توريث النساء بين الحق الشرعي والوصية
تصاعدت مطالبات النساء في السويداء بشأن حقوقهن المهدورة في التوريث، خاصة بعد أن صدرت تعديلات قانون الأحوال الشخصية دون أن يطالها تعديل جذري يساهم في ردم الهوة بين الرجل والمرأة، فتعالت الأصوات للعودة إلى الجذور والتوزيع العادل الذي يؤكد على التساوي في الحقوق والأملاك.
وعلى الرغم من وجود نصوص دينية واضحة فيما يتعلق بتوريث المرأة، وإعطائها حقوقها كاملة دون نقصان، وزيادة عليها باعتبارها المصانة المحصنة من كل النوائب والكوارث، إلا أن الرجل تجاهل ذلك عمداً، وبات مع تواتر السنوات عرفاً سائداً لا يكسره سوى قلة من العائلات التي وجد كبارها أن العدل يجب أن يسود، وفوقه عطر كما أوصى الأولين.
ملف شائك ومعقد في باطنه، وواضح المعالم في ظاهره نحاول فتحه رغم المحاذير الكثيرة، التي تصطدم بعادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين، كان عمادها الأساسي الفقر المدقع، وعدم القدرة على ترك حصة صغيرة للمرأة سوى غرفة بسيطة أطلق عليها اسماً عنصرياً دون قصد “غرفة المقاطيع” التي تقصدها المرأة المطلقة أو التي باتت وحيدة دون زواج.
يقول المحامي “عادل الهادي” هناك عائلات كثيرة ورثت بناتها مثل الشباب تماماً، ولكن بشكل عام لا قانون يحمي المرأة ويصون حقوقها، على الرغم من أنه لا يوجد لدينا نص ديني يمنع توريث النساء، وتبعا لذلك فالمرأة مهدورة الحقوق.
ويعيد الهادي أساس المشكلة باعتبارها دينية واقتصادية، وهي أصبحت عرفاً وليست قانوناً، وباعتبار الإنفاق واجب على الرجل دينياً واجتماعياً، فإن الأهل يعتبرون أن الفتاة سينفق عليها زوجها، وبذلك يعطون الأفضلية للولد في ميراث أهله كونه مسؤول عن بناء منزل الزوجية، وعن دفع المهر وعن الانفاق. هي تقاليد غطائها ديني ويزيدها الوضع الاقتصادي سوءاً، وأعني الوضع الاقتصادي للناس بشكل عام والشباب بشكل خاص.
أما فيما يتعلق بغرفة المقاطيع، فإنه جرت العادة أن يقوم رب البيت بكتابة وصية يترك فيها جزءاً من البيت لما كان يسمى (المقاطيع)، أي المرأة التي يموت زوجها، وتضطر للعودة الى منزل ذويها، أو الفتاة التي لا تتزوج أو التي تتطلق وليس لها مأوى فيكون جزء من منزل ذويها موقوف لها بهذه الحالة، والحقيقة أن هذه المسألة تساهم بحل بعض المشاكل في ظل إجحاف اجتماعي وديني وقانوني للمرأة.
المربية والشاعرة “ميادة الحجار” اعتبرت في تصريحها لصاحبة الجلالة أن الظلم يبدأ من إعطاء حق الحرية المطلقة في الوصية للموصي . وقد بدأ هذا الموصي يتصرف بكل شيء حتى بالنسبة للنساء القريبات من أخت وزوجة وابنة على أنهن من أملاكه الفردية، وهذا يضعهنّ تحت رحمة عقلية ذكورية وحظٍّ قد يصيب في العدل أول لا يصيب. علماً أنه لو سُلّم الأمر لما جاء في التعاليم و لكانت المرأة في أمان من الظلم، وأقصد بذلك الانطلاق من مقولة: «إذا تسلم أحد المؤمنين إحدى اخواته المؤمنات يساويها وينصفها في جميع ما في يده».
أما (غرفة المقاطيع) فهذا ثلم سلبي واضح يسمّ الإنسانية، حتى المصطلح فيه إجحاف وإهانة للإنسان بشكل عام، وللمرأة خصوصاً، وهذا ما يجب النظر فيه، بحيث يصبح حق المأوى مُؤمّن لكل امرأة أسوة بأخوتها الذكور، وبنفس المستوى دون تحقير أو تصغير.
الناشط المدني سامر دانون قال: أن لديه منظومة خاصة للتوريث اكتسبها من جده الراحل، فهذا الرجل ورث بعدالة، حيث أعطى الأكثر حاجة، من الذين مستقبلهم وأحوالهم جيدة ولا خوف عليهم، فقد قيم الحالة جيداً ودرسها من كل الأبعاد، واتخذ قراره الذي أعتبره صائباً وعادلاً كما اعتبره أبناؤه الآخرين. والملاحظ في وصيته أنه لم يدع لعواطفه التحكم بقراره، ولجأ إلى العقل، وبنفس المبدأ ورث بناته من الأكثر حاجة إلى الأقل وفق رؤيته الخاصة.
أما المربية المعروفة والقاصة “منتهى ناصيف” فقد ذكرت أنها كتبت قصة غرفة المقاطيع بكثير من الوجع؛ نظراً لحالة خاصة حدثت أمامها، حيث عادت إحدى السيدات مطلقة إلى بيت أهلها بعد أربعين سنة زواج دون أن تحصل على شيء من حقوقها، وعلى الرغم من استقبال أخوتها لها بشكل كامل، وبناء غرفة ومنتفعاتها وإيوائها فيها، وقضاء كل طلباتها، إلا أنها فقدت كل كيانها بعد أن تركت منزلها الذي بنته حجراً حجر، وربت أبنائها وعلمتهم إلى أن باتوا قادرين على الحياة.
وأكدت ناصيف أن أي خلاف بين الرجل والمرأة ينتهي بإعطاء المرأة نصف ما يمتلكه الرجل بحسب الشريعة الخاصة بمذهب التوحيد، وزيادة على ذلك فإن الرجل ملزم بتقديم قارورة عطر للمرأة كتأكيد على مكانتها واحترامها.
ولا تنكر ناصيف أن عدداً من الرجال كانوا عادلين، وورثوا النساء مثل الرجال لكن نسبتهم ليست كبيرة في السويداء.
واستشهد عدد من الفتيات اللواتي تحدثت معهم صاحبة الجلالة بحالة ثلاث أخوات رفعن دعوى قضائية على أشقائهن ونلن حقوقهن بعد معركة قضائية طويلة، فالحق بالنهاية ينتصر، ولكنه بحاجة لإرادة قوية تستطيع أن تقف بوجه المجتمع وتبعيات القضية.
صاحبة الجلالة
إضافة تعليق جديد