقتحام، من المتطوّعين للقضاء على الإرهاب». ويذكر أن الفيالق عسكرياً عادة ما تضمّ «جيشاً يتكون من ألوية متكاملة كالمشاة والمدرعات وغيرها من الاختصاصات، ولا تقتصر على اختصاص الاقتحام».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد