المدارس الخاصة..رديف للتعليم الرسمي ولكن؟.. الأقساط مرتفعة.. وأساتذة العامة يعدونها فرصة عمل
يتسابق الأهالي خلال العقدين الأخيرين لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، حتى تحولت تلك الظاهرة إلى حالة تؤرق الأسر التي لم تستطع تأمين القسط السنوي لهذه المدارس، ولاسيما أن التعليم الخاص لم يعد يقتصر على رياض الأطفال.
وبدت المدارس الخاصة تنتشر بشكل كبير يلفت النظر، ولم يعد يقتصر أيضاً على المرحلة الثانوية أو الصف الأخير من الإعدادية، بل بات يشمل جميع المراحل منذ الروضة حتى التعليم الثانوي.
بالطبع الأهالي القادرون على تسجيل أبنائهم باتوا يتباهون بالحديث عن أهمية تلك الخطوة، وكذلك الطلاب أمام أقرانهم يستعرضون أوضاعهم وحياتهم في تلك المدارس، ما دفع غير القادرين منهم على تحمل مالاطاقة لهم به، والإقدام على تسجيل أولادهم رغم العجز المادي الذي يواجهونه، أي جذبت المدارس الخاصة المقتدرين ومتوسطي الدخل للتسجيل فيها.
والسؤال ما سبب هذا الإقبال على تلك المدارس؟ وهل التعليم الخاص أفضل من التعليم في المدارس الحكومية؟
ورأى السيد حسن دلّة أحد أولياء الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة، أن فكرة تلك المدارس انطلقت من لجوء الأهالي والطلاب للدروس الخصوصية، لتعويض أبنائهم ما يفوتهم من دروس، أو ما يحصل من تقصير في المدارس الرسمية حسب رأيه لظروف مختلفة، وهكذا نمت الفكرة، فبدل أن تكون على شكل دروس متفرقة، أضحت لتكون مواد كاملة، وضمن وحدات صفية، وأضاف هكذا أصبحت المدارس ملاذاً للأهالي والطلاب على حد سواء للراحة، بعد رحلة قلق، وتجنبوا الازدحام الكبير في الشعبة الواحدة والتي تصل اليوم إلى اكثر من أربعين أو خمسين طالباً.
وتبعا لذلك بات الإشراف على هذا العدد الكبير صعبا جداً بينما في المدارس الخاصة نجد أن عدد الشعبة أقل بكثير، ويكاد يصل إلى أكثر من نصف هذا الرقم بقليل، علماً بأن أغلب المدارس الخاصة هدفها الأول والأخير الربح المادي.
بدورها قالت سلمى العلي والدة إحدى الطالبات: إن معظم الدارسين في التعليم الثانوي الخاص لهم ظروف تعليمية تتعلق بواقع العلامات أو السن، او إعادة الامتحان، خاصة وأن التعليم الخاص حقق نتائج قيمة، حيث حصل العديد من الطلبة على علامات أهلتهم للتفوق وإتمام تحصيلهم العلمي والجامعي.
وأضافت العلي: لقد اخترت لابنتي التسجيل في مدرسة خاصة بسبب الأعداد الكبيرة في الشعب الصفية في المدارس الحكومية، رغم الأقساط المرتفعة، إضافة لأن بعض مدرسي المواد غير كفوئين في تدريسها لظروف يجهلها الأهل، في الوقت الذي يجب على إدارة المدرسة متابعة هذا الموضوع.
الطالب أنيل سعد قال: إن التجهيزات الموجودة في المدارس الخاصة تختلف كثيراً عن العامة، كما تختلف من مدرسة لأخرى.. وعلى سبيل المثال، توجد قاعة للكمبيوتر توفر لكل طالب جهازا يعمل عليه، والمخبر تتوفر فيه كل المواد والأجهزة اللازمة من لوحات إيضاح ، سبورات ضوئية، مجسمات لإجراء التجارب في العلوم والفيزياء والكيمياء واستخدام المخبر ملزم من قبل الإدارة وحسب جدول دراسي، وهذا ما تفتقده المدارس العامة، إضافة للكادر التدريس الذي يمتلك إمكانات وخبرة تميزه عن بعض الكادر في المدارس العامة.
وفي هذا السياق قال المدرس أحمد مللي: كان التعليم الخاص فيما مضى مقتصراً على مدرسة أو اثنتين بينما التعليم الإلزامي والمجاني في المدارس الحكومية أوسع وله دوره في حياة مختلف الشرائح الاجتماعية، ولكن بعد التطور الذي طال مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، أخذت المدارس الخاصة دورها إلى جانب المؤسسات التعليمية الحكومية في استقطاب أعداد لابأس بها من الطلاب الراغبين لأسباب مختلفة، كما استطاعت تلك المدارس أيضاً استقطاب أعداد كبيرة من المدرسين نظراً للتفاوت الكبير في سلم الرواتب والأجور بين المدارس الخاصة والرسمية.
وأضاف مللي: لقد مرت معظم المدارس الخاصة في فترة جمود خلال الثمانينيات وتقلص عدد الدارسين فيها بسبب قرار الاستيعاب لكافة الطلاب في المدارس الرسمية، إذ كانت هذه المدارس تعتمد على فئة محددة من الطلاب وهم: ناجح ويعيد، راسب ولا يحق له التقدم لامتحان الثانوية العامة عن طريق مدرسته الرسمية، كذلك طلاب المرحلة الإعدادية التي لم يمكنهم مجموعهم من الالتحاق بالثانوية العامة في المدارس الحكومية،أما اليوم فقد باتت الفرصة سانحة أمام الجميع، وهو ماشجع الأعداد الكبيرة على الالتحاق بتلك المدارس.
أحد المدرسين في تلك المدارس رفض ذكر اسمه قال: أنا ومعظم زملائي لجأنا للعمل في المدارس الخاصة نتيجة الاختلاف الكبير في الراتب الذي منحتنا إياه المدرسة الخاصة التي نعمل فيها، حيث دفعتنا الظروف المادية الصعبة للاستقالة والالتحاق فيها، حيث وجدنا بذلك فرصة بديلة للسفر خارج القطر.
أما المديرة ع . ف والتي عملت في إدارة المدارس الخاصة لفترة طويلة، فقد أوضحت أن بعض المدارس الخاصة شهدت تراجعاً في الخدمات التي تقدمها أو على مستوى نتائج الطلاب وحتى الكادر التدريسي، وفي بعض المدارس الخاصة قد لاتتوفر فيها المخابر أو قاعات الأنشطة، وصحيح ان هذه المدارس تهدف الى الاستثمار الاقتصادي الى جانب الهدف التعليمي، ولكن البعض يفضل الهدف الاستثماري على الجانب التعليمي، وهذا يؤثر أولاً على البناء من حيث الصيانة الدائمة له، والحفاظ على موجوداته، ثانياً زيادة في عدد الطلاب ضمن القاعة الدرسية والبعض الآخر يفضل الهدف التعليمي على الاقتصادي ويحرص على توفير كافة الخدمات للطلاب ومراعاة احتياجاتهم النفسية والتعليمية والاجتماعية، ومع ذلك ترى الأهالي والطلاب يلجؤون لتلك المدارس.
وعن سؤالنا حول ارتفاع القسط السنوي الذي يختلف من مدرسة الى اخرى قالت: إن بعض المدارس تستقبل الطلاب من الصفوف المبكرة الروضة، وحتى الثانوي ومدارس اخرى تكتفي بطلاب المرحلة الثانوية، لذلك يستطيع الطالب ان يكمل تعليمه فيها دون الانتقال من مدرسة لاخرى والمدرسة هي التي تعلن الأسعار تحت اشراف مديرية التربية ويؤثر على ارتفاع الأقساط هو عدد الطلاب، ففي بعض المدارس يكون عدد الطلاب في القاعة الواحدة 40 طالباً لذلك تكون الأقساط اقل من تلك المدارس، التي تكتفي بعدد أقل في كل ساعة، وكذلك حسب الخدمات المقدمة للطلاب من وسائط نقل، وأنشطة ترفيهية.
وسألنا أحد المعنيين هل تجسد هذه المدارس حاجة تعليمية لدى أبنائنا من خلال النتائج ومدلولاتها عن اثر المدارس الخاصة في حياة الطلاب، أجاب: في بعض الأحيان تؤثر إيجاباً وهذا يخضع لطبيعة الطلاب وعلاقتهم مع المنهاج ودرجة اهتمامهم في متابعة تحصيلهم، بينما الطالب غير المهتم بالتأكيد لن تؤثر فيه، بل قد تؤثر سلباً ولاسيما إذا توافرت له كل الظروف المادية.
