موقف قطر من دمشق: مؤشرات تنبئ بمقاربة جديدة للملف السوري!
عبد الله سليمان علي:
أكدت الدوحة مجدداً موقفها السياسي من “النظام السوري” من دون أن تعلّق على التحوّلات التي حدثت مع حليفتها تركيا في الملف السوري، وفي وقت تشهد علاقة دمشق مع بعض العواصم العربية تطورات إيجابية فرضتها التداعيات الإنسانية التي ترتبت على الزلزال المدمر في 6 شباط (فبراير) الماضي.
وعلى الرغم من أن قطر تعلن بانتظام عن رفضها تغيير مقاربتها السياسية إزاء سوريا، إلا أن الجديد هذه المرة هو أن مواقفها المعتادة تزامنت مع تسريبات حول مصير سفارة الائتلاف السوري في الدوحة، في ظل معلومات عن ممارسة السلطات القطرية ضغوطاً على شاغليها بهدف إخلائها تمهيداً لمواكبة المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية التي باتت تحيط بالملف السوري، وتجعل تغيير المقاربة السياسية خياراً لا بد منه.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إن موقف بلاده من “النظام السوري” لم يتغير. وجاءت تصريحات الأنصاري، مساء الثلاثاء، في الإحاطة الإعلامية الأسبوعية التي تنظمها الوزارة، وأوضح خلالها أن “الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة”، مضيفاً: “إذا لم يكن هناك حل سياسي حقيقي، فلن يكون هناك تغيير في الموقف القطري من هذه المسألة”.
ولا تخرج تصريحات الأنصاري عن سياق المواقف القطرية الرسمية من الأزمة السورية، حيث كان الأمير تميم بن حمد آل ثاني قد أكّد خلال حوارٍ أجرته معه مجلة “لوبوان” الفرنسية، في منتصف أيلول (سبتمبر) 2022، على أنّ قرار استبعاد سوريا من جامعة الدول العربية كان لأسبابٍ وجيهة، وهي لم تتغير.
وأعرب أمير قطر عن استعداده “للمشاركة في أي محادثات، في حال كانت لدينا عملية سلام حول مستقبل سوريا ومطالب شعبها، لكن هذا ليس هو الحال في هذه اللحظة”.
تأكيد الموقف القطري من الملف السوري جاء بعد موجة التغييرات السياسية التي فرضها وقوع زلزال 6 شباط (فبراير)، وذلك بعد تصاعد مظاهر التطبيع بين سوريا ومحيطها العربي، وهو ما تمثل في الاتصالات التي تلقاها الرئيس بشار الأسد من عدد من القادة العرب، وكذلك في قيام عدد من وزراء الخارجية العرب بزيارة دمشق في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 2011.
كما جاء في أعقاب قطع تركيا خطوات متقدمة على مسار التقارب مع سوريا حيث من المتوقع أن يجري أول اجتماع لوزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موعد قريب وفق إعلان مسؤولين روس وإيرانيين، وذلك بعد اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع سوريا وتركيا وروسيا أواخر العام الماضي.
ويرى مراقبون للمشهد السوري أن ثمة توزيعاً للأدوار بين كل من تركيا وقطر حيال كيفية التعاطي مع ملف التقارب مع سوريا، حيث تقوم تركيا بدور الدبلوماسية المرنة فيما تبدي قطر مواقف متشددة لتحقيق أهداف متنوعة من بينها إبقاء دمشق بين ناري الترغيب والترهيب لدفعها إلى تقديم مزيد من التنازلات على طاولة المصالحة، وكذلك لحفظ ماء وجه قطر التي لعبت أدواراً أساسية في الأزمة السورية جعلتها تعاني حتى الآن من تداعياتها المتمثلة في توجيه اتهامات لها بدعم الإرهاب وتمويله. وثمّة من يرى من هؤلاء المراقبين أن قطر تربط تغيير موقفها إزاء الملف السوري بتغيير الرياض موقفها لأنها تريد أن تكون آخر بلد عربي يعيد تطبيع علاقاته مع دمشق، وبما أن المملكة العربية السعودية لا تزال تدور في فلك التصريحات من دون اتخاذ أي إجراء عملي للتقارب مع دمشق، فإن الدوحة ستظل متمسكة بموقفها المتشدد.
