منصرفات المنشآت الصناعية في حمص، تلوّث نهر العاصي وتهدد الآبار بالخروج من الخدمة
بات التلوث البيئي أحد أهم المشاكل والموضوعات المعاصرة التي تثير اهتمام المجتمعات، لأنها تهدد بشكل أو بآخر سلامة الحياة، ولم يعد خافياً على أحد أن البيئة ومكوناتها التي تتعرض لمخاطر حقيقية محدقة هي من أولويات الموضوعات في أبعادها وتأثيراتها وديمومتها، لحجم المشاكل والأضرار والأخطار التي تلحق بالبيئة لدرجة باتت فيها السلامة العامة غير مأمونة أو مضمونة.. التلوث البيئي هو الأخطر من حيث زيادة نسب تلوث المياه، وفقر التربة، وتملحها، والتصحر، وانحسار الغطاء النباتي، وتلوث وضعف فاعلية التنوع الحيوي، إضافة إلى أشكال التلوث والملوثات الأخرى.
ضمن حمص وخلال فترة الحرب كان هناك ركود في المناطق الحساسة بيئياً والتي تقع ضمن المناطق الساخنة، وأغلب مستلزمات العمل تعرضت للتخريب، وهناك مدن صناعية كاملة خرجت من الخدمة، وهذا خفف من التلوث، وفي اجتماع مجلس محافظة حمص بدورته العادية الخامسة أثيرت أسئلة عدة حول تلوث بحيرة قطينة ومياه نهر العاصي، ما تسبب بنفوق أعداد كبيرة من الأسماك بالبحيرة بعد إقلاع معمل السماد، وكذلك تناولت تصريف المياه بالمدينة الصناعية وأحواض الترسيب ومحطة المعالجة، كما تناولت تلوث مجرى وادي الربيعة من منصرفات المدينة الصناعية، ولكن حتى الآن لا يوجد حلول بالمعنى الفعلي، حيث الجميع يخلي مسؤوليته من خلال رفع الكتب الرسمية التي لم تجد حلاً يذكر على أرض الواقع حول ذلك، وحول العديد من المواضيع المتعلقة التقينا مدير البيئة في حمص المهندس طلال العلي.
تخريب ونهب
العلي بيّن في بداية حديثه تعرض المخابر البيئية للنهب من ناحية التجهيزات، وبعد زيارة الوفد الحكومي لحمص تم رصد مبلغ 50 مليون ل.س لإعادة ترميم المبنى ورفده بمستلزمات العمل، و قبل 31/12 سيكون بجاهزيه كاملة، ويبقى استكمال تجهيزات المخابر التي تستخدم أحدث التكنولوجيا المتطورة، وحالياً نقوم مع الجهات العاملة بالمجالات البيئية – موارد مائية- مؤسسة المياه- المدينة الصناعية- لإجراء التحاليل بمخابرها، ونحتاج لرفد الكادر ببعض الاختصاصات التي تسربت، فالكادر الموجود الآن، خمسون بالمئة مؤهل، ويحتاج لتحفيز وإيقاد ذاكرة، وخمسون بالمئة جديد، وغير مؤهل كما يجب.
مشكلات متعددة
ولفت العلي أن حمص تتمركز فيها الصناعات الكبيرة (الأسمدة والنفط)، ومن المعروف أن المشاكل البيئية هي الأكثر تواجداً في هذه الصناعات، وقال: ليس سراً أن منشآت التكنولوجيا فيها قديمة، وكمية التلوث عالية، وبالأصل حين الإنشاء لم يؤخذ بالحسبان كيفية المعالجة، وما أنشئ فيما بعد لم يكن بالمستوى المطلوب للمنصرفات، ونركز هنا على مسألة تلوث المياه، لأن الكميات المستجرة منها كبيرة نسبياً، وفي فترة الحرب توقفت بعض المنشآت، ثم عاد البعض منها إلى العمل مجدداً، ومع عودة المصفاة ومعمل السماد، ظهرت المشاكل من جديد، وتلك المنشآت كانت بحاجة للتأهيل قبل الإقلاع، ونحن بصدد الحلول، ومعالجة مشاكل المنصرفات التي تسببت في التلوث من خلال مراصد على مدار الساعة تقيس نسب التلوث، وتنقل تقاريرها للمديرية كي تتم معالجة ذلك، وقد شُكلت مؤخراً لجان فنية لهذا الغرض، وكل هذه الحلول إسعافية، إلى حين البدء بحلول حقيقية، فمعمل الأسمدة بحاجة فعلية لمحطة معالجة متكاملة ذات كفاءة عالية لمنع التلوث بنهر العاصي وبحيرة قطينة، وبانتظار الحلول الفعلية لا بد من الاعتماد على الإجراءات الإسعافية ذات التكلفة العالية جداً، وإعادة تأهيل المحطات القديمة وتحديثها، وهذا سيخفف كمية الملوثات بالنهر ذات نسب التلوث العالية بسبب عدم أهلية المحطة، لكن وحتى الآن لم يبدأ الحل الفعلي.
