التعوّد ينتشر في العالم الافتراضي
إن التسمية العلمية لظاهرة تعاطي المخدرات هي «التعوّد» و «الاعتماد» و «التعاطي القهري» و «إساءة استعمال المواد المُكيّفة» وليس «الإدمان، كما يجري القول عادة، من دون الانتباه إلى ما يحمله المصطلح الأخير من وصمة ضد المُصاب الذي يحتاج إلى الكثير من التعاطف والتفهم والجهد العلمي والاجتماعي لعلاجه. ولا تبعد الذكرى العاشرة «اليوم العالمي لتعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها» (الذي انطلق في 26 حزيران / يونيو1987)، سوى أيام قليلة عن موعد حسم النقاش في شأن الظاهرة الأجد في هذا الحقل: تعوّد الألعاب الالكترونية والاعتماد عليها.
هكذا، تبدو ظاهرة تعاطي المواد المُغيّرة للحال الوجداني للانسان، والتي تضرب جذورها في التاريخ الانساني البعيد، وكأنها تلاقي تحوّل المجتمعات المعاصرة صوب الافتراضية وعوالمها، بفعل الترّسخ الهائل للكومبيوتر والانترنت في حياة الناس وعلاقاتهم وثقافاتهم وأساليب عيشهم ومكوّنات حياتهم اليومية كافة.
ربما يسهل على البعض القول ان انسان المجتمعات ما بعد الصناعية بات «كائناً افتراضياً» وبالتالي لربما صار منطقياً ان يُعاني ظواهر نفسية من النوع الافتراضي أيضاً! ألا يثير ذلك سؤالاً عن التطور التاريخي للتركيب النفسي والعقلي للبشر في ظل استمرار تلك الظاهرة وترسخها وتجدّدها، كلما تجددت أنماط عيش المجتمع الانساني وثقافاته، مثل ظهور إساءة تعاطي مواد مثل الكوكايين والهيرويين والاكستازي والـ «ال اس دي» والديكسيدرين، في المجتمعات الصناعية الحديثة، ثم ظهور التعوّد على الكومبيوتر والإنترنت في المجتمعات المعاصرة، وأخيراً بروز جدل علمي حاد عن ظاهرة تعوّد الألعاب الالكترونية؟ وسبق لطبيبين نفسانيين، هما البروفسور إيفان غولدبرغ والدكتورة كيمبرلي يونغ، أن وضعا الأُسس النظرية لظاهرة التعوّد على الانترنت العام 1995. وبعدها بثلاث سنوات افتتحت كيمبرلي المستشفى الأول لعلاج المتعلقين مرضياً بالإنترنت والكومبيوتر في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الوقت تتعالى أصوات اختصاصيي الطب النفسي لتُشدّد على ظواهر مثل التعوّد المرضي على الكومبيوتر، والتعلق القهري بالبريد الالكتروني وغيرها. ويُذكّر هؤلاء بأن الكوكايين لم يُصنّف مادة سيئة عند ظهوره، واقتضى الأمر سنوات لإثبات آثاره المُسيئة، وكذلك الحال بالنسبة الى الديكسيدرين الذي استعمل مادة مُنشطة قبل ان تظهر قدرته على الإصابة بأمراض ذهنية قوية. وتكرّر الأمر مع مادة «ال أس دي» التي ظهرت كدواء للأمراض النفسية، قبل أن تظهر معالم آثارها المُسيئة أيضاً.
وفي سياق متصل، يُذكر أن الانتاج العالمي للأفيون والهيرويين والكوكايين يرتفع باضطراد، مع ملاحظة تضخم حصة افغانستان (المصدر الرئيس لزهرة الأفيون) من هذا الانتاج، بفعل الحروب المتواصلة فيها.
مع الذكرى العاشرة لليوم العالمي لمناهضة تعاطي المخدرات والاتجار بها، والتي رفعت شعار «اعتزّ بنفسك: اختر خيارات صحية»، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رسالة وصف فيها تلك الظاهرة بأنها «مشكلة يمكن اتقاؤها ومعالجتها والسيطرة عليها». كما دعا الى «مساعدة زارعي المحاصيل غير المشروعة... وإنفاذ قوانين مصادرة المخدرات». ولاحظ أن الجانب الأصعب من تلك المشكلة يتمثل في استمرار الطلب، خصوصاً في البلدان الصناعية المتقدمة، مُشدداً على ان «خفض الطلب يؤدي الى خفض الحاجة الى العرض وبالتالي تقليص الدوافع للاتجار بالمخدرات، التي تتطلب مكافحتها جهداً جماعياً (من جانب) القادة السياسيين والمعالجين والآباء والمعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين ووسائل الإعلام والمسؤولين عن العدالة».
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد