الأزهر والفاتيكان وحوار الأديان
أعلن الازهر الشريف قبل ايام عن قبوله دعوة الفاتيكان لحضور مؤتمر خاص بالحوار بين الاديان، سيعقد في شباط الحالي بتنظيم من منطقة القديس "أيجيديو" المتخصصة بدور الاديان في صنع السلام. وبذلك يعلن الازهر استئناف الحوار الاسلامي المسيحي المتوقف منذ ايلول/ سبتمبر الماضي، على اثر محاضرة اكاديمية للبابا في المانيا.
الازهر الشريف ينظر اليوم الى الامر من باب الموضوعية والواقعية. فالمحاضرة انتهت في اليوم ذاته الذي ابتدأت فيه. ولا يمكن لها ان تصنع شرخا دائما بين اتباع الديانات، سيما وان ملقيها، اي البابا، بين اكثر من مرة انه لم يقصد الاساءة الى الاسلام، وان الحوار اليوم اكثر من الامس، بات ضرورة حيوية وملحة لا تراجع عنها. فضلا عن ان زيارته التاريخية الى تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي قد حملت في برنامجها لقاءات مع قيادات مسلمة وصلاة في الجامع الازرق، في صورة تجلى فيها تعاون الاديان، مع الصلاة معا الى التفكير معا الى العمل لخير الانسانية.
والازهر، بما يمثل من مركز فكري وروحي وثقل معنوي وفقهي في العالمين العربي والاسلامي، يؤذن ليس بفتح الحوار بينه كمركز وبين الفاتيكان كأصغر دولة في العالم، بل هو بين المسيحيين والمسلمين في العالم اجمع، ولنقل بين الشرق والغرب، رغم ما شاب الامر من توتر تراكض الحكماء الى اطفاء ناره على عجل.
فالحوار شأن ايماني، لكنه ايضا انساني، وبالتالي عرضة للنجاح حينا والانتكاسات احيانا اخرى. وقد يتعرض للفشل والتوقف وقلة الهمة وعدم الاكتراث. لكن المهم الا يتوقف الانسان، فردا او جماعة، عند نقطة وقوف او توقف، ويبقى متمسكا عندها بقناعات لا تغني ولا تسمن. المهم هو عدم الخوف من تحديات الحوار. بل النظر معا، نحو حلول لتحديات العالم، تماما كما جاءت رسالة المجلس الحبري للحوار في نهاية شهر رمضان 2006: "مسلمون ومسيحيون معا من اجل رفع التحديات عن العالم". لذلك فهم الازهر ان التحدي الاكبر ليس الجلوس معا الى طاولة الحوار، بل التحدي الاكبر هو ما يحصل في عالم اليوم ويتطلب القفز عن تحديات وصعوبات الحوار من اجل مواجهة تحديات العالم من ارهاب وفقر وبطالة وتلوث بيئي واستخدام خاطئ للدين. وان للاديان، مجتمعة، ان تؤدي دورا تصالحيا وتوافقيا، بعد ان باتت الصراعات الطائفية المشتعلة تزداد شراسة ودموية. وفيما يدعو حكماء هذه الامة وعقلاؤها الى ان يعمل مسلمو هذه الامة، سنة وشيعة، على تعظيم الجوامع ونبذ الخلافات في ما بينهم. فهذا ينطبق كذلك على الحوار بين الاديان.
وبعد، ففيما يتوجه وفد رفيع من الازهر الى الفاتيكان للايذان ببدء عهد جديد من الحوار، فاننا ندعو الا يبقى الحوار في مؤتمرات دولية رفيعة المستوى، بل ان ينتقل الى المستويات الوطنية والمحلية، وندعو الا تكون هذه بدورها محصورة في قاعات المؤتمرات في الفنادق الفارهة، بل ان تنتقل الى مستوى الشارع العربي والاسلامي من خلال التربية، في البيت والمدرسة والجامعة ودور العبادة، على قاعدة النظر الى الآخر نظرة تكاملية تعاونية بناءة، لا نظرة اختلاف فقط.
فالاختلاف حاصل، ولا شأن لأجيال اليوم بوجوده، وقد يكون ذلك محرضا على النظر الى الآخر من باب الفوارق فقط، بينما الحوار – لمن يسلكون درب الحوار الشفاف والصريح – هو ان ينظر المرء الى الآخر من باب الجوامع والعناصر المشتركة التي تشكل لبنات اساسية، من بناء التعاون، ودائما من اجل خير الانسان، الذي خدمته هي اساس كل حوار وتعاون. ولدينا في عدة بلدان في الشرق الاوسط معاهد ومؤسسات متخصصة بالحوار، وهي مهيئة للعمل الحثيث على رفع سوية الحوار والانتقال به الى مراحل متقدمة.
الازهر والفاتيكان، من جديد معا على طاولة الحوار.
معا امام الله الواحد، ومعا من اجل الانسان.
الأب رفعت بدر
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد