هاآرتس: كوهين لم يكن وحده.. الجاسوس الآخر شغل منصباً بحلب
كشفت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية عن تجنيد الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” لعميل سري وإرساله ليكون عيناً لتل أبيب في مدينة حلب السورية في منتصف القرن الماضي بالتزامن مع وجود الجاسوس إيلي كوهين، وذلك بعدما بنت له شخصية سرية كاملة باسم مستعار.
وذكرت الصحيفة أن الموساد تمكّن من تجنيد باروخ مزراحي عام 1963 باسم مزيف يُدعى “جمال يونس” ليكون مديراً لمعهد اللغات الأوروبية في حلب وذلك ليدير عمليات التجسس هناك بالتزامن مع وجود كوهين في الجنوب.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الموساد فضّل عدم الكشف عن هويته قصة مزراحي الذي قدم من أوروبا إلى حلب بعدما تلقّى تدريبات على اللهجة العربية المحلية وعادات البلاد، التي تصنفها إسرائيل معادية لها في الشرق الأوسط.
يتقن 6 لغات
تلقى مزراحي تعليمه في مصر حيث تخرج من كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1948، ويتقن 6 لغات هي العربية والإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والعبرية، وكان رديفاً لإيلي كوهين، إلياهو بن شاؤول كوهين، الذي انتحل اسم “كامل أمين ثابت”، حيث أقام علاقات وثيقة مع نخبة المجتمع السياسي والعسكري، وفق المسؤول الإسرائيلي.
مسؤول مصري أنقذه من الموت
نجا مزراحي بأعجوبة من حبل المشنقة في اليمن بمساعدة من عميل الموساد المصري أشرف مروان، الذي وصل إلى منصب مستشار رئيس وكان ذلك في عهد السادات، آنذاك، بحسب ما يقوله مسؤولون في الموساد.
ووفق الصحيفة فقد خدم في شرطة إسرائيل لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم جنّدته “الوحدة 188” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “آمان” للعمل في الدول العربية “خارج خطوط العدو”.
وتلقّى في الوحدة تدريبات على أسرار النشاط السري والكتابة المشفّرة بالحبر السري، واستخدام أجهزة الراديو وأجهزة “مورس” والرسائل المشفّرة، وساهم الموساد بتكوين شخصيته المزيّفة وتأطيرها، وحتى لا يثير الشبهات في حال القبض عليه، تم إرسال مزراحي في البداية إلى أوروبا ثم إلى الأرجنتين، التي كانت الوجهة المفضلة لإنشاء “الشخصيات المزيفة” في الخمسينيات والستينيات.
ومن هناك بنى شبكة علاقات من أجل اختراق سوريا، حيث جاء إلى حلب كممثل لمدرسة لغات أوروبية، وعمل في نفس الوقت مع إيلي كوهين من دون أن يعرف الاثنان بعضهما بعضاً.
علاقته مع كوهين
بدأت مهمة مزراحي في سوريا بعد نحو عام ونصف من وصول كوهين إليها، بتوجيه من الرئيس الجديد للموساد آنذاك، مائير عاميت، الذي في عهده تم نقل “الوحدة 188” من شعبة الاستخبارات العسكرية “آمان” إلى جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد” الذي شرع في إرسال العملاء إلى البلدان المستهدفة.
ووصل إلى سوريا عام 1963 وكان دوره الرئيسي هو تجنيد عملاء ومساعدين يمكن من خلالهم الحصول على المعلومات التي سيتم إرسالها إلى مقر الموساد في تل أبيب، وستساعد إسرائيل على فهم أفضل لما كان يحدث في سوريا من وجهة نظر سياسية وعسكرية واقتصادية.
مغادرة سوريا
واستطاع مزراحي الذي لعب شخصية جمال يونس بنجاح أن يحصل على ترخيص لفتح مدرسة وممارسة نشاط التجسس لصالح تل أبيب، إلا أنه غادر سوريا مع اكتشاف أمر إيلي كوهين.
إثر ذلك أمر الموساد مزراحي بتدمير جميع المعدات التي بحوزته على الفور، ثم تم تكليفه بمهمة جديدة في لبنان للتجسس على حركة التحرير الفلسطينية “فتح” المولودة حديثاً.
بقي مزراحي في لبنان نحو شهر قدّم خلاله معلومات مهمة عن عناصر “فتح” وقواعدها، ولكن بسبب تجواله حول مكاتب الحركة، تم اعتقال مزراحي في المطار قبل مغادرته بشبهة التجسس.
ووفق الصحيفة لعب مزراحي دوراً هاماً أيضاً في جمع معلومات عن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا الشرقية، ليتجه بعد فترة قصيرة إلى اليمن لجمع معلومات تتعلق بسلامة سفن النفط الإيراني التي كانت تتجه إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب.
وبعد قيامه بأنشطة تجسسية حول منظمة التحرير الفلسطينية في اليمن، اشتبهت الأجهزة الأمنية هناك بأن مزراحي كان عضواً في مجموعة من معارضي النظام واعتقلته للاشتباه في قيامه بأعمال ضد الدولة، وبعد التحقيق انكشف أمره بأنه عميل للموساد.
خروجه من اليمن إلى مصر
وبحسب “هاآرتس”، فإن أكثر من ساعد في إنقاذ مزراحي هو أشرف مروان، مستشار الرئيس المصري أنور السادات، الرجل الذي عمل عميلاً للموساد تحت لقب “الملاك”، والذي حذّر إسرائيل عشية حرب تشرين 1973.
وطلب الموساد من مستشار السادات نقل مزراحي من اليمن إلى مصر، بحجة أنه مواطن مصري، وبالفعل تم ذلك وحوكم في مصر أيضاً بتهمة التجسس، ليتم لاحقاً الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى بعد حرب تشرين 1973.
في عام 2005 توفي مزراحي في إسرائيل ودُفن في الجليل، وفي عام 2007 أُعلنت وفاة رجل الأعمال المصري أشرف مروان إثر سقوطه من شرفة منزله في لندن، وفق ما نقلت الصحيفة.
إضافة تعليق جديد