نويصر: التعليم الخاص يخفف الضغط على المدارس الرسمية
وقالت ثنية نويصر مديرة التعليم الخاص في وزارة التربية: إن الشروط الواجب مراعاتها عند منح الترخيص، فقد اشترطت المادة ٢ من التعليمات التنفيذية من المرسوم التشريعي رقم ٥ لعام ٢٠٠٤ في طالب الترخيص إذا كان شخصاً طبيعياً أن يكون عربياً سورياً أو من في حكمهم، ومستوفياً هذه الشروط، أن يكون حائزاً على إجازة جامعية معترفاً بها من الجمهورية العربية السورية، وأن يكون غير محكوم بجناية أو جنحة شائنة، وخالياً من الأمراض السارية والمعدية، وغير مرتبط بوظيفة في إحدى الجهات العامة، وقادراً على الوفاء بالالتزامات المالية اللازمة للمؤسسة، ومتفرغاً تفرغاً تاماً لشؤون مؤسسته التعليمية، ومؤهلاً تربوباً إذا كان مديراً، وفي حال عدم تفرغ طالب الترخيص بشكل تام وعدم حيازته المؤهل التربوي، عليه أن يكلف مديراً عربياً سورياً أو من في حكمه ومستوفياً الشروط الواردة في الفقرات ١- ٢-٣-٤ من هذه المادة، شريطة أن يكون مؤهلاً تربوياً ومتفرغاً وحاصلاً على موافقة الوزارة لإدارة مؤسسة تعليمية خاصة وفق أحكام المرسوم والتعليمات، وأضافت نويصر أنه كما ورد في المادة ٢٧ من التعليمات التنفيذية المعدلة من المرسوم التشريعي رقم ٥٥ لعام ٢٠٠٤ لآلية مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي.
وحول سؤال فيما إذا كانت المدارس الخاصة تلبي الغاية المرجوة التي أنشئت من أجلها، قالت نويصر: صدر المرسوم التشريعي رقم ٥٥ لعام ٢٠٠٤ الذي هدف إلى تنظيم التعليم الخاص وافتتاح مؤسسات تعليمية خاصة لتصبح رديفاً للتعليم الرسمي الذي ساهم في تخفيف الضغط على المدارس الرسمية في ظل واقع النمو السكاني والاضطلاع بمسؤولية التربية والتعليم وتطويرها في جميع الاتجاهات التي تخدم المجتمع بشرائحه كافة، والمشاركة في تحقيق التطوير والتحديث والتنمية إلى جانب تأمين فرص عمل جديدة للعاملين في مجال التربية والتعليم من كادر إداري وتدريسي وتربوي وغيرهم، وهو ما يعكس عدد الدارسين في هذه المؤسسات التعليمية وأعداد العاملين فيها.
وحول استطاعة الوزارة التوفيق بين المدارس الخاصة والحكومية من خلال المناهج، أوضحت نويصر بأن المرسوم التشريعي المذكور وتعليماته التنفيذية قضى بوجوب التزام المؤسسات التعليمية الخاصة بالمنهاج الرسمي والخطط الدرسية المعتمدة في المدارس الرسمية المناظرة لها، ويكون تدريسها ومذاكراتها وامتحاناتها باللغة العربية ماعدا مادة اللغة الأجنبية، إضافة إلى الخطة الدرسية المعتمدة، يجوز تدريس كتب إضافية أو مقررات باللغة الأجنبية على سبيل الإثراء فقط، وذلك بعد موافقة الوزارة، كما يجوز للمؤسسة التعليمية الخاصة تدريس أكثر من لغة أجنبية أو زيادة حصصها بعد موافقة الوزارة، مضيفة أن السبب الذي يقف وراء لجوء الأهالي لتسجيل أبنائهم، لأن المدارس الخاصة هي رديف للتعليم الرسمي وليس بديلاً عنها.تجاوز الأقساط المحددة مخالفة صريحة تستوجب العقوبةوحول سؤال عن سبب تحول المدارس الخاصة من حالات ناجح ويعيد، إلى إتاحتها للجميع، قالت نويصر: إنه يطبق على هذه المؤسسات مايطبق على المؤسسات التعليمية الرسمية من حيث التزامها بالمنهاج الرسمي في كافة المراحل إضافة إلى التزام تلك المؤسسات ببدء العام الدراسي ونهايته واعتماد العطل الرسمية المقررة في الدولة وتطبيق تعليمات القيد والقبول التي تصدرها وزارة التربية، ووجوب التقيد التام بتنظيم الامتحانات والأنظمة الداخلية المطبقة في المدارس الرسمية في الدولة.
وبشأن اختلاف الأقساط بين مدرسة وأخرى، وما هي الإجراءات لضبط تلك الظاهرة، والمتطلبات الإضافية التي تفرضها إدارات المدارس الخاصة من لباس ونقل وكتب، أوضحت نويصر، بأن المادة ٣٧ من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم ٥٥ لعام ٢٠٠٤ بالآتي: أن تلتزم المؤسسة التعليمية الخاصة بالأقساط المعتمدة والمحددة من قبلها لكل مرحلة وقبل بداية تسجيل الطلاب بالحصول على موافقة الوزارة عليها وإعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة على أن يشمل القسط الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية الخاصة بالمؤسسة ورسم التسجيل.
وأضافت: أنه بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور نقل الطلبة، فعلى المؤسسة إعلام المديرية وأولياء الأمور بها سنوياً قبل التسجيل أيضاً ويعد حجب هذه المعلومات عند طلب التسجيل مخالفة صريحة توجب المساءلة في ضوء المواد ذات الصلة.كما تمنح المؤسسة أولياء الأمور إيصالاً يوضح فيه اسم المؤسسة بالمبالغ المسددة من قبلهم وبشكل مفصل، حيث يجوز إعادة النظر بالأقساط المذكورة في البند الأول من هذه المادة بما لايتجاوز خمسة بالمئة كل سنتين على ألا تشمل الزيادة الطالب القديم أكثر من مرة واحدة "روضة- حلقة أولى/ أساسي- حلقة ثانية / أساسي- ثانوي"
وأشارت نويصر أنه للوزارة الحق بإعادة النظر في أحكام هذه المادة عند اللزوم وفي حالة صدور قوانين أو مراسيم بزيادة أجور العاملين أو قرارات بزيادة أسعار المحروقات، أما إذا تجاوزت المؤسسة التعليمية الخاصة الأقساط المعلنة وفق البند الأول من هذه المادة، فتتخذ بحقها العقوبات المنصوص عليها في المادة ١٠١ من هذه التعليمات.
وحول سؤال كيف تستطيع الوزارة ضبط المدارس الخاصة وتطبيق الأنظمة والقوانين، فقد أكدت نويصر أنه قضى المرسوم التشريعي الخاص بالتعليم الخاص بأن تتولى وزارة التربية أعمال الإشراف التربوي والتعليمي والإداري في المؤسسة الخاصة، وذلك عن طريق تكليف الموجهين الاختصاصيين لزيارتها من أجل اطلاع المديرية على حسن سير العملية التربوية فيها للتحقق من مدى التزامهم بالأنظمة المرعية ويتحملون المسؤولية في حال عدم الإبلاغ عند أي مخالفة يتم رصدها لاحقاً، كما تقوم وزارة التربية بتكليف لجان فنية تخصصية للاطلاع على أبنية هذه المؤسسات وسجلاتها المختلفة، والتأكد من قيامها بتنفيذ أحكام المرسوم التشريعي رقم ٥٥ وتعليماته التنفيذية، والبلاغات الوزارية الصادرة تنفيذاً له، وإثبات مايقع من مخالفات، وقالت إن المدير المندب هو من يكلفه الوزير بالإشراف على تطبيق أحكام المرسوم والتعليمات التنفيذية له في المؤسسة التعليمية الخاصة، وفق المهام الموكلة إليه، في هذه التعليمات ويكون مقره المؤسسة.
في الختام كانت هناك بعض الأسئلة حول إجراءات الوزارة للحد من ظاهرة تسرب المدرسين من المدارس الحكومية، إلى الخاصة في ظل الفارق بين الأجر الذي تقدمه المدارس الخاصة مقارنة بالعامة، وهل هناك خطة لتحسين وضع المدرسين المعيشي لحملهم على البقاء في المدارس الحكومية، لكن نويصر لم تجب عليها منوهة بأنها ليست مديرية التعليم الخاص.
الثورة
إضافة تعليق جديد