تأملات في الخوف والذعر والهلع العام:
ـ نحن السوريون السماء تعذبنا والأرض تنكرنا والحكومة تحاصرنا والمعارضة تقتلنا والخوف يتدفق من فوقنا وتحتنا، وقد يكون هذا قدرا ولكنه ليس بالضرورة أن يكون مصيرا دائما لنا، فكل حال يتبدل ويزول، وعلينا أن نعيش في الظروف المتاحة ونعمل على تغييرها كما فعل الأجداد الذين تناسلنا من سلالاتهم رغم تدمير مدنهم مرات عديدة عبر التاريخ، فالحياة تستمر والإرادة تبني حياة جديدة.
ـ والدعاء لايرفع البلاء، والله لايقتل الناس الأشرار لكي يتعظ الأخيار وأكثر الذين ماتوا أو أصيبوا بالزلزال يعبدون الله ويصلون له.. فللطبيعة قوانينها الفيزيائية والرب لايتدخل فيها لأنه واضعها ويعرف مآلها..
ـ تشكلت أنظمة العالم كرد فعل على ما يخافه البشر في عالم مليء بالأخطار، بدءا ببنائه أول سقف يحميه من الطبيعة، وأول تدجين للقمح والحيوانات لمواجهة الخوف من الجوع، وأول تجارب علاج بالنباتات لمواجهة الألم، ونور النار في مواجهة الظلام الذي تجتمع فيه كل مكامن خوف الإنسان بحيث جعل من الليل وقتا للسكون والنوم وتمثيل حالة الموت لخداع إله الموت.. وهكذا تطورت مواجهة الخوف إلى اختراع نظام الحكومة التي تنقسم اختصاصاتها في مواجهة أنواع الخوف والأخطار: وزارة للتموين وأخرى للإسكان والدفاع والمياه والصحة والكهرباء .. ثم تطورت الحكومات الديمقراطية فأنشِأت مؤسسة رقابة الشفافية لحماية الشعب من تغول أولاد الحكومة بحيث تتشكل السياسات العامة وتتبدل كرد فعل على الأخطار المهددة للمجتمع.
ـ وعندما يتحول سقفك الذي يحميك إلى مصدر خوف تهرب منه إلى العراء يغدو مثل حكومتك التي لم تسلحها جيدا بالعدالة والقوانين ولم تحاسب مهندسيها الفاسدين.
ـ يجب تأهيل الناس نفسيا لمواجهة مخاوفهم من دون ذعر أو هلع، فهم في الختام سيموتون على أسرتهم بسبب المرض أو التقدم في العمر أو بسبب قصف أو زلزال، فإدراك ذلك يضعهم في حالة تقبل كالجندي الذي يخوض الحرب ولايدري متى تخترق قلبه شظية أو رصاصة، فالتوغل في الحياة يحتاج إلى شجاعة البشر وحسن تقبلهم لبرمجة الموت المزروعة فيهم منذ ولادتهم.
ــ وأسوأ مايصل إليه البشر هو الخوف المستمر من الخوف المتخيل إذ يتحول إلى هلع وذعر دائم، وأفضل حكمة وجودية في مواجهة ذلك ماقاله جدنا المتنبي:
أُطاعِنُ خَيلاً مِن فَوارِسِها الدَهرُ
وَحيداً وَما قَولي كَذا وَمَعي الصَبرُ
وَأَشجَعُ مِنّي كُلَّ يَومٍ سَلامَتي
وَما ثَبَتَت إِلّا وَفي نَفسِها أَمرُ
تَمَرَّستُ بِالآفاتِ حَتّى تَرَكتُها
تَقولُ أَماتَ المَوتُ أَم ذُعِرَ الذُعرُ
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد