اللاذقية: فوبيا الزلزال تدفع أهالي المدن باتجاه الهجرة العكسية إلى الأرياف
تشهد محافظة اللاذقية، بعد كارثة الزلزال المدمر هجرة عكسية باتجاه الريف، خوفاً من العيش في الأبنية الطابقية، وخاصة الطوابق العليا التي يشعر سكانها أكثر من غيرهم بالهزات الارتدادية.
“فوبيا الزلزال”، لم تفارق الكثير من أهالي اللاذقية بعد، بل لا تزال تشعرهم بالخوف على أنفسهم وعلى عائلاتهم من أي هزة قد تتطور إلى زلزال يعيد إنتاج مشاهد الضحايا والدمار الذي خلّفه زلزال ٦ شباط الماضي.
وعلى وقع الخوف، جاءت الهجرة باتجاه الريف، حيث راح عدد كبير من الأهالي يبحثون عن منازل للإيجار في القرى، أو منازل طوابق أرضية داخل المدينة، خشية البقاء في الطوابق العليا.
إلى جانب “هجمة” الأهالي باتجاه هذه الخيارات، تقاطع معها توجّه الأهالي الذين خسروا منازلهم من جراء الزلزال، والذين أخلوها بفعل تصدعها، ما أدى إلى انتعاش سوق الإيجارات بمنحى عكسي مع الحاجات والدوافع الإنسانية، في ظل محنة الزلزال، التي يجب أن تسيطر على الأسعار التي باتت تحلّق بعيداً عن استطاعة المتضررين بجميع أشكالهم.
الإيجارات بالمليون!
أبو يامن أحد المتضررين في مدينة جبلة والذي خسر منزله في حي الرميلة، يبيّن لـ”تشرين” أنه منذ وقوع الزلزال وهو يسكن عند أحد أقاربه في قرية عين شقاق، إلّا أنه منذ أكثر من عشرة أيام يبحث عن منزل للإيجار في مدينة جبلة لكن من دون جدوى، فأسعار الإيجارات باتت فلكية أكثر من السابق بكثير، مدللاً بأن إيجار المنزل “مفروش من قريبه” بات يتراوح بين 800 ألف إلى مليون ليرة، في حال تم العثور على منزل، فيما يتراوح إيجار المنازل من دون فرش بين 300-450 ألف ليرة.
زيادة الطلب على المنازل يدفع بالمؤجرين للمضاربة بالأسعار
بدوره، لفت عبد الرحمن أحد سكان مدينة اللاذقية والذي يسكن طابق رابع في حي الدعتور إلى أن العثور على منزل أرضي في المدينة، بات ضرباً من المستحيل في ظل بحث الكثيرين عن مأوى بعد أن فقدوا منازلهم، فإيجارات المنازل باتت محكومة بالأرضي والطوابق العليا، أكثر من المناطق الراقية أو المتوسطة.
وأضاف: بيتي لم يتهدّم، لكن البناء تصدّع نتيجة الزلزال، ولم يعد أمامنا خيار سوى استئجار منزل أرضي حصراً لأن سكان الطوابق العليا يشعرون بالهزات أكثر من غيرهم، مشيراً إلى إصابة أطفاله بحالة اضطراب بعد معايشتهم الزلزال.
السبب وراء الهجمة على الطوابق العليا، عزتها إحدى السيدات اللواتي التقتهن “تشرين” داخل مكتب عقاري في حي المشروع العاشر، إلى أن هروب الأهالي من الطابق الأرضي في حال حدوث زلزال أو هزة قوية أسرع من الطوابق العليا، مبينة أنها لا تزال تبحث عن منزل لكن الأسعار كاوية فأقل إيجار منزل من دون فرش 400 ألف في أحياء عادية.
الريف بعد الزلزال ليس كما قبله
رغم صعوبة التنقّل بين الريف والمدينة، تبقى إمكانية استئجار منزل في الريف أفضل لجيب المواطنين من المدينة، على الرغم من أن واقع الحال لم يعد يختلف كثيراً، فالريف بعد الزلزال ليس كما قبله، حيث بات وجهة الكثيرين ممن فقدوا منازلهم أو تصدعت أو يبحثون عن الملجأ الآمن ريثما تنتهي الهزات وترتاح صفائح الأرض.
ارتفاع الإيجارات في الريف يضيّق على المتضررين والخائفين
ولا شك في أن العثور على منزل في القرى يعد “لقطة”، وخاصة في ظل أن معظم أهالي الريف لا يملكون سوى منزل واحد يقطنون فيه، وعلى إيقاع قانون السوق بالعرض والطلب ارتفعت الإيجارات في القرى من دون استثناء تماشياً مع زيادة الطلب.
أبو حمزة يبحث منذ أكثر من عشرين يوماً عن منزل للإيجار في الشراشير أو سيانو أو عين شقاق، تقع على محور واحد، لكن من دون جدوى فالعروض المتاحة قليلة والأسعار على حدّ تعبيره “نار شاعلة”، فأقل منزل إيجاره 200 ألف ليرة، ويضيف: من أين سأدفع الإيجار وأؤمن الأكل والشرب لعائلتي وخاصة بعد أن فقدنا “الحيلة والفتيلة” في بيتنا الذي تهدم قي حي العسالية.
