«مجلس سوريا الديموقراطية» يبحث في دمشق... آفاق «اللامركزية»
تقترب مناطق الجنوب السوري من العودة بنحو كامل إلى كنف الدولة، مع اندحار «داعش» في حوض اليرموك، وسيطرة الجيش أمس على بلدتي نافعة والشجرة، تمهيداً لاستعادة كامل البلدات الباقية خلال وقت قصير جداً. وبرغم الاستعدادات التي تجري لإطلاق عملية عسكرية ضد التنظيم في بادية السويداء الشرقية، وإنهاء خلاياه ضمن منطقة اللجاة، بات الشمال السوري عنوان المرحلة المقبلة، مع ما يحمله من أسئلة عن مصير إدلب ومحيطها، ومن خلفها مناطق سيطرة القوات التركية في ريف حلب الشمالي، إلى جانب الشمال الشرقي حيث «قوات سوريا الديموقراطية» والأميركيون. التخوف لدى داعمي المعارضة من تحرك عسكري باتجاه إدلب، بات يفرز تحذيرات يومية من مخاطر عملية كهذه، خاصة أن لا مكان آخر لترحيل رافضي «المصالحات» إليه، وهو ما قد يفضي إلى معادلة القتال حتى النهاية.
وبينما يدخل العامل التركي في عفرين والباب ومحيطهما، تبدو مناطق الشمال الشرقي بعيدة نسبياً عن هذا التخوف، وسط التطورات اللافتة في قنوات التفاوض بين «مجلس سوريا الديموقراطية» ودمشق. وبعد انعقاد المؤتمر السنوي لـ«مسد» والحوارات التي رافقته مع أطياف واسعة من القوى السياسية، أُعلنَت أمس زيارة وفد من «مجلس سوريا الديموقراطية» لدمشق، بناءً على دعوة من الحكومة السورية، هي الأولى المعلنة رسمياً. وضمّ الوفد كلاً من الرئيسة التنفيذية لـ«مسد»، إلهام أحمد، ورئيس حزب «سوريا المستقبل» إيراهيم القفطان، ورئيسة المجلس التنفيذي لـ«الإدارة الذاتية» في «مقاطعة الجزيرة»، نظيرة كورية، إلى جانب ممثل عن «مجلس الرقة المدني»، هو عبد الرؤوف حاج حمد. واستبق اللقاء بخطوات إيجابية من جانب دمشق، منها رفع القيود عن نحو 20 شخصية من المنضوين داخل قيادة «مجلس سوريا الديموقراطية»، إلى جانب طرح فكرة المشاركة في انتخابات الإدارة المحلية المقررة في 16 أيلول المقبل. وأتى استكمالاً للقاءات بين مسؤولين من المجالس المحلية في مدن الطبقة والرقة ومنبج، وممثلين عن الجانب الحكومي، بحضور روسي، بهدف بحث إمكانية عودة الخدمات الحكومية إلى تلك المناطق. ورغم الاتفاق حينها على عودة الموظفين إلى سدود البعث والفرات وتشرين، ومشفى الطبقة الوطني، إلا أن الحكومة رفضت استكمال الإجراءات إلا بعد تسلّم كل المؤسسات الحكومية بالكامل، ورفع العلم السوري فوقها.
ويصف رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية»، رياض درار، في حديث إلى «الأخبار»، اللقاءات التي جرت في دمشق بأنها «إيجابية»، كاشفاً أن «الملف الخدمي كان العنوان الأول لهذه الزيارة التي تهدف إلى بحث مزيد من الحاجات الخدمية، ومعرفة الأجندات التالية التي يطرحها الجانب الحكومي مع الوفد».
ويضيف درار القول: «لسنا في مواجهة أو حرب مع النظام السوري، ولن يكون هناك مواجهة، لكن نحاول أن نعمل معاً لبناء سوريا جديدة فيها رأي ورأي آخر»، مشيراً إلى أن «الجيش السوري هو الحامي للبلاد، وقوات سوريا الديموقراطية ستكون جزءاً من هذا الجيش، بعد التسوية». وتوضح مصادر مقرَّبة من الوفد الزائر في دمشق، أن هدف الزيارة طرح ملف القضايا الخدمية، والاستماع إلى وجهة النظر الحكومية بشأن الحل في الشمال والشرق السوريين، مع طرح فكرة اللامركزية الموسعة كشكل مناسب، بعد إقرارها في مؤتمر الطبقة الأخير. وبالتوازي، علمت «الأخبار» أن الجانب الحكومي يرفض مناقشة فكرة «الفيدرالية» أو «اللامركزية»، إلا بما يتوافق مع قانون الإدارة المحلية، مع طرح فكرة تطويره، إضافة إلى أنه يريد تمثيل المكوّن الكردي وفق نسبته العامّة في كل جغرافية البلاد، مع الترحيب بالانخراط في الحياة السياسية، ورفض بقاء أي سلاح سوى سلاح الجيش السوري.
وحول الموقف الأميركي من القنوات المفتوحة مع دمشق، يقول درار إن «واشنطن وموسكو تعلمان بكل الخطوات في ما يتعلق بالشمال السوري»، لافتاً إلى أن «الأميركيين لم يتدخلوا في قرارنا ولم يرسموا لنا أي سياسات تتعلق بموضوع المحادثات». وتتحدث مصادر مطلعة على هذا الملف، قائلة إن الولايات المتحدة الأميركية نصحت الأكراد منذ بداية التعاون العسكري معهم، بعدم التخلي عن وجود المؤسسات الحكومية. كذلك تقول إن الأميركيين أبدوا استعدادهم لسحب القوات العسكرية بمجرد التوصل إلى تسوية مع الجانب الحكومي، تكون مقبولة من قبل «مجلس سوريا الديموقراطية».
وبالتوازي، يعمل المجلس الأخير على تمتين حضوره داخل المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة، عبر افتتاح مكاتب في عدد من تلك المحافظات، في خطوة أولى تمهّد لتشكيل جسم جديد، يحل بديلاً من المعارضات التي احتلت الواجهة خلال السنوات الماضية. وترى مصادر مقربة من المجلس أن مسار المحادثات في جنيف، وملف «اللجنة الدستورية» لن يكتب لهما النجاح وفق صيغتهما الحالية، مضيفة أن المجلس سيعمل على التفاوض مع الحكومة على مراحل، تبدأ بالتعاون في المجال الخدمي والاجتماعي، لتصل لاحقاً، إذا ما نجحت، إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي. ولن يكون مسار المفاوضات سهلاً بالنظر إلى التباين الكبير بين تطلعات كلا الطرفين، للحل المفترض.
أيهم مرعي - الأخبار
إضافة تعليق جديد