من البرتغال وإسبانيا إلى سورية.. ناقوس الخطر يدق
لا تزال تغيرات المناخ و الحرائق الكبيرة التي تنتشر في عدة دول تدق ناقوس الخطر في البلدان التي انتشرت فيها ، فيمكننا القول أنه من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا شمالاً إلى تونس والجزائر والمغرب جنوباً وسورية وقبرص شرقاً، ضربت سلسلة واسعة من الحرائق العديد من دول البحر الأبيض المتوسط، فيما تشتد موجة الحر الشديد التي يعاني منها نصف الكرة الشمالي، والتي ما كان لها أن تحدث لولا التغير المناخي جراء الأنشطة البشرية.
وإفادت للسلطات اليونانية فيوجد حوالي 600 حريق اندلعت في أرجاء البلاد منذ 13 تموز (يوليو) وخاصة في جزر رودس وكورفو وإيفيا، من جراء ارتفاع حاد في درجات الحرارة التي تجاوزت 40 درجة.
وفي الجزائر حصل 97 حريقاً في 16 ولاية جزائرية وخاصة في شمال شرقي البلاد وتوفي 34 شخصاً, وكانت بجاية إحدى أكثر المناطق تضرراً من الحرائق، التي انتشرت تحت تأثير الجفاف وموجة الحر وارتفاع درجات الحرارة في بعض الأماكن إلى 48 مئوية.
وفي تونس التي تشهد منذ 5 تموز موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 درجة في بعض المحافظات. واندلع خلال أيام 24 و25 و26 تموز 16 حريقا في 7 ولايات بشكل متزامن ،وفي إيطاليا لقي خمسة أشخاص مصرعهم جراء الحرائق في جنوب البلاد حيث وصلت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية بلغت 47,6 درجة مئوية. وفي إسبانيا التهمت الحرائق 4000 هكتار من غاباتها
وفي البرتغال, أجْلَتْ السلطات العديد من الأشخاص بعد انتشار الحرائق في غابات بضواحي العاصمة لشبونة.
وقالت المصادر المغربية إن المساحة الإجمالية المتضررة من الحرائق الأخيرة في مناطق عدة في شمال المغرب تجاوزت أكثر من 10 آلاف هكتار.
أما في سورية فالحرائق اندلعت وتوسعت في عدد من الغابات في شمال غرب سورية منذ منتصف يوليو (تموز) وآخرها ريف مشقيتا بريف اللاذقية تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة التي ناهزت 40 درجة مئوية، أو نشوبها على خلفيات تخريب، أو أياد خفية تسعى إلى تحويل هذه الأشجار الباسقة التي يعود عمرها إلى مئات السنين إلى حطب، في عملية شاع بين الناس وصفها بـ«التحطيب».
ونشبت الحرائق، أخيراً، في أعالي الأحراج الجبلية الممتدة ما بين قرى طاحونة الحلاوة وفقرو وأبو كليفون ونبع الطيب في ريف حماة الغربي .
وكان وزير الزراعة السوري المهندس محمد حسان قطنا قد أعلن أن رجال الإطفاء كافحوا لإخماد حرائق الغابات في حمص وحماة في منتصف الشهر الجاري، مضيفاً: الحرائق استمرت في اللاذقية لمدة خمسة أيام قبل أن يتمكن رجال الإنقاذ من السيطرة عليها. وكان قد ذكر في وقت سابق أنه أثناء تفقده ميدانياً لتلك المواقع إن “انطلاق النيران من قمة أحد الجبال يعني أنها اندلعت بفعل فاعل تزامناً مع تحقيقات لمعرفة المتسبب بها”.
ومن المفيد الإشارة الى اكتشاف موقع أثري جديد بقرية “فقرو” بالريف الغربي لمحافظة حماة بحي جورة الشيخ علي، بعد إخماد هذه الحرائق. وهو عبارة عن مدفن هرمي يعود إلى الفترة البيزنطية بين القرنين الثاني والرابع الميلادي، حيث تظهر على “الواجهات الخارجية نقوش وزخارف على شكل طواويس وثيران وصلبان، وبالقرب منه بعض الحفر القديمة. والمدفن شبيه بالمدافن الهرمية المتوضعة في ريف محافظة إدلب، التي يطلق عليها تسمية البارة وهي من المدن المنسية المسجلة على لائحة التراث العالمي”.
