البترول السوري والعراقي.. من يسرقه وكيف؟
حكمت هيئة التحكيم الدولية، ومقرها باريس، بإلزام تركيا بدفع مليار وخمسمئة مليون دولار إلى العراق، تعويضاً من تصدير النفط من كردستان العراق عبر أنبوب النفط العراقي – التركي، والذي يمتد من كركوك إلى ميناء جيهان التركي، وذلك عن الفترة 2014-2018، ومن دون الحصول على موافقة الحكومة المركزية في بغداد.
واتهمت الهيئة أنقرة بـ”مخالفة أحكام اتفاق خط الأنابيب العراقية التركية الموقعة عام 1973 والتي تنص على ضرورة التزام الحكومة التركية تعليمات الجانب العراقي فيما يتعلق بنقل النفط الخام المصدَّر من العراق إلى جميع مراكز التخزين والتصريف والمحطات النهائية”.
ومع قرار المفوضية، أوقفت بغداد ضخ 450 ألف برميل يومياً من النفط الخام من إقليم كردستان وحقول كركوك، بينما أفاد مسؤولو وزارة الطاقة التركية بأن أنقرة أبلغت بغداد أنها ستحترم الحكم الصادر في القضية.
وقال مسؤولو شركة الشحن البحري التركية، في ميناء جيهان التركي المطلّ على البحر الأبيض المتوسط، إنهم لن يسمحوا بعد الآن لأي سفينة بتحميل شحنات الخام الكردي من دون موافقة الحكومة العراقية.
ومن المتوقَّع أن يقوم وفد من وزارة النفط العراقية بزيارة تركيا خلال الأيام القليلة المقبلة من أجل أن يلتقي أعضاؤه نظراءهم الأتراك، والاتفاق معهم على آلية جديدة لتصدير النفط الخام العراقي بصورة تتفق مع قرار هيئة التحكيم الدولية.
وكانت الحكومة العراقية، في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أقامت الدعوى ضد تركيا أواخر عام 2014. وتم إيقاف الدعوى من جانب رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي بعد فترة قصيرة، ثم تمّ تفعيلها مجدداً مطلع عام 2017، قبل تجميدها مرة أخرى.
وجاء رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي ليوقفها بصورة كاملة بناءً على طلب من القيادة الكردية، قبل أن تُستأنف من وزارة النفط العراقية في عهد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عام 2021.
يُذكَر أن أنبوب النفط العراقي – التركي تمّ تشغيله عام 1976، في عهد الرئيس أحمد حسن البكر، وكان صدام حسين نائبه، في الوقت الذي كانت علاقات بغداد بدمشق سيئة. وهو ما دفع بغداد إلى إلغاء أنبوب النفط العراقي – السوري، الذي يمتد من كركوك إلى ميناء بانياس السوري، واتخاذ قرار عاجل يقضي بمد أنبوبين جديدين إلى تركيا، بطول 970 كم، ليتمّ نقل نحو مليون برميل يومياً إلى ميناء جيهان التركي، وهو ما حقق لتركيا دخلاً سنوياً يزيد على 250 مليون دولار منذ بدء تشغيل الأنبوبين.
قرار هيئة التحكيم الدولية وضع علاقات بغداد بكل من أنقرة وأربيل أمام تحديات جديدة، بسبب العلاقات المتشابكة بين أنقرة وأربيل، ليس فقط في مجال نقل البترول الكردي، بل أيضاً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بحيث لتركيا نحو عشرين قاعدة عسكرية في الشمال العراقي بحجة ملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي، الموجودين في المنطقة. وسبق للجيش التركي أن تعاون مع “البشمركة” الكردية العراقية الموالية لمسعود البرزاني ضد هؤلاء المسلحين.
واكتسب موضوع نقل البترول الكردي أهمية إضافية بسبب العلاقات السرية والعلنية بين أنقرة وأربيل، بحيث تحدثت المعلومات، بعد سيطرة “داعش” على الموصل في حزيران/يونيو 2014، وقيامها ببيع البترول السوري المستخرَج من آبار شرقي الفرات عبر الوسطاء للمقرَّبين من مسعود البرزاني، ليتم نقله إلى ميناء جيهان التركي بواسطة الشاحنات، ولاحقاً الأنبوب الذي تم ربطه بأنبوب البترول العراقي – التركي.
وكانت وزارة الدفاع الروسية بداية كانون الأول/ ديسمبر 2015، أي بعد أربعين يوماً من إسقاط الطائرات التركية لطائرة روسية قرب الحدود السورية مع تركيا، في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت صوراً تم التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية تُثبت تهريب النفط بكميات هائلة من مناطق سيطرة “داعش” في سوريا إلى تركيا، في مقابل توريدات الأسلحة والذخيرة من تركيا إلى “داعش”.
وقال أناتولي أنطونوف، نائب وزير الدفاع الروسي آنذاك: “إن العائدات من الإتجار بالنفط هي من أهم مصادر تمويل أنشطة الإرهابيين في سوريا، وتبلغ عائداتهم قرابة ملياري دولار سنوياً، إذ يتم إنفاق هذه الأموال على تجنيد المرتزقة في أنحاء العالم كافة، وتسليحهم وتزويدهم بالمعدات”.
وكانت المعلومات الصحافية تحدثت آنذاك عن قيام شركات غامضة بنقل البترول السوري إلى تركيا، بالتنسيق والتعاون مع جماعات موالية لمسعود البرزاني، ليتم نقله إلى ميناء جيهان التركي، ومنه يتم نقله إلى الكيان الصهيوني.
وهذه هي حال البترول الكردي العراقي المستخرج من إقليم كردستان العراقي، الذي يتم ضخه بواسطة أنبوب البترول العراقي التركي في ميناء جيهان أيضاً، ومن هنا يتم نقل هذا البترول الكردي إلى الكيان الصهيوني أيضاً بواسطة شاحنات ضخمة، قيل آنذاك إن صاحبها هو بوراك إردوغان، نجل الرئيس إردوغان، ويشاركه في هذه العملية نجل رئيس الوزراء الأسبق، بن علي يلدرم.
أمّا المفاجأة الكبرى فهي المعلومات التي تحدثت، الأسبوع الماضي، عن احتمالات تورط وزير المالية الأسبق برات ألبايراك، وهو صهر الرئيس إردوغان في عملية نقل البترول من كردستان العراق بواسطة شركة أميركية، قيل إنه شريك فيها. وقيل إنها متورطة في نقل البترول السوري الذي يسرقه الجيش الأميركي من شرقي الفرات، بالتنسيق مع الميليشيات الكردية الموالية لـ”قسد”، التي تسيطر على المنطقة، ومنها يتم نقل البترول إلى شمالي العراق، ثم تركيا.
وهي الحال بالنسبة إلى البترول الأذربيجاني، الذي يصل إلى ميناء جيهان التركي بواسطة الأنابيب، ليتم نقله بأسعار تفضيلية إلى الكيان الصهيوني في مقابل الدعم العسكري الإسرائيلي لأذربيجان خلال الأعوام العشرة الماضية بصورة خاصة. وسبق ذلك تعاون استخباريّ بين الطرفين، يستهدف إيران في الدرجة الأولى.
في جميع الحالات، ومع انتظار التطورات المحتملة في ملف البترول المسروق من سوريا وكردستان العراق، ومن دون موافقة دمشق وبغداد، لم يتأخر وزير الطاقة التركي فاتح دونماز في الرد على المعلومات التي تحدثت عن الغرامة التي أقرتها هيئة التحكيم الدولية، ليقول إن هذه المعلومات ليست دقيقة، وإن الاتصالات مستمرة مع أربيل وبغداد لتوضيح طريقة التعامل المستقبلية، بعد الاتفاق مع الطرفين على صيغة جديدة لنقل البترول العراقي بموافقة الحكومة المركزية.
وقال الإعلام العراقي إن بغداد مستمرة في التشاور مع حكومة إقليم كردستان العراق لتحديد حصة الإقليم من مجموع النفط المصدَّر، مع المعلومات التي تتحدث عنها وسائل الإعلام الكردية بشأن فساد كبير، بلغ مليارات من الدولارات، وتورطت فيه عائلة البرزاني.
وتبقى تركيا المستفيد الأكبر، ليس فقط من نقل البترول السوري والعراقي، ومرور هذا البترول في أراضيها عبر الأنابيب، بل أيضاً من نشاط الشركات التركية، التي نفّذت وتنفّذ ما قيمته عشرات المليارات من الدولارات من المشاريع الإنشائية. يضاف إلى ذلك حجم الصادرات التركية إلى العراق، الذي يستورد معظم حاجياته من تركيا بسبب قربها الجغرافي والعلاقات التاريخية بين البلدين، انطلاقاً من أن العراق وتركيا، ومعهما سوريا وإيران، ساحة جغرافية واحدة تتقاسم عدداً من القواسم المشتركة، وباتفاقها معاً تستطيع أن تحل جميع مشاكلها من دون أي تدخل خارجي.
وهو ما قد يجعل هذه الدول الأربع مركزاً، وربما محوراً استراتيجياً لمجمل الحسابات والمعادلات الإقليمية والدولية، وهو ما سيسعى له كمال كليجدار أوغلو في حال انتخابه رئيساً للجمهورية، عبر مشروعه الذي أعلنه باسم “منظمة السلم والتعاون الشرق أوسطي”.
وسوف يطرحه من جديد في أول جولة سيقوم بها للمنطقة، وقد يبدأها بسوريا، كما فعل ذلك عبد الله غول عندما زار دمشق في 4 كانون الثاني/يناير 2003، في إطار جولته التي شملت مصر والسعودية والكويت والأردن وإيران، عندما كان رئيساً للوزراء بعد استلام العدالة والتنمية للسلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، إلّا أن إردوغان، من منطلقات دينية وطائفية، دمّر كل شيء خلال أعوام “الربيع العربي” الدموي.
حسني محلي- الميادين
إضافة تعليق جديد