الجيش يفتح طريق المطار ويقترب من قلعة حلب و«النصرة» تلتهم «جيش الإسلام» و«فيلق الشام»
انهيار واسع في صفوف المسلحين تُرجم ميدانياً بتقدم كبير حققه الجيش السوري خلال ساعات عدة في القسم الجنوبي لطريق مطار حلب الدولي، ليُعلنه آمناً بشكل شبه كامل. أحياء بالجملة سقطت تباعاً من دون مقاومة تذكر، مجموعات من المسلحين سلّموا أنفسهم للجيش هرباً من «سطوة النصرة» التي هاجمت بدورها مقارّ لـ «جيش الإسلام» و «فيلق الشام» واستولت على أسلحتها، في وقت بدأ فيه الخطاب الأوروبي يتغير نحو تقبل هزيمة المسلحين في حلب و «التقليل من شأنها».
في الوقت الذي كان الجيش السوري يتقدم من عدة محاور شرقية وشمالية نحو القسم الجنوبي لطريق المطار، ومع استمرار تقدمه ووصوله إلى أحد أبرز معاقل المسلحين (مشفى العيون)، مضيفاً بذلك عشرة أحياء إلى تلك التي سيطر عليها سابقاً، وهو أمر جعل أكثر من 65 في المئة من الأحياء التي كان يسيطر عليها المسلحون في قبضته، حاول الاتحاد الأوروبي التقليل من أهمية استعادة الجيش السوري الكامل للمدينة.
وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قالت خلال مؤتمر في روما: «تستطيع أن تكسب حربا لكنك قد تخسر السلام». كذلك، اعتبر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ان تقدم الجيش السوري في مناطق شرق حلب لا يمثل «انتصارا للاسد» أو حليفه الروسي فلاديمير بوتين، مضيفاً في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»: «أعتقد أنه من الخطأ التفكير أن ما يحدث في حلب أو غيرها من المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في سوريا يمكن أن يشكل انتصارا للأسد أو لبوتين».
ويختلف الخطاب الأوروبي الجديد عن سابقه الذي كان يحذر من «كوارث إنسانية» ستشهدها حلب في حال تنفيذ الجيش السوري عملية عسكرية في القسم الشرقي للمدينة، غير أن المعطيات الميدانية والانهيار السريع في صفوف المسلحين من جهة، ونجاح الجيش في تأمين آلاف العائلات من جهة أخرى، عوامل يبدو أنها غيّرت من الخطاب السياسي وحوّلته إلى إقرار مبطن بهزيمة المسلحين.
بدوره، اعترف المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا خلال مؤتمر صحافي في روما بأن مسلحي حلب «لن يصمدوا طويلاً»، آملاً في الوقت ذاته أن يتم التوصل «إلى صيغة ما تجنّب حلب معركة رهيبة»، لافتاً إلى أنه سيلتقي قريبا الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب لمناقشة الحرب في سوريا.
موسكو أعلنت أنها مستعدة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة بشأن انسحاب كل مقاتلي المسلحين مما تبقى من أحياء حلب الشرقية. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «نحن مستعدون لإرسال خبراء عسكريين وديبلوماسيين إلى جنيف على الفور من أجل الاتفاق على تحركات مشتركة مع الزملاء الأميركيين لضمان انسحاب كل المقاتلين المعارضين من دون استثناء من شرق حلب».
«جيش حلب» للاستهلاك الإعلامي..
بعد ثلاثة أيام على الإعلان عن «جيش حلب» الذي قيل إنه شكّلته الفصائل المقاتلة داخل حلب، باستثناء «النصرة»، بهدف «منع النظام من التقدم في ما تبقى من أحياء حلب الشرقية»، لم يتمكن «الجيش» الجديد من منع الجيش السوري من تحقيق التقدم المُطَّرد، كما لم تسجل مقاومات عنيفة للفصائل المسلحة التي فرّت من مساحات واسعة على الجهة الجنوبية لطريق المطار شرق المدينة.