مصفاة حمص قديمة جداً
وأكد العلي أنه بعد عودة مصفاة حمص للعمل مؤخراً، ظهرت مجدداً المشكلات البيئية المرافقة، ورغم وجود محطة معالجة للمنصرفات السائلة بالمصفاة، وهي بحالةجيدة، ومطابقة للمواصفات، وتعيد المياه للنهر بأفضل من وضعها قبل الاستجرار، لكن مشكلة السلادج، وهي المادة الهلامية اللزجة من منصرفات المخلف النهائي للتكرير بها نسبة تلوث عالية، وهي على نوعين (بيولوجي- يمكن تدويره والاستفادة منه، وقد تم التخلص منه عن طريق أحد المتعهدين ليعاد تدويرها، وهناك السلادج الكيميائي) الذي به بقايا نفط والذي يصرف إلى أحواض مجاورة للمصفاة ومجاورة لبعض القرى ونهر العاصي، وقد تمت مشاهدة البقع بالعين المجردة على النهر، وتم التصدي لذلك بالحلول البسيطة الممكنة، في ظل غياب الحل البيئي الذي كان معتمداً من خلال عقد الشركة الكندية التي تم التعاقد معها بمصفاة حمص والتي كانت قد بدأت بتركيب معمل لإعادة تدوير السلادج بالكامل، ما يحقق مردوداً اقتصادياً، ويخفف ايضاً الضرر البيئي، لكنها توقفت عن العمل بسبب الظروف الأمنية ببداية الأزمة، وقد تم التأكيد خلال الاجتماع الأخير هذا الشهر على مخاطبة الشركة الكندية لتنفيذ العقد بعد عودة الأمان للمدينة، أو عرضه من جديد على شركات أخرى.. وعلى الرغم من ذلك قمنا بتقديم بعض الحلول كإنشاء حوض مجاور للأحواض التي تحول إليه المنصرفات، ويتم فيه الترقيد، وفيما بعد تستجر المادة الصالحة للتدوير، وما تبقى لا يصل للنهر، بل يتم التخلص منه بعيداً عن مصادر المياه والتجمعات السكنية، وطلبنا من إدارة المصفاة دراسة إمكانية التعاقد للتخلص من كافة المنصرفات بطريقة آمنة، وضمن الشروط البيئية، وإذا تم ذلك خلال شهر يتم التخلص من المشكلة بشكل كبير.
تلوث مجرى وادي الربيعة
عدم توفر الكواشف المخبرية، سيبقى نتائج التحاليل لمنصرفات المدينة الصناعية الملقاة في مجرى السيل مخالفة لمؤشرات التلوث الخاصة بالحدود القصوى المعتمدة من قبل المجلس الأعلى لسلامة البيئة لحين الانتهاء من تنفيذ محطة المعالجة الأولى، وبعد المعالجة سيتم التقيد بالمواصفة 2752/2008 الخاصة بمياه الصرف المعالجة لأغراض الري- المنصرفات الملوثة والتي تحولت سيلاً من المياه الآسنة تهدد البيئة، وتنذر المياه الجوفية بعدم الصلاحية للاستخدام البشري في المستقبل القريب، خاصة وأن عشرة آبار في دحيريج تجاور ذلك المجرى بدأ يصيبها العطب، فالعكارة أصبحت واضحة في بعض الآبار، والتلوث بأنواعه المختلفة أخرج واحداً من الآبار على الأقل من الخدمة، ووثائق مؤسسة المياه تتحدث بحياء عن عكارة ومواصفات قياسية.
والحقيقة أغلب القرى الواقعة على نهر العاصي منصرفاتها للصرف الصحي تصب بالنهر دون معالجة، وهذا يرفع الحمل البيولوجي البيئي وبرصد آبار دحيريج، وضمن نتائج المخابر ظهر تلوث بيولوجي كبير إضافة للتلوث الكيميائي، فالآبار تقع على مجرى وادي الربيعة، وهو مجرى سيلي يجلب كافة أنواع المياه مع ملوثاتها الطبيعية، ومن عدة مصادر، بما فيها منصرفات القرى الواقعة عليه، إضافة للمدينة الصناعية التي ترافق إنشاؤها مع إنشاء محطة المعالجة الأولى لمنصرفات صرف صحي، وصناعي، وبأحدث المواصفات، وبكلفة عالية جداً تضاعفت بسبب ارتفاع الأسعار حالياً، والآن وبعد جهد كبير وافقت الحكومة على ملحق عقد لاستكمال المحطة التي سبق أن أنجز منها 36%، وتوقف العمل بسبب الحرب، وخلال الأيام القادمة سيبدأ العمل ضمن فرصة 9 أشهر، لتدخل المحطة بعدها حيز العمل الفعلي بمعالجة مشاكل منصرفات المدينة الصناعية بشقيها الصحي والصناعي، وحسب التصريحات التي أدلت بها إدارة المدينة الصناعية لجهة إعلامية محلية في وقت سابق، فقد بدأ تنفيذ محطة المعالجة الأولى لمعالجة مياه الصرف الصحي والصناعي من قبل شركة الخير للتجارة والمقاولات بالتعاون مع شركة ألمانية بالعقد رقم 25 لعام 2010 بقيمة /228,118,696/ ليرة سورية ولمدة ثلاث سنوات، وفي السنة الأولى تم تنفيذ الأعمال المدنية والميكانيكية والكهربائية بقيمة /213,268,696/ ل.س، وتم إجراء بعض التعديلات التي ترتب عليها إضافة بعض التجهيزات والمعدات على عاتق المتعهد لتحويل عمل محطة المعالجة من محطة إسعافية إلى محطة دائمة بطلب من معاون وزير الإدارة المحلية، وفي السنة الثانية تم تشغيل وصيانة وتدريب الكادر الذي سيقوم بتشغيل المحطة بقيمة /14,850,000/ ل.س، أما في السنة الثالثة فتم تقديم مساعدة فنية للكادر الذي سيتم تدريبه لتشغيل المحطة مجاناً.
تم إصدار أمر المباشرة وتسليم موقع العمل في 2/5/2011، ويتم الإشراف على أعمال التنفيذ من قبل مكتب فينيق بالعقد رقم 5 لعام 2011، وتاريخ الانتهاء النظري لإنجازها لغاية 2/5/2012، مع العلم أن المساحة الكلية للمحطة 46 دونماً بطاقة 5500 م3/اليوم، وموقع المشروع شمال شرق بلدة حسياء، وتمت دراسة المحطة من قبل الهيئة الاستشارية.
بعثات تفتيشية ومتابعة المراقبة
المدينة بظرفها الحالي توجد بها استثمارات كبيرة، لكن جزءاً منها فقط هو المشارك بالتلويث، هناك 33 منشأة في حسياء لديها منصرفات سائلة من أصل المنشآت الكلية، وقد تم إرسال بعثة تفتيشية مؤخراً على مدى أربع جولات ولمدة عشرين يوماً مدعومة بمفتشين معتمدين من وزارتي العدل والبيئة، قامت بجولات حسب الأولوية، ورصد الإجراءات المتخذة للتعامل مع المنصرفات، وقد تم اكتشاف عدة حالات من الخلل، ما يستوجب المراقبة والمتابعة، خاصة خارج أوقات عمل الدوائر الرسمية للإدارات، أي ليلاً، حيث يتم التصريف العشوائي دون مراقبة.
