رمضان في حلب… صيام المدن المنكوبة
وهج النار تحت القدور، خفّة الحركة كخلية نحل، دوران العلب البلاستيكية المعبأة بوجبات الإفطار الرمضانية الساخنة، جميعها تروي قصة جهد يبذله متطوعون وفدوا من دمشق وحلب، لمساعدة آلاف العائلات التي تقطن مراكز الإيواء في الشهباء السورية.
قبل شهرين، كانت حلب على اعتقاد خاطئ بأن محنة آلاف العائلات التي شرّدها “زلزال الإرهاب” من منازلها في الأحياء الشرقية للمدينة، قد طويت بعد تحريرها عام 2017 من الإرهاب.
اليوم، وبعدما دفع الزلزال المدمّر الذي ضرب المدينة عشرات الآلاف من سكانها للعودة إلى المدارس والمساجد التي تحولت إلى مراكز إيواء، أدركت أن محنتها لم تنته.
في الحديقة العامة المجاورة لساحة “سعد الله الجابري”، وسط المدينة، بني مطبخ رمضاني تقاطر إليه عشرات الشابات والشبان المتطوعين.
“خسى الجوع” المبادرة التي أضحت تقليدياً سنوياً تحرص خلاله جمعية “ساعد” على إحياء هذا العمل الخيري بإيصال طعام الإفطار للأسر الأكثر عوزاً وحاجة، تتخذ هذا العام شكلا أكثر إلحاحاً لا سيما مع كارثة الزلزال المدمر والتي أحالت المدينة إلى منكوبة.
ولعل المطبخ هذا العام حضرت أطباقه على المائدة في وقت مبكر سبق شهر الخير تلبية لحاجة إنسانية وملحة للوقوف إلى جانب العائلات الفقيرة، وفق ما تحدث محمد عبادة الرجال مسؤول في جمعية ساعد في حديثه لـ “سبوتنيك” واصفاً قدوم جزء من متطوعي الجمعية من مدينة دمشق كـ “فزعة” في اليوم الثاني من الأيام الصعبة والسوداء التي عاشتها مدينة حلب جراء كارثة الزلزال التي حولت مدينة حلب إلى مدينة منكوبة وأضاف:
“نعمل على تجهيز من 10 إلى 11 ألف وجبة يومياً ترسل للعائلات المتضررة ممن فقدوا منازلهم أو الموجودة في مراكز الإيواء، أو عابري السبيل يقدم لهم المطبخ مئات الوجبات الساخنة والمغلفة”.
ويلفت مسؤول جمعية “ساعد” النظر إلى التحاق ما يقارب نحو30 إلى 50 متطوع بشكل يومي ودون مقابل مادي يعملون لساعات طويلة حتى موعد الإفطار، وشرح إلى تنوع الأماكن في مراكز المدينة أو المواقع التي تصل لها المركبات كحلب القديمة.
ويعتقد مسؤول جمعية ساعد أن العمل التشاركي جعل من العمل أكثر فائدة ويسراً منوهاً في شرحه إلى مشاركة شبان من الدراجين في حلب يعملون على الدراجات المارية لإيصال الوجبات لمستحقيها وأردف:
“مهما تنامى واتسع عملنا بشكل واسع للوصول لمستحقي هذه الوجبات لكننا لا نستطيع الوصول للكثيرين، هناك أناس (عزيزي النفس) لا بد من جميع المقتدرين المساهمة والتبرع للتخفيف من حدة الضائقة، وتمر هذه الظروف الصعبة على الجميع بسلامة، يوجد تنوع في المأكولات ونحاول فعل ذلك، كل يوم طبق جديد مختلف عن طبق اليوم الذي سبقه”.
من جانبها تحدثت المتطوعة نور خير الله مسؤولة المتطوعين عن عمل الكادر التطوعي اليومي ولكنها لفتت إلى جانب الاهتمام بالنظافة من حيث المكان إلى جانب ارتداء المساعدين لقفازات اليد وأغطية الرأس وكل مستلزمات العمل ليخرج بجودة عالية وأضاف:
“كل يوم نأتي الساعة الثامنة صباحاً، في البداية نركز على موضوع النظافة من تعقيم وتنظيف، ونباشر تحضير الأطعمة للطبق وبعد الطهو إلى مرحلة التغليف، وظهور الطبق بصورة جيدة ونظيفة، في يوم الجمعة نستقبل الكثير من المتطوعين لاسيما أن أغلب المتطوعين يدرسون في الجامعة، ويعملون بكل اندفاع”.
أما أحمد شفيق قجمة طالب جامعي ، بكلية الاقتصاد يقول “أحاول انهاء محاضرات الجامعية والوصول إلى مكان العمل هنا لايصال لقمة شهية ونظيفة، هناك شعور جميل يخالجني وأنا أعمل إحساس أني لا قف مكتوف الأيدي حيال مساعدة أناس هم بحاجة ولا سيما بشهر الخير”.
وبات ملفتاً مساهمة الدراجات النارية التي يشارك بها مجموعة من الدراجين، والذين يعملون بالإضافة للحافلات التي تنقل الوجبات الساخنة إلى مراطز الإيواء بالوصول إلى مناطق يصعب على المركبات الوصول إليها، ويتحدث أحمد شنون كابتن فريق حلب لدراجين سورية: “نحن عبارة عن شباب متطوعين وسخرنا دراجاتنا للمساعدة مع جمعية ساعد لإيصال الطعام من المطبخ وقدر الإمكان بشكل سريع ولا سيما أن تحرك السيارات قبل الإفطار صعب جدا”.
من جانبه يشرح المتطوع أمجد محمد قدم من مدينة دمشق للمشاركة مع متطوعي الجمعية بالعمل وهو أحد المتطوعي بجمعية “ساعد” منذ العام 2016 ليروي لـ “سبوتنيك” إلى كون مبادرة (خسى الجوع) تعود إلى أكثر من عقد من الزمن سنة 2013 في مدينة دمشق هدفها تحضير سبعة آلاف وجبة، وأردف:
“حينما شاهد المجتمع الأهلي أهمية المبادرة وأهدافها، حظيت بدعم كبير من التبرعات والمساعدات ليصل عدد الوجبات إلى مليون 75 ألف وجبة سنة 2017 ونسعى هذا العام إلى إيصال هذا المليون الثانية”.
ويرى المتطوع محمد أن الاستجابة الطارئة للزلزال يمكن المشاركة والاستمرار وقت الاستجابة الطارئة حتى طيلة شهر رمضان وما بعد شهر الصوم للوصول إلى عدد أكبر أناس متضررة بالجوامع والمدارس أو كل شخص ليس لديه مورد مالي يمكن من الحصول على لقمة طعام.
وكانت مدينة حلب قد تعرضت لزلزال مدمر جعلها في التصنيف الأول ضن عدة مدن منها اللاذقية وحماة وإدلب وطرطوس والتي أسفرت عن سقوط مئات البيوت، وهدد الزلزال الذي فاق شدته سبع درجات ولمدة أكثر من دقيقة الآلاف من البيوت بأن جعلها آيلة للسقوط، وأحال سكان المنازل للجوء إلى مراكز أكثر أماناً منذ الأيام الأولى للكارثة.
إضافة تعليق جديد