وفي السياق حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) من أن موجات الحرارة ستصبح أكثر حدة في السنوات المقبلة. لذلك دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ إجراءات جذرية فورية تتعلق بالتغير المناخي، مؤكداً أن درجات الحرارة المرتفعة بشكل كبير في تموز (يوليو) تؤشر إلى بدء “عصر الغليان العالمي”. وتشير الدراسات الى أن الأرض تمر بأحرّ شهر منذ 120 ألف عام وبأحر شهر منذ بداية تسجيل البيانات المناخية في العالم.
قالت سونيا سينيفيراتني، عالمة المناخ في المعهد الأوروبي للتكنولوجيا في زيوريخ: «في المتوسط، الموجات شديدة الحرارة على الأرض التي كانت ستحدث مرة كل 10 سنوات دون تأثير الإنسان على المناخ، أصبحت الآن أكثر تواتراً ثلاث مرات».
ولن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع إلا إذا توقف البشر عن إضافة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي. وحتى ذلك الحين، ستتفاقم موجات الحر. وسيؤدي الفشل في معالجة تغير المناخ إلى تصاعد درجات الحرارة الشديدة بشكل خطير.
وتقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن تغيُّر المناخ يجعل الموجات الحارة أكثر سخونة وأكثر تكراراً.
وإن موجة الحر التي تحدث مرة كل عشر سنوات في عصر ما قبل الصناعة ستحدث 4.1 مرة في العقد الواحد عند ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرة عند ارتفاعها درجتين مئويتين. هذا هو الحال بالنسبة لمعظم مناطق الأرض.
يبلغ متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية نحو 1.2 درجة مئوية أعلى مما كان عليه قبل الثورة الصناعية بسبب الأنشطة البشرية وانبعاث غازات الاحتباس الحراري. وستستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تقم دول العالم وخاصة الصناعية منها بإجراء تخفيضات حادة في انبعاثات الكربون، وهو ما جعل البعض يربط بين حرائق الغابات التي اندلعت خلال شهر تموز وبين الإحتباس الحراري. وهذا يؤدي بالفعل إلى موجات شديدة الحرارة.
هذا ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق بشكل أسرع، وأيضاً إلى طول أمد الحريق وزيادة شدته.ويؤدي الطقس الحار أيضاً إلى استنزاف الرطوبة من الغطاء النباتي، وتحويله إلى وقود جاف يساعد على انتشار الحرائق.
وحسب خبراء البيئة والمناخ فإن الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي للحرائق، لأنه يرفع درجة الحرارة في الكثير من المناطق ويجعلها أكثر جفافا وعرضة للاحتراق، كما يتسبب أيضا في ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء الذي تحتاجه النباتات لنموها. ولمعرفة ما إذا كانت التغيرات المناخية ستتسبب في مزيد من الحرائق خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة، قامت خبيرة المناخ كلوستر وفريق عملها بمحاكاة على الكمبيوتر وتوصلت إلى أن “نسبة الحرائق ستتضاعف بمستوى خمس مرات حتى عام 2040 مقارنة بالحرائق المسجلة حاليا”. لكنها ستتفاوت من منطقة إلى أخرى فستزداد مثلا” في الغابات الاستوائية، في حين يمكن أن تقل في مناطق البحر الأبيض المتوسط، بسبب قلة الغطاء النباتي فيه.
وخلص باحثون إلى أن “موجات الحرّ الأخيرة لم تعد أحداثا استثنائية” وتلك التي ستحدث “ستكون أكثر كثافة وأكثر شيوعًا إذا لم يتم الحدّ من الانبعاثات بسرعة”. واذا استمر ارتفاع الحرارة على هذا المنوال فإن احتمال فقدان البشر لكثير من الأرضي الصالحة للعيش يصبح كبيراً إن لم يحدث تحرك عاجل.
اننا ندق ناقوس الخطر فهل سيتم اتخاذ التشريعات والقوانين الصارمة التي تجبر دول العالم وخاصة تلك التي تساهم بشكل أكبر في انطلاق غازات الدفيئة كأمريكا والصين والدول الأوروبية على الخضوع لمطالب الطبيعة وحماية النظام البيئي، أم سنبقى متفرجين على مصيرنا الأسود.
صاحبة الجلالة
إضافة تعليق جديد