زيادة الطلب
من جهته، عزا صاحب مكتب عقاري في مدينة جبلة، السبب وراء ارتفاع الإيجارات إلى زيادة الطلب نتيجة تضرر الكثير من العائلات سواء التي خسرت منازلها أو تصدّعت أو باتت تخاف من السكن في طوابق عليا، بالإضافة إلى أن توجه الكثير لطلب الاستئجار أدى إلى ارتفاع الأسعار، وخاصة أن الطلب بات موجهاً على أحياء معينة دون سواها، وهي الأحياء التي لم تشهد انهيارات أو تصدعات كبيرة في الأبنية، مدللاً بأحياء ضاحية الأسد، العمارة، شارع الفروة، التضامن، الحبيبات.
وأشار إلى أن أصحاب المكاتب العقارية ليس لهم أي علاقة بارتفاع الأسعار، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً، نتيجة المضاربة بين أصحاب العقارات فيما بينهم، على قولة “غيري مو أشطر مني”، وتناسباً مع هذه المقولة وصل ايجار المنزل الأرضي إلى ٨٠٠ ألف.
المشهد ذاته للغلاء يعيد إنتاج نفسه في مدينة اللاذقية، فالراغبون بالاستئجار كثر، والعين على المنازل الأرضية، إذ قال صاحب مكتب عقاري في حي المشروع العاشر: مصائب قوم عند قوم فوائد، على الرغم من مرارة نكبة الزلزال، إلّا أنه أدى إلى حركة نشاط في الإيجارات بالمدينة، مبيناً أن إيجار الشقة الأرضية من دون فرش وصل في بعض الأحياء الحديثة إلى نحو مليون ليرة، كما تضاعف سعر متر البناء على الهيكل عما كان عليه الوضع قبل الزلزال.
الحق على الغلاء
صاحب عقار في حي الزراعة باللاذقية، يدافع عن طلبه 400 ألف ليرة إيجاراً لمنزله طابق أول فني، بأن الطلب كبير خلال هذه الفترة، وبأنه ليس الوحيد الذي يطلب مثل هذه الأسعار، وبأن الغلاء طال كل شيء غداة الزلزال، ولم يعد الأمر مقتصراً على الايجارات.
الخيام.. الخيار الآمن
بين ريف ومدينة، وبين طمع أصحاب العقارات وفقر الحال، وبين خوف من زلزال جديد وعدم وجود مأوى آخر، وجد البعض في مدينة جبلة الحل الآمن بأقل التكاليف، وهو نصب الخيام في ساحات بالقرب من منازلهم، حيث يذهبون إلى منازلهم في النهار لقضاء حوائجهم ثم يعودون إلى الخيام مساء ليقضوا ليلتهم.
البحث جارٍ عن منازل أرضية.. ونصب الخيام يتصدّر الحلول الإسعافية
سارة أم لثلاثة أولاد، تحتضنهم طوال الليل خوفاً عليهم من معايشة زلزال آخر، وتقول: العيش داخل خيمة أكثر أماناً من السكن داخل أبنية طابقية أثبتت أنها غير مقاومة، فالذي لم ينهر قد تصدع أو تشقق، مضيفة: لم نبحث عن منزل للإيجار لأن أصحاب العقارات وجدوا فرصة للمتاجرة بنا والمضاربة برفع الأسعار.
أمجد ابن الأعوام الستة، كان يلعب بالكرة أمام الخيمة، سرعان ما اتقدت ذاكرته الصغيرة وتغيرت ملامح وجهه عندما سألناه عن الزلزال، ليقول باختصار وبكلمات مبعثرة: “صعب كتير الزلزال.. الحمد لله لحقنا نهرب”، ويتابع: الخيمة أحسن وأكثر أماناً من منزلنا الذي لم أعد أرغب بالرجوع إليه وتذكر ما حدث في ليلة الزلزال.
مواكبة الحدث
من جهته، الخبير العقاري أنور علي أوضح لـ”تشرين” أن الحركة النشطة التي شهدها سوق العقارات منذ وقوع الزلزال، وتوجّه الكثير لاستئجار المنازل الأرضية في المدن، أو التوجه إلى الريف، لاعتقادهم أن القرى في أمان أكثر، دفع أصحاب العقارات إلى طلب مبالغ كبيرة لا تتناسب طرداً مع قيمة العقار وموقعه، بقدر ما تتناسب مع كونه طابقاً أرضياً أو أولَّ فنياً.
وأضاف علي: لا تزال الناس خائفة من زلزال جديد، خاصة في ظل الشائعات المتداولة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وآخر توقعات المتنبئ الهولندي فرانك الذي حذر في آخر تنبؤاته من زلزال متوقع بين 6-8 آذار، ما دفع عدداً كبيراً من سكان المدن إلى الذهاب إلى منازل ذويهم في القرى خوفاً على سلامتهم، ومن ليس لديه أقارب فإنه مجبر على استئجار منزل في الريف أو في المدينة، شريطة أن يكون منزلاً أرضياً.
وبرأي علي، يجب ألّا تقف مجالس المدن والجهات المعنية في المحافظة مكتوفة الأيدي أمام ارتفاع الأسعار الجنوني الذي بدأ في المواد الغذائية والسلع كافة وانتهاء بأسعار إيجار العقارات، وعدم ترك الموضوع لقانون السوق القائم على العرض والطلب، لأن هناك كارثة إنسانية وحاجات إنسانية ويجب مواكبتها والتعامل معها بحزم وصرامة.
تشرين
إضافة تعليق جديد