قصة 72 أرمنياً اعتنقوا العلوية: نتبع يسوع وملزمون بعلي 

02-12-2022

قصة 72 أرمنياً اعتنقوا العلوية: نتبع يسوع وملزمون بعلي 

سركيس قصارجيان:

تحتل مدينة درسيم مكانة خاصة لدى أكراد تركيا والمنطقة عامة، كونها كانت عاصمة الانتفاضة الكردية ضد جمهورية أتاتورك الحديثة بين عامي 1937-1939، والتي انتهت بمجزرة يتفاوت عدد ضحاياها بين الـ 14 ألفاً وعشرات الآلاف باختلاف المصادر.
 
لكن درسيم، أو تونجلي، بالتسمية التركية الحالية، تختزن العديد من الروايات الأخرى، عدا ذكريات المجزرة الحزينة، التي قدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتذاراً رسمياً عنها في عام 2011 واصفاً إياها "بواحدة من أكثر الحوادث مأساوية في تاريخ تركيا الحديث".
 
إحدى هذه الروايات، هي قصة "الأرمن العلويون"، التي يرويها الكاتب كاظم غوندوغان عبر دراسة لتاريخ المنطقة الشفوي في كتابه "الأرمن العلويون قسراً ... نتبع يسوع وملزمون بعلي"، الذي يعرض قصص 72 أرمنياً اعتنقوا العقيدة العلوية و12 علوياً من درسيم، مرفقة بأسماء الشهود وصورهم الشخصية أو لذكرياتهم و"منازلهم بجدران تحمل بعضها صليباً ورسماً لعلي في آن واحد". 
 
يفتتح كاظم غوندوغان، المعروف بأفلامه الوثائقية وكتبه عن درسيم، تصدير كتابه، بمقدّمة يسأل فيها القارئ إن كان من محبي الاستماع الى القصص، مستدركاً أن "الجغرافيا التي نعيش فيها، تحتوي قصصاً مؤلمة أكثر من مثيلاتها المفرحة والهادئة".
 
يعتبر غوندوعان أن "نصيبه من القصص التي تزخر بها منطقتنا كان في الغالب تلك الممنوعة والجارحة؛ يستمع إليها ويجمعها ويخبر عنها ويحملها معه... قصص لا تزال تنزف حتى بعد أكثر من 100 عام".
 
ولد كاظم غوندودغان في درسيم عام 1963، ليغادرها بعد الانقلاب العسكري عام 1980 مستقراً في اسطنبول. نتيجة أفكاره ونضاله السياسي تنقّل بين العديد من السجون التركية، بأحكام وصل مجموعها إلى عشر سنوات، قبل أن يتم اطلاق سراحه في عام 2002.
 
يشرح غوندوغان سبب اختياره للقصص "الممنوعة والجارحة" بشكل عام، وقصة "الأرمن العلويون" بشكل خاص "ليحملها معه" حسب وصفه قائلاً: "عندما تولد وتنشأ في منطقة يحتوي العديد من قراها على الكثير من الأطلال العائدة إلى كنائس وأديرة، وتحيط بها وتكسوها تلال وحقول وأنهار تسمى بأسماء أرمنية، وتستمع منذ صغرك إلى قصص عن الأرمن والذهب المخبأ تحت شواهد قبورهم، وجدران كنائسه لا تزال تُروى عند طرح الموضوع، إذا قمت بغسل أسفل كل شاهد قبر، أسفل جدار الكنيسة، وروايات الكنوز الأرمنية الدفينة التي يرويها من قاموا بنهبهم، والأحاديث التي تقول: كان الأرمن يعيشون هنا قبل مدة، وكانت جدة هذا الشخص أرمنية، فعملك صعب وقد لا تنجح فيه".
 

كتب غوندوغان الكثير من المقالات والأبحاث بأسماء مختلفة في العديد من الصحف والمجلات التركية، قبل أن يتفرّغ إلى عمل الأفلام الوثائقية وإصدار الكتب التاريخية، بمساعدة زوجته، منذ عام 2008، وكان أول هذه الأعمال، الفيلم الوثائقي بعنوان "فتيات درسيم المفقودات"، والذي حصد العديد من الجوائز المحلية والعالمية.
 
ويروي غوندوغان أن "درسيم كانت حتى القرن السابع عشر تقريباً مدينة بأكثرية علوية وأرمنية بالتقاسم، حسب السجلات العثمانية، لكن مجازر 1894-1896 ولاحقاً الإبادة الجماعية عام 1915 غيّرت من هذه المعادلة، بينما أُجبر الأرمن الذين نجوا من الابادة بفعل حماية أهالي درسيم ورفض تسليمهم إلى السلطات التركية في حينه، على اعتناق العقيدة العلوية، أو التظاهر بها، بعد الحملة العسكرية التي دمّرت ما تبقى من كنائسهم ومعالمهم خلال اخماد ثورة درسيم الشهيرة".
 
ووفق آراء العديد من الأتراك من أصحاب الاختصاصات التاريخية والبحثية، فإن الحملة العسكرية التي شنّها أتاتورك على درسيم، كانت بداية لانطلاق برنامجه لفرض الهوية التركية على الشعوب القاطنة في الجغرافيا التركية كركيزة أساسية لإنشاء الدولة القومية الحديثة من خلال اجراءات إدارية، سياسية، أيديولوجية وثقافية اتّسمت غالبيتها بالقسرية.
 
اعتبر العديد من النقّاد والخبراء كتاب غوندوغان المذكور بمثابة ردّ على أطروحة يوسف حلاج أوغلو رئيس جمعية التاريخ التركي والبرلماني عن حزب "الحركة القومية" اليميني المتطرف، التي يزعم فيها أن "الأكراد العلويين هم في الأصل أرمن".
 
وفي هذا الصدد يقول غوندوغان إن "الشعب الأرمني من أقدم الشعوب في منطقة درسيم. هناك أرمن علويون، لكن الادعاء أن جميع العلويين الأكراد من أصل أرمني هو نهج عنصري".
 
وأضاف: "بعد الاطلاع على تاريخ الشعوب التي عاشت على أرض الأناضول، وهو موضوع أطروحتي لنيل الدكتوراه، والتعمّق في العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية لهذه الشعوب، رأينا أنا وزوجتي أن تجاهل قصة الأرمن الذين أُجبروا أو انتقلوا إلى العقيدة العلوية، سيكون بمثابة تزوير للتاريخ وحقائقه، لذا قررنا خوض غمار هذه المغامرة المكلفة".
 
وعن سبب تأكيده على "القسرية" في تحوّل أرمن درسيم من المسيحية إلى العلوية، يشرح غوندوغان بالقول إن "الانتقال من عقيدة إلى أخرى ممكن، لأن العرق شيء يولد مع الإنسان بينما الإيمان مكتسب، لكننا هنا نتحدّث عن انتقال اجباري تحت وطأة التهديد الوجودي الذي واجهه الأرمن المسيحيون في درسيم ما أجبرهم على الانتقال إلى العلوية، وفي مناطق أخرى من البلاد حينما أضطروا على الانتقال إلى العقيدة الإسلامية".
 
وأوضح، "لذلك نرى العديد من القصص والشهادات عن كون أحدهم علوياً في درسيم في ستينات القرن الماضي، ليعود إلى جذوره الأرمنية بعد انتقاله إلى إسطنبول أو باريس أو حتى بيروت، بغض النظر عن العقود التي عاشها مظهراً علويّته".
 
ويستفيض غوندوغان خلال الحوار في الحديث عن العديد من "القواسم المشتركة" بين علويي درسيم والعلويين قسراً من الأرمن "والسيكولوجيا الناتجة من تعرّضهما لمجزرة درسيم سويّاً" من دون أن ينسى التركيز على "الاختلافات والخلافات" بين الفئتين أيضاً "حين كان الكثير من العائلات العلوية ترفض تزويج بناتها من شبان عائلات منتقلة إلى العلوية، أو استخدام مذمة "نتاج الذرية الأرمنية" بحق أبناء الفئة الثانية عند أي خلاف بين الجيران أو في نطاق العمل وغيره".
 
إحدى قصص الاختلاف يستعرضها غوندوغان في الصفحة 23 من كتابه على لسان، الشاهد مراد دمير، أحد "الأرمن العلويين" المقيم في ألمانيا حالياً الذي يروي خوفه على "قبر والدته"، التي تحوّلت جثّتها إلى تراب، قائلاً: "كنت صغيراً حين ماتت أمي، طلبت من أبي أن ندفنها في زاوية من زوايا الكنيسة (المهدّمة). قمنا بدفن والدتي في الكنيسة، عندما ذهبت إلى درسيم في عام 1967، قمت بصبّ خرسانة بارتفاع 50 سم حتى لا ينبشها العلويون الباحثون عن "ذهب الأرمن". لقد أزالوا حجارة الكنيسة والقبور ليبنوا بها المدرسة الابتدائية التي انهارت لاحقاً... الله لا يترك فعلاً دون جزاء".
 
ويؤكد غوندوغان أن "هذا التمييز صحيح أنه لم يتحوّل يوماً إلى اعتداء جسدي لكنه أدّى إلى ضغط مجتمعي نتج منه افتقاد الأرمن العلويين قسراً في درسيم إلى السكينة حتى يومنا هذا، خاصة في ظل سياسات الاستقطاب الحكومية، التي كانت تضع كل أرمني من درسيم في فترة الثمانينات من القرن الماضي تحت شبهة الانتماء إلى تنظيم أسالا (الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا)".
 
ويختتم غوندوغان، المقيم في ألمانيا منذ عام 2017، بعد "اضطراره مغادرة تركيا هرباً من الضغوط والتهديدات"، بالقول إن "الدول الهويّاتية الناشئة عبر ابادة ونهب أقليات قومية أو دينية تعتمد على الدوام على تزييف التاريخ، الذي يؤدي بدوره إلى ديمومة اللااستقرار. الهدف من أعمالي ليس خلق العداوات وإنما تبيان الحق والحقائق كأساس للسلام المجتمعي والحرية المجتمعية التي يسعى إليها كل مؤمن ومدافع عن القيم الإنسانية".

المصدر: النهار العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...