عناصر المعرفة الإسلامية وتحدياتها
سامح عسكر:
لست من الذين ينادون بمعرفة على أساس ديني وعرقي؛ فهذه إحدى طرق الاعتزال عن المجتمع ومخاصمة العلوم، والانزواء بعيدًا عن العالم، لكن الواقع يشهد بأن المعارف البشرية في جزء منها كبير يخص انتماءات البشر الدينية، وبالطبع فالمسلمون يملكون معرفة خاصة وعقلاً خاصًا بهم، تشكل عبر قرون من الصراعات والتجارب والصدمات والخبرات، شكّلت في وعي المسلمين نوعًا من المعرفة لا يمكن تجاوزه؛ بل البحث فيه لإدراك ماهية المسلمين في العصر الحديث وما يترتب على ذلك من مشاريع إصلاحية مختلفة.
أولاً: كل ما تشمله الحواس الخمس من (سمع وبصر وشم ولمس وتذوق)، وتلك هي مصادر المعرفة الأولى التي عن طريقها يفطن ذهن الإنسان لإدراكه الأول منذ الولادة؛ فما يراه الطفل من سلوكيات الوالدين والأسرة يمثل المعرفة الأولى التي ترسخ في الذهن ولا تغادره لفترة طويلة من الزمن.
ثانيًا: العواطف والمشاعر، وهي التي عن طريقها يعرف الإنسان بالذوق والتأمل والميول، وعن طريق هذا الصنف يصل أهل العرفان أنفسهم بالله والدين، وعن طريقها يتعبد الزاهدون والصوفيون في محاربهم؛ فهم قوم ينظرون للحياة بمنظار العاطفة والمشاعر التي على الأرجح تكون هي التعبير الصادق عن تجاربهم وقفزاتهم الشخصية في الحياة، ومن خلال هذا المنظار يرى أهل الحكمة والتفلسف كثيرًا من مشكلات العالم التي يرون الحل فيها لا يخرج من النظر في بواطن وجواهر الأمور، والنظر فيما دون المحسوس من شفرات وغوامض وتأويلات غابت عن الحس الظاهري في الصنف الأول.
ثالثًا: الأخبار الصادقة، وهي التي يتفق فيها الذهن مع الواقع والتجارب؛ فكل تجربة مادية وحسية تشكل وعيًا في الضمير وإدراكًا في العقل؛ هو صدقيتها والإيمان بها واليقين بمحتواها وما يترتب عليها من أحكام وقيم، لذا فهذا الصنف يمثل أحد أهم مناظير البشر في رؤية العالم، وحديثًا بعد تطور الصناعة والتكنولوجيا وما نتج عنه من تطور العلوم والتجارب، صار كثير من الناس لا يؤمنون سوى بشيء واحد؛ هو العلم، والذي يتمثل في أذهانهم بالخبر الصادق، وإذا تعارض ذلك الخبر مع أي اعتقاد ديني أو سياسي أو قومي أو عرقي يقدمون العلم فورًا، فتشرع طائفة منهم بتأويل معتقداتهم لتتناسب مع العلم، وطائفة أخرى تفصل بين الاثنين، وثالثة تقدم العلم وتنكر معتقداتها بالكلية.
رابعًا: العقل؛ وهو الأداة الكبرى والوسيلة العليا في اكتساب المعارف، وهو مرتبط بكل الصنوف الثلاثة السابقة؛ حيث يقوم بمنطقتها وتبسيطها وتقديمها على طبق جاهز يسمى (اليقين)، وعن طريقه يجري الحُكم على جبال وتلال من الأخبار الوهمية والمشكوك فيها لصالح الأخبار الصادقة والمؤكدة، ويحكم أيضًا على صدقية ما تلقته حواس البشر من معلومات عن طريق الشك فيها وفي أدواتها وما يرتبط بها من خيال، مثلما كان عليه الفيلسوف “رينيه ديكارت” حين طالب بأن يكون الإيمان متعلقًا بالعقل فقط وبعيدًا عن الخيال، الذي هو أحد منتجات الحس المادي في صنع المعارف.
المواطن
إضافة تعليق جديد