من الضابط التركي المتحكم بقرار المليشيات؟
أبو الفرقان بالنسبة لكثيرين هو مجرد شبح لا وجود له في الواقع، لكنه بالنسبة لقادة المليشيات المسلحة في الشمال السوري هو الشخص الذي يتمنون لقاءه أكثر من أي مسؤول آخر، وفي الوقت نفسه ترتعد فرائصهم عند الجلوس بحضرته، كيف لا وهو «ملك الفصائل».
أبو الفرقان ليس لقباً عاديّاً من الألقاب التي اعتاد «الجهاديون» في سورية التكنّي بها لإخفاء هوياتهم الحقيقية، بل هو لقب الضابط التركي الذي يشغل منصب مسؤول الملف السوري في الاستخبارات التركية.
يترأس أبو الفرقان وهو برتبة عقيد في جهاز الاستخبارات التركية «غرفة أنقرة لإدارة الملف السوري» وتسمى كذلك «غرفة تنسيق الدعم»، وهو ضابط الارتباط بين قادة الفصائل ورئيس جهاز الاستخبارات التركية حاقان فيدان، لذلك هو المسؤول عملياً عن كل شاردة وواردة في ملف الفصائل المسلحة، وتتقاطع بين يديه خطوط جميع المليشيات على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها. فهو الذي يوزع الدعم على هذه المليشيات حسب قربها ودرجة تماهيها مع السياسة التركية، وبناءً على تقاريره التي يرفعها إلى رئيس الاستخبارات يتم تحديد قادة المليشيات الموثوقين الذين يمكن الاعتماد عليهم في مهام تتعلق بالأمن القومي التركي.
هذه الصلاحيات تجعل من اللقب الذي اختير لهذا الضابط أي لقب أبو الفرقان اسماً على مسمى، لأن صاحبه هو الذي يَفْرق بين المليشيات حسب الولاء ويُفرّق الدعم بينها على هذا الأساس.
لكن أبو الفرقان لم يكن على الدوام ملك المليشيات المطاع، إذ كانت الظروف الإقليمية والدولية تفرض على أنقرة أن تقبل ببروز أدوار دول أخرى في الملف السوري ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية التي لم تكن علاقتها معها قد اختلّت بعد. فكان الضابط الأميركي الملقب بـ«أبو رامي الإدلبي» يصول ويجول فارضاً هيمنته شبه المطلقة على المليشيات المسلحة، وحتى على أبي الفرقان الذي كان مضطراً آنذاك أن يراعي العديد من الحسابات المحلية والإقليمية خلال عمله مع الضابط الأميركي فكان يظهر بمظهر التابع له والخاضع لأوامره وتعليماته.
كان هذا قبل أن تنتكس علاقة أنقرة وواشنطن، حيث وجدت أنقرة الفرصة سانحة أمامها لاستلام زمام القيادة وفرض أبي الفرقان حاكماً بأمر نفسه على أغلبية مليشيات الشمال السوري، وتنحية دور الضابط الأميركي جانباً ولو بشكل جزئي ومؤقت نوعاً ما.
سنوات طويلة مضت على رجل الاستخبارات التركية وهو يتعامل مع جميع أشكال المليشيات المسلحة في سورية ويختبر طباع قادتها وميولهم وتوجهاتهم، حتى أصبح يمتلك كنزاً معلوماتياً ضخماً جداً مكّنه إلى حد كبير من صقل الخبرة السابقة التي كان يتمتع بها في التعامل مع الحركات الإسلامية التي جرى على اساسها اختياره لشغل هذا المنصب، علاوة على ما يصفه بعض من عرفه من كثب بأنه «داهية وشديد الذكاء ويعرف كيف يدير ملف الفصائل بعناية فائقة»
وأشيع منتصف العام الماضي خبر عزل أبي الفرقان واستبداله بضابط تركي آخر، لكن سرعان ما تبين عدم صحة ذلك. ويستبعد الكثيرون من قادة المليشيات أن يجري استبدال أبو الفرقان بأي رجل آخر، ليس بسبب الخبرة التي يمتلكها وحسب، بل لأنه حسب ما يصفونه في أوساطهم «هو ذراع أردوغان في سورية وهو باق ما بقي أردوغان نفسه». ومع ذلك لا يمكن استبعاد أن تكون سطوة الرجل هي التي دفعت هؤلاء إلى المبالغة في وصف «سيدهم».
وقامت سياسة أبي الفرقان منذ البداية على ثابت وحيد هو «دعم لا محدود للمليشيات المقربة من جماعة الإخوان المسلمين» مع «الاستثمار قدر الإمكان في المليشيات الأخرى وتوظيفها لخدمة الهدف التركي» الذي يتماهى بطبيعة الحال مع أهداف الإخوان المسلمين. وهذه السياسة هي مجرد تطبيق حرفي للتوجهات المعروفة عن القيادة التركية وعلى رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وإذا كانت «الألوية» ذات الانتماء التركماني قد نالت حصة الأسد من رعاية أبي الفرقان، فإن «أحرار الشام» كان لها بدورها وضع خاص في أجندة الرجل. وهناك من يقول إنه لمعرفة من اغتال قادة الأحرار أواخر العام 2014 وما تبعه من تغيير جذري في حال الحركة وتوجهاتها، فإنه ينبغي البحث في صندوق أسرار أبي الفرقان.
لكن الانحياز الواضح إلى جماعة الإخوان ترك ثغرة لا بد من سدها وهي طريقة التعامل مع الجماعات «الجهادية» التي بينها وبين الإخوان حساسيات معروفة وصلت مؤخراً إلى درجة تكفير بعضها لبعضها الآخر. ولسدّ هذه الثغرة كان لا بد من حيلة بسيطة وهي فرز ضابط تركي آخر يلعب دور المنحاز إلى «الجماعات الجهادية»، وفي مرحلة من المراحل كان الضابط الذي يقوم بهذه المهمة يحمل اسم «كمال» لكن لا معلومات أخرى عنه وعما إذا كان ما زال مستمراً في عمله أم جرى استبداله.
عبد الله علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد