ما سبب عداء السلفيين لاحتفالات الميلاد !

د.سامح عسكر:

الإخوان والسلفيون لهم موقف من احتفالات "عيد الميلاد" سياسي أكثر منه عقائدي ، كيف؟

في أدبيات تنظيم الإخوان – وقد درست ذلك باعتباري عضو سابق فيه – أن الكريسماس هو احتفال مسيحي صاخب به شتى أنواع الانحراف والزنا والفجور، حتى أن المسيحي يخرج من الكنيسة يتمايل من السُكر والعربدة التي كان غارقا فيها، وسأعف نفسي عن ذكر ما كان يُقال على النساء في هذا الحدث الصاخب المزعوم، وقد انتقلت هذه الصورة حرفيا لشتى الجماعات بمن فيهم السلفيون الوهابيون الذين أشاعوا هذه الصورة في أشرطتهم بالثمانينات والتسعينات ، وفي الألفية الجديدة من خلال قنواتهم الفضائية..

جذور ذلك تعود لثلاثة أحداث هامة:

أولا: قضية اغتيال القاضي "أحمد الخاندار" في مارس 1948م حيث سبقتها عدة حوادث إرهابية للإخوان منها (تفجيرات عيد الميلاد) عام 1947 والعرض العسكري للإخوان في شهر يونيو بنفس العام ، وقبل اغتياله بشهرين ضبط خلية "السيد فايز" أحد قيادات الإخوان في تدريب ميليشيات عسكرية بمنطقة المُقطّم..

الإخوان قتلوا الخازندار لأنه سجن المجرمين الذين فعلوا ذلك منهم..

تفجيرات عيد الميلاد جمعت بين الدافع السياسي والعقائدي، فالمسيحيون كفار مشركين وفقا لمعتقد الإخوان والأصوليين، وليلة الكريسماس يفعلون فيها كل المنكرات والفواحش فيكون الهجوم على "النادي البريطاني" في هذه الليلة قربان إلهي بالقضاء على فساد المشركين، ونجح الإخوان في تسويق هجوم عيد الميلاد بين أنصارهم – وفئة من الشعب – بأن الهجوم على الإنجليز في احتفالاتهم واجب ومشروع من زاوية "الخداع العسكري" والحطّ على العدوّ في أجمل وأقدس لياليه..ومعروف أن الكريسماس من أجمل وأقدس الليالي عند كافة مسيحيين العالم..

لكن الرد على ذلك أن هجوم الإخوان في عيد الميلاد لم يكن فقط ضد الإنجليز بهذا الدافع الأخلاقي، بل هاجموا أيضا أقسام شرطة "الموسكي وباب الشعرية والجمالية ومصر القديمة والأزبكية والسيدة" كما قام الإخوان بتفجير عدة قنابل على بعض المحلات العامة التي يرتادها جنود الجيش البريطاني في نفس الليلة..(المصدر قضية مقتل النقراشي – لطفي عثمان صـ 201)

ثانيا: الحرب الأهلية اللبنانية وما تخللها من أحداث كاتفاقية كامب ديفيد والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان، وهذه الأحداث استمرت ما بين عاميّ (1975 – 1990 م) وفيها اشتعلت الروح الطائفية ضد مسيحيين الشرق الأوسط باعتبارهم طرف في الحرب الأهلية اللبنانية ضد منظمة التحرير الفلسطينية من جانب، ولأنهم حلفاء لإسرائيل وأمريكا من جانب آخر وفقا لتصورهم، فطبيعي أن يتم تقبيح أقدس لياليهم والهجوم على أجمل أيامهم التي يشعرون فيها بالبهجة والسعادة طوال العام..

فشعور المسيحي بالبهجة والسعادة يؤذي المتطرف نفسيا وهو يرى أن الواجب عليه أن يُشعر المسيحي بالعكس، أي بالحُزن والخوف كونه عدوّا مقاتلا ..ومن هنا تم استدعاء كافة نصوص القتال الدينية بالقرآن والحديث ليُسقطها فقهاء الإخوان والجماعات الوهابية على المسيحيين..

ثالثا: مجاز الصرب ضد شعب البوسنة والهرسك عام 1995م..والصرب شعب مسيحي أرثوذكسي، فحشد السلفيون والإخوان أنصارهم طائفيا ضد مسيحيين الشرق الأوسط كنوع من الانتقام لضحايا البوسنة، برغم أن التطهير العرقي الصربي لشعب البوسنة كان الدافع من ورائه (عرقيا قوميا) أكثر منه ديني، ولم يدرك العرب وقتها أن الذي أوقف تكرار مذابح الصرب ضد شعب كوسوفو المسلم هو (حلف الناتو) الذي يشكل المسيحيون النسبة الأكبر من عدد سكانه..

كانت نتيجة تحريض الإخوان والسلفيون ضد المسيحيين شيوع الكراهية الطائفية ضدهم، وتصوير احتفالاتهم بالمجون والخلاعة والدعارة..وهي نفس الصورة التي تخيلوا بها جنود الإنجليز في الأربعينات قبل مقتل الخاندار، وهي نفس الصورة التي تخيلوا بها مسيحيين لبنان، ومن ثم جرى استدعاء كافة نصوص الكراهية الطائفية من بطون كتب التراث وتم نشر أقوال ابن قيم الجوزية (691- 751 هـ) على أنها دين وهي الناطقة باسم الإسلام، ومن تلك الأقوال القذرة التي اشتهرت على لسان ابن قيم الجوزية وصفه للكنائس (بالمواخير) أي بيوت الدعارة..

فالأزمة إذن مركبة..ولم يأت حازم شومان بجديد، فهو تربية الإخوان والوهابية وهو الحريص على نشر أدبياتهم وأفكارهم الطائفية بالمجتمع، والدولة حتى الآن لم تتصدى لهؤلاء فكريا ولم تكشف مصادرهم العلمية أو ترد على تخرصاتهم بشأن المسيحيين، واعلم أنه لولا ثورة يونيو 2013 لترجم الإخوان والسلفيون ما كان يحدث في القرون الوسطى ضد الأقباط بالحرف ، وكتب التاريخ تشهد على اضطهاد ديني وتمييز عقائدي لدرجة ختم رقاب المسيحيين وإجبارهم على ملابس بألوان معينة لاحتقارهم والحطّ من شأنهم ومعاملتهم بمنزلة أدنى من البشر لدرجة تحريم القسوة ضد الحيوان لكن إباحة القسوة ضد المسيحي وإهانته وإشعاره بكل صنوف الألم النفسي وانعدام الكرامة..!