شكاوى المواطنين
وأكد العلي أن هناك ملفين هامين على مستوى الصرف الصحي بحمص: (الصرف الصحي، والنفايات الصلبة)، وبالنسبة للصرف الصحي هناك تعدد للجهات العاملة، فالبلدية مسؤولة عن إنشاء وصيانة شبكات الصرف الصحي ضمن وحدات البلديات، وتوصيلها إلى منطقة المحاور الإقليمية، وصولاً لمحطة المعالجة، ومحطة المعالجة تتشكّل حسب عدد سكان المنطقة المستهدفة، ومنذ البداية كان هناك رفض شعبي لإقامة المحطات بسبب عدم وعي السكان بأهمية المنشأة، خاصة بالزراعة، فالمياه التي تكرر تعود نقية بنسب عالية جداً، ويمكن الاستفادة منها بالزراعة، على الرغم من معرفتنا أنه في بعض الأحيان يتم الري من قبل المزارعين من مياه الصرف الصحي غير المعالجة، ووجود محطة سيوفر المياه بحالتها الأفضل، ولفت العلي إلى تزامن إقامة هذه المنشآت مع بداية الأزمة في سورية 2011، تأسس بعضها ووضع بالاستثمار، والبعض الآخر توقف، وهو قيد الإنشاء، وحسب مشروع مستر بلان للصرف الصحي بحمص كان يفترض أن تنتهي مشكلة الصرف الصحي من المنزل حتى المعالجة النهائية، وإعادة الاستفادة من المياه بالري بعد تنقيتها.
وأضاف: المحطات التي وضعت لها جدوى اقتصادية، وتكاليف محددة حينها، تضاعفت الآن بسبب الغلاء والحصار الاقتصادي، وهي تعتمد بشكل كبير على الطاقة بشقيها: الكهرباء، والأحفوري، البترول، والتي كانت متوفرة بشكل جيد، وأيضاً بعد توقف العمل بمشاريع الصرف الصحي للوحدات الإدارية المذكورة خلال ست سنوات، مع عدم استثمار المحاور الإقليمية القائمة قبل الحرب بثماني سنوات، أي أصبحت بقدم 15 عاماً، وتعرّضت للتخريب والتلف، وتحتاج للترميم، وهي مكلفة بشكل عام، ونحن الآن نتجه للعمل بأسلوب يتناسب مع المرحلة القادمة من إعادة الإعمار إلى محطات المعالجة المكانية الصغيرة التي يسهل متابعتها، وإمكانية المعالجة الجيدة، والاستفادة من المياه المكررة التي تتناسب مع عدد سكان كل منطقة، ويتم الاعتماد فيها على آلية المعالجة عبر النباتات بعيداً عن أية مصادر طاقة بديلة، وهو أسلوب معتمد في كثير من الدول المتطورة، وقد تم رفع الخطة لوزارة الإدارة المحلية والبيئة، ويوجد اهتمام حقيقي بهذا الملف وبشكل جدي.
تساؤلات بيئية
المهندس نبيل الحسن وزير الموارد المائية أكد أن الخطر يكمن في منصرفات المدينة الصناعية، وتلويثها لمجرى وادي الربيعة، وتأثيرها على الحوض المائي الاستراتيجي الذي تقبع فوقه المدينة الصناعية، وذلك أثناء زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء إلى محافظة حمص، وبرفقته عدد من الوزراء للاطلاع ومتابعة مشاكل المواطنين وهمومهم.
وقد أثيرت في حينها الكثير من التساؤلات حول عدم الانتهاء من محطة المعالجة قبل أن تبدأ معامل المدينة الصناعية بالعمل، وكيف لم تقم الجهات المختصة بالتعاطي الجدي مع الأثر السلبي لعدم إنجاز محطة المعالجة على الحياة البيئية بشكلها الأوسع والأعم.
يبقى أن نشير إلى أن المدينة الصناعية والسكنية بحسياء تعتبر تجمعاً صناعياً وعمرانياً متطوراً تتضمن كافة المرافق الخدمية الاجتماعية، والثقافية، والتعليمية، والترفيهية، والمهنية، بمساحة /2500/ هكتار، وتتسع لـ /70/ ألف نسمة، وبتوسع مستقبلي يمكن أن يصل إلى /12500/ هكتار، ويتسع لـ /350/ ألف نسمة، ويتوزع الاستثمار فيها على أنواع مختلفة.
واليوم تحتوي على منطقة صناعية تستقطب كافة المستثمرين بمختلف أنواع صناعاتهم النسيجية، والغذائية، والكيميائية، والهندسية، بحيث تتجمع هذه الصناعات لتخلق جواً قادراً على أن يكون بشكل دائم صديقاً للبيئة، وبمساحة /2500/هكتار، وليبلغ حجم الاستثمار الصناعي /857/ منشأة، /200/ منها منتجة، و603 قيد الإنشاء، و184 مرخصة صناعياً وإدارياً، و16 في الإنتاج التجريبي.
المصدر:سمر محفوض - البعث
إضافة تعليق جديد