ومع ذلك، ظهرت بوادر تغيير قطري من الأزمة السورية منذ سنتين على الأقل، وتجلى ذلك من خلال حادثة رفع العلم السوري الرسمي في حفل افتتاح بطولة كأس العرب التي نظمتها قطر تحت رعاية الـ”فيفا” أواخر عام 2021، والتي أثارت جدلاً واسعاً في حينه لما لها من دلالة رمزية على تغيير قطر موقفها الصلب من سوريا.
وفي منتصف العام الماضي، انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر وجود أحد العمال الذين يقومون بأعمال ترميم وإصلاح في مبنى سفارة الدوحة بحي أبو رمانة وسط العاصمة دمشق.
وعلى الرغم من أن المصادر السورية أوضحت آنذاك أنّ ذلك ليس له علاقة بعودة العلاقات الدبلوماسية السورية – القطرية، وأنّ ما حصل تم بناء على طلب قطري من سفارة سلطنة عمان بدمشق لتكلّف أحد المهندسين بإجراء إصلاحات على البناء لضمان عدم دخول أي أحد إليه، فإن الصورة كانت قد فعلت فعلها في تأكيد أن لا مواقف دائمة في السياسة.
وقياساً بالموقف القطري من العلاقة مع مصر، حيث اضطرت في سبيل استرجاع علاقاتها مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى ممارسة ضغوط على جماعة إخوان مصر لإخراج قياداتهم المغضوب عليها مصرياً من الدوحة باتجاه تركيا التي تعتبر الملاذ الأخير لهؤلاء، يتوقع عدد من المعارضين السوريين أن يواجه “إخوان” سوريا مصيراً مشابهاً عندما تحين ساعة المصالحة بين الدوحة ودمشق.
سفارة الائتلاف في الدوحة
وفجر السياسي السوري المعارض وائل الخالدي قنبلة من العيار الثقيل عندما أعلن عبر صفحته على “تويتر” عن إخلاء سفارة الائتلاف السوري المعارض في الدوحة وطرد عدد من قيادات “الإخوان” إلى تركيا.
وقال الخالدي: “قطر أخرجت سفير الائتلاف السوري من مبنى السفارة السورية في الدوحة، وأفرغتها، تمهيداً لتسليمها لـ”النظام الأسدي”، ونقلت سفير الائتلاف الى مبنى ملحق، حيث من المتوقع تعيينه سفيراً رسمياً للنظام السوري وفقاً للاتفاق مع النظام والإخوان”.
وسارعت سفارة الائتلاف إلى نفي الخبر، مشيرة إلى زيف الإشاعات الكاذبة والتي يتم تلفيقها وبثها على صفحات التواصل الاجتماعي، ومؤكدة ضرورة الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية والمعتمدة”.
وسواء كانت هذه المعلومات صحيحة أم لا، فإن البعض يرى أن “لا دخان من دون نار”، ولكن منطقياً يصعب التصديق أن تكون هناك فجوة كبيرة في المواقف السياسية حيال الملف السوري بين تركيا وقطر نظراً للتحالف الوثيق بين البلدين من جهة، ولعدم قدرة قطر على التأثير بمجريات الأمور في سوريا من دون التنسيق مع أنقرة من جهة ثانية.
وقد تكون قطر غير مستعجلة لتغيير مقاربتها للملف السوري، ولكن بعد إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن ضرورة إيجاد نهج جديد للتعامل مع الملف السوري، يبدو أن الوقت أصبح يضيق أمام قطر التي ستجد نفسها عاجلاً أم آجلاً أمام خيار التغيير تناغماً مع السياسة العربية الجديدة أو ستكون معزولة في موقف متشدد لم يعد يتبناه سواها في المحيطين الإقليمي والدولي.
النهار العربي
إضافة تعليق جديد