وذكر مصدر معارض أن «جيش حلب لم يحقّق أياً من أهدافه، على العكس تماماً، الجبهة الداخلية للمسلحين تشهد انهياراً تاماً، قوات النظام تتقدم بصورة أسرع من السابق». وتمكن الجيش السوري خلال عدة ساعات من السيطرة على أحياء: الميسر، كرم الطحان، كرم القاطرجي، الحلوانية، وأجزاءً واسعة من حي الشعار، بالإضافة إلى تجمع المستشفيات (الوطني والعيون)، ودوار قاضي عسكري ودوار الحاووظ، ونقاط أخرى.
في غضون ذلك، بدأت «جبهة النصرة» التهام الفصائل الأخرى التي سلّمت بالأمر الواقع وبدأت التحرك لتوقيع اتفاقات مع الجيش السوري لتأمين خروجها من مناطق سيطرتها، حيث اقتحم مسلحون تابعون لـ «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً)، ومسلحون تابعون لـ «سرية ابو عمارة» مقارّ تابعة لـ «جيش الإسلام» و «فيلق الشام» في حي الكلاسة، واعتقل المسلحون مجموعة من قادة الفصيلَين كما سيطروا على مخازن الأسلحة.
وذكرت مصادر «جهادية» أن هجوم «النصرة» الأخير «جاء على خلفية نية الفصيلين الاستسلام للجيش السوري».
إلى ذلك، أكد مصدر أمني سوري أن عشرات المسلحين سلّموا أنفسهم للجيش السوري خلال اليومين الماضيين، بينهم مجموعة كاملة استسلمت بعدما تمكنت من الهرب من «جبهة النصرة». وذكر المصدر أنه «سيتم تسوية أوضاع المسلحين الذين سلّموا أنفسهم وفق القانون».
كذلك، قامت مروحيات تابعة للجيش السوري برمي منشورات تدعو الأهالي إلى الخروج من مناطق سيطرة المسلحين، كما دعت المسلحين إلى تسليم أنفسهم. وفيما كان مقرراً أن تقوم الفصائل المسلحة بفتح «ممرات للمدنيين للخروج من مناطق الحصار نحو مناطق سيطرة الجيش السوري، منعت جبهة النصرة هذا التحرك، وضيَّقت الخناق على الأهالي كونهم يمثلون دروعاً بشرية»، بحسب تعبير مصدر ميداني.
إلى المدينة القديمة
وساهم التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري خلال الساعات الماضية في تأمين معظم الطريق المؤدي إلى مطار حلب الدولي، باستثناء جيب صغير للمسلحين في منطقة سد اللوز، توقع مصدر ميداني أن تتم معالجته خلال ساعات. وتساهم عملية تأمين الطريق بإعادة تشغيل المطار، الأمر الذي يساعد في تسريع عمليات إنعاش المدينة التي أنهكتها الحرب.
وتشير التطورات الميدانية الأخيرة والتقدم الكبير الذي حققه الجيش في عمق مناطق سيطرة المسلحين، إضافة إلى السيطرة على مستشفى العيون بالتحديد، إلى أن الخطوة المقبلة ستكون باتجاه أحياء حلب القديمة وصولاً إلى قلعة حلب.
وتفصل عدة أحياء بين مواقع سيطرة الجيش السوري حالياً وقلعة حلب التي يحاصرها المسلحون من ثلاث جهات، حيث تُمكِّن سيطرة الجيش على هذه الأحياء المتبقية (باب الحديد، اقيول أو أغيور، باب النصر، جادة الخندق) بحشر المسلحين في الزاوية الجنوبية الغربية للأحياء الشرقية، أي في أحياء السكري وصلاح الدين والكلاسة، وهي أحياء ذات كثافة سكانية عالية، تضم مجموعة كبيرة من الأبنية المتراصَّة.
وبرغم ذلك، تُعوِّل المصادر العسكرية كثيراً على الانهيار الكبير في صفوف المسلحين المحاصرين، وذلك للتوصل أخيراً إلى قرار إخراجهم من دون قتال من تلك الأحياء، الأمر الذي يوفر على الجيش خوض معارك ذات طابع خاص أقرب إلى حرب الشوارع، ما سيهدد حياة آلاف المواطنين الذين تمنعهم الفصائل المسلحة من الخروج من تلك الأحياء.
ومع استمرار تدفق المواطنين من مناطق سيطرة المسلحين، سواء بفعل تقدم الجيش وقضمه لمناطق واسعة كانت خارج سيطرته أو نتيجة لهروب بعض العائلات من قبضة المسلحين، عملت الحكومة السورية على زيادة كميات المساعدات المقررة للعائلات التي تم تأمينها مؤقتا في مراكز خاصة. كذلك أعلنت روسيا إرسال 11 مركبة عسكرية إلى شرق مدينة حلب لتوزيع مساعدات غذائية وطبية على المدنيين الذين يعيشون في ملاجئ مؤقتة. كما تم توجيه المساعدات إلى حي مساكن هنانو الذي سمح الجيش السوري لسكانه بالعودة إليه تدريجياً بعد تفكيك الألغام وتأمينه وبدء ترميم بنيته التحتية.
ما بعد حلب
حتمية سقوط ما تبقى من أحياء حلب دفعت الصحف الغربية للبحث عن مرحلة «ما بعد حلب». صحيفة «تليغراف» البريطانية تكهنت بأنه في المرحلة المقبلة «سيتَّبع المسلحون تكتيكات جديدة أشبه بحرب العصابات، تشهد عمليات اغتيال وتفجير سيارات مفخخة».
ونقلت عن المتحدث باسم حركة «نور الدين الزنكي» بسام حجي قوله: «سنستخدم كل أشكال المقاومة، حرب العصابات، الاغتيالات، المتفجرات، لن نوفر أي شكل من أشكال القتال ضد النظام». فيما أبدت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية خشيتها من أن تؤدي «خسارة حلب والمخاوف من تخلي إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن استمرار دعم الفصائل المسلحة، إلى تحالف المسلحين على نحو وثيق مع الجماعات المتطرفة والتابعة للقاعدة، وهي أكثر تسليحاً، وتلقّي المزيد من الأسلحة من دول الخليج»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هذه الفصائل «تلقت على مدار ثلاثة أعوام دعماً بأسلحة فتاكة من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية».
من جهته، لم يُخفِ مصدر عسكري سوري «دهشته» من مخاوف الصحيفة الأميركية، خصوصاً أن الفصائل التي تعتبرها الولايات المتحدة «معتدلة» وتقدم لها الدعم، تقاتل فعلياً إلى جانب «جبهة النصرة»، متسائلاً «ماذا يمكن أن نسمي جيش الفتح الذي تقوده النصرة نفسها وتقاتل في صفوفه جميع الفصائل المدعومة أميركياً، ألا يُسمى ذلك ارتباطاً وثيقاً؟ كذلك رفض الفصائل المسلحة الخروج من أحياء حلب وخضوعها لأوامر النصرة، ألا يسمى ارتباطاً وثيقا؟»، مشدداً في الوقت ذاته على أن «الحديث عن فصائل معتدلة منفصل عن الواقع، على الأرض جميع الفصائل التي تقاتل مرتبطة بجبهة النصرة وتحمل عقيدتها ذاتها».
في غضون ذلك، صوَّت مجلس النواب الأميركي للمرّة الأولى لتخويل إدارة ترامب المقبلة بتسليح «المعارضة السورية» بصواريخ مضادة للطائرات. وذكر موقع «المونيتور» الأميركي أنه مع أن الصيغة المستخدمة في مشروع قانون الدفاع السنوي تخلق أيضاً قيوداً على توفير الأسلحة المثيرة للجدل، لكنها تمثل فوزاً لرئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ جون ماكين، وهو من أشدّ أنصار دعم المسلحين في سوريا، كما من المتوقع أن يمرر مشروع القانون في الأسبوع المقبل في مجلس الشيوخ.
ونقل «المونيتور» عن مستشار «اللجنة العليا للمفاوضات» السورية بسام بربندي قوله «إن هذه الخطوة كان يمكن لها أن تكون مُغيّراً رئيسياً لقواعد اللعبة بالنسبة للمعارضة قبل عام، رداً على التدخل الروسي، والذي كما رأيناه كان في المقام الأول ينطوي على الاستخدام المكثف للقوة الجوية»، مضيفاً «إذا قرر ترامب عدم إيقاف الدعم العسكري الأميركي للمعارضة، وتوفير نظم الدفاع الجوي المحمولة، فإن ذلك يمكن أن يساعد المعارضة في الحفاظ على مواقعها في إدلب، والتي أظن أنها ستكون المكان الذي ستتركز عليه نيران القوة الجوية الروسية بعد انتهاء النظام من حلب».
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد