فيما تشكيل الحكومة عاد إلى النقطة الصفر، بعد فشل المسعى الأخير الذي قاده اللواء عباس إبراهيم، وبعد الدخول في عطلة الأعياد، كان الطيران الإسرائيلي يحتل المشهد من خلال استباحته للأجواء اللبنانية. هذه المرة لم تخرق الطائرات الحربية سماء لبنان فحسب، بل كادت تسبب كارثة تطاول عدداً من الطائرات التي تقلع أو تهبط في مطار بيروت. وعليه، هل يمكن الاكتفاء ببيانات الشجب وإبلاغ الأمم المتحدة بالخروقات الإسرائيلية، كما جرت العادة؟ أم صار واجباً البحث جدياً في استراتيجية تمنع إسرائيل من «التنزه» في لبنان؟
بحره وجوّه مستباحان من العدو الإسرائيلي، الذي تسرح طائراته وتمرح في الأجواء اللبنانية، من دون أن يُسمع صوت يطالب الدولة بأن تتولى مسؤوليتها بالدفاع عن سيادتها، أو على الأقل السعي إلى تخطي الحظر الغربي الذي يمنع لبنان من الحصول على أسلحة دفاعية من روسيا أو من غيرها من الدول الصديقة.
ذلك أمر اعتاده اللبنانيون، لكن أول من أمس كادت الكارثة تقع فوق سماء لبنان. ثلاث طائرات مدنية احتمت بها الطائرات الإسرائيلية التي أطلقت صلية من الصواريخ من فوق لبنان باتجاه أهداف قرب دمشق. وقد أشارت مصادر مسؤولة إلى أن الاعتداء الإسرائيلي شكّل خطراً على طائرة تركية كانت قد أقلعت للتوّ من مطار بيروت، وكذلك على طائرتين: لبنانية وإنكليزية، كانتا تتجهان إلى المطار عينه.
وعلى الأثر، أجرى وزير الأشغال يوسف فنيانوس، اتصالاً بالرئيس سعد الحريري، وضعه خلاله في وقائع ما جرى، مشيراً إلى أن لبنان نجا بأعجوبة من كارثة إنسانية كادت تصيب ركاب طائرتين مدنيتين في الأجواء اللبنانية أثناء استباحة الطيران الإسرائيلي المعادي للأجواء اللبنانية في عدوانها على جنوب دمشق. وكان اتفاق على أن يتقدم لبنان بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل وأخذ القرار الذي يحمي لبنان ومدنييه. وبالفعل، أعطى وزير الخارجية جبران باسيل تعليماته لمندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة، لتقديم شكوى أمام مجلس الأمن «بالخروقات الإسرائيلية الخطيرة التي تهدد الاستقرار في المنطقة والتي شكلت خطراً على حركة الطائرات المدنية، وكادت تسبب كارثة جوية كبيرة».
كذلك أدانت وزارة الخارجية، في بيان، الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت سوريا، مؤكدة حقها في الدفاع المشروع عن أرضها وسيادتها، ودعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى إدانة هذه الغارات واستعمال الطائرات الإسرائيلية الأجواء اللبنانية لشنّ هجمات على دولة شقيقة، في خرق واضح للقرار 1701.
وإذا كان ركاب الطائرات المدنية الثلاث قد نجَوا بأعجوبة هذه المرة، فمن يضمن تجنّب الكارثة في مرات لاحقة؟ ومن يردع إسرائيل عن الاستمرار في تعريض اللبنانيين والملاحة الجوية للخطر، في ظل الصمت الدولي عن خرق القرار 1701؟ وإلى متى ستبقى الدولة اللبنانية مصرّة على دفن رأسها في الرمال، مكتفية بتعداد الخروقات وإبلاغ الأمم المتحدة بها؟ وكيف سينفذ «القرار الذي يحمي لبنان ومدنييه»، والذي أشار فنيانونس إلى أنه تمّ الاتفاق بشأنه مع الحريري؟
الأخطر أن الكارثة التي نجا لبنان منها هذه المرة تبقى ممكنة الحدوث ما دام الطيران الإسرائيلي يستبيح الأجواء اللبنانية. وهذا يعني أن المطلوب أكثر من بيانات استنكار، خاصة أن حادثة إسقاط الدفاعات السورية لطائرة الروسية احتمت بها طائرة إسرائيلية كانت تغير على سوريا، لا تزال حاضرة في الأذهان.
وفي هذا السياق، اتهمت وزارة الخارجية الروسية إسرائيل بتكرار الأسلوب القديم في تنفيذ غارتها الأخيرة على سوريا تحت غطاء الطيران المدني. وجاء في البيان أنه «وفق المعلومات الواردة، نفذت 6 طائرات تابعة لسلاح الجوي الإسرائيلي من طراز F-16 غارات على محيط دمشق مساء يوم 25 ديسمبر، انطلاقاً من الأجواء اللبنانية». وتابعت: «من اللافت أن الطيران الإسرائيلي جدد تنفيذ الغارات على سوريا تحت غطاء طائرات مدنية كانت متجهة للهبوط في مطاري دمشق وبيروت». وشددت على أن ما حدث يمثل «خرقاً صارخاً لسيادة سوريا وقرارات مجلس الأمن الدولي، بما فيها القرار رقم 1701». من جهتها، رأت وزارة الدفاع الروسية أن «الاعتداء الإسرائيلي الاستفزازي شكّل خطراً محدقاً على طائرتين مدنيتين كانتا بصدد الهبوط في مطاري دمشق وبيروت».
الحكومة بلا أفق
في المسار الحكومي، لم يحصل أي تقدم منذ فرط عقد التأليف في نهاية الأسبوع الماضي. وإذا كانت الأعياد قد أتت لتبرّر زيادة الفتور، فإنه يُتوقع ألّا تحمل فترة ما بعد الأعياد أي جديد في الملف، الذي لم يعد عالقاً على موافقة الرئيس سعد الحريري على تمثيل النواب السُّنة المستقلين أو على الاسم الذي يمكن أن يمثّل هذه الكتلة، بل تحوّل الأمر إلى صراع غير معلن على الثلث المعطل، الذي يعتبره الوزير جبران باسيل حقاً لكتلة لبنان القوي.
وفيما تسعى قيادات التيار الوطني الحر وحزب الله إلى امتصاص التوتر الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي بين مناصري الحزبين، كان النواب ينقلون عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تأكيده أنه «كان يجب أن تتشكل الحكومة قبل عيد الفطر المبارك، ولكن للأسف لم تتألف حتى الآن، ولا أريد أن أحمّل طرفاً معيناً مسؤولية ذلك». وقال: «لا حل إلا بالدولة المدنية»، مؤكداً أن «كل المصائب التي نعانيها ناجمة عن الطائفية والمذهبية اللتين تستشريان أكثر فأكثر». وكان رئيس الجمهورية ميشال عون، قد قال من بكركي أول من أمس إن «عدم التشكيل سببه معركة سياسية، ويبدو أن هناك تغييراً في التقاليد والأعراف»، وهو كلام اعتبره مراقبون موجهاً إلى حزب الله تحديداً.
27-12-2018
إضافة تعليق جديد