ماذا يعني حل أمير الكويت للبرلمان وتعطيل مواد بالدستور؟
أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الجمعة، قرارا مفاجئا وتاريخيا بحل مجلس الأمة (البرلمان)، وتعطيل مواد في الدستور لفترة لا تزيد عن الأربع سنوات.
وتضمن الخطاب الأميري أربعة قرارات رئيسية، هي “حل مجلس الأمة، ووقف العمل بعدد من مواد الدستور، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة بمجلس الأمة، إضافة إلى إصدار القوانين بمراسيم قوانين (بدلا من طرحها على المجلس)”.
وجاء القرار التاريخي للشيخ مشعل، قبل أربعة أيام فقط على الموعد الذي كان مقررا لافتتاح مجلس الأمة الجديد، في الوقت الذي لم يسمّ رئيس الحكومة المكلف الشيخ أحمد العبدالله الصباح تشكيلته الوزارية بعد.
ما هي المواد المعطلة؟
عطّل المرسوم الأميري عدة مواد في دستور الكويت الذي أقر للمرة الأولى عام 1962، والمواد هي:
51:
السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور.
56/ فقرة 2و3:
– يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم.
– لا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.
71 فقرة 2:
يجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال 15 يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك.
للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى.
وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة، يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد.
المادة 174
للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو بإضافة أحكام جديدة إليه. فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلّا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من هذا الدستور.
وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح، فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. ولا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي 5 سنوات على العمل به.
المادة 181
لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور، إلا في أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه.
“تحطيم الدولة”
تحدث أمير البلاد بإسهاب وتفصيل لأول مرة عن تقييمه للمشهد السياسي المتأزم في البلاد، وكشف عن مبرراته لهذا القرار المفاجئ.
وعبّر الأمير عن رفضه القاطع بأن تستخدم الديمقراطية في “تحطيم الدولة”، قائلا؛ إن قراره جاء بعد تجاهل نصائحه وتوجيهاته التي تحدث بها منذ كان وليا للعهد قبل نحو عامين.
وجاء في خطاب الأمير: “مرت الكويت خلال الفترة الماضية بأوقات صعبة، كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة، مما خلق واقعا سلبيا وجب علينا كمؤتمنين على هذه الدولة وشعبها الوفي أن نقدم النصح تلو النصح والإرشاد تلو الإرشاد لنخرج من هذه الظروف بأقل الخسائر الممكنة، ولكن مع الأسف واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله، وسعى البعض جاهدا إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير، مما لا يترك لنا مجالا للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب؛ إنقاذا لهذا البلد، وتأمينا لمصالحه العليا، والمحافظة على مقدرات الشعب الوفي الذي يستحق كل تقدير واحترام”.
وتابع محذرا: “يجب أن يعلم الجميع أن لا أحد فوق القانون، فمن نال من المال العام دون وجه حق سوف ينال عقابه أيا كان موقعه أو صفته. لن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديموقراطية لتحطيم الدولة؛ لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع، أمانة في أعناقنا، علينا واجب صونها وحمايتها”.
توبيخ للنواب
وبّخ الشيخ مشعل الأحمد نواب مجلس الأمة بشدة، وحمّلهم الجزء الأكبر من مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد.
وتابع: “لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة، سلوكا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة؛ فهناك من هدد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته، وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر، متناسين جهلا أو عمدا، أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة، ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه”.
وأضاف: “بل وصل التمادي إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها، لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديموقراطية، التي ارتضيناها جميعا طريقا هاديا لتحقيق المصلحة العامة، فنجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير، ويتدخل في اختياره لولي عهده، متناسيا أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير”.
وتابع: “متى ما زكى الأمير أحدهم لولاية العهد، يأتي دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها، وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال”.
وأقر أمير البلاد بأن “الجو غير السليم الذي عاشته الكويت في السنوات السابقة، شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة، بل ووصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية مع الأسف، بل ونال حتى من مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم، ليبقى دائما مشعلا للنور وحاميا للحقوق وراعيا للحريات”.
وتابع مهاجما النواب وبعض الحكومات السابقة: “لا يفوتني أن أشير كذلك إلى تصرفات بعض الحكومات التي مررت مخالفات وتجاوزات جسيمة؛ نتيجة للضغط النيابي أو اجتهادات غير موفقة أو مدروسة، ما انعكس سلبا على المصلحة العامة، حتى وجدنا من أدين بالخيانة حرا طليقا نتيجة لهذه الممارسات غير المقبولة”.
وكان لافتا عودة الأمير في خطابه إلى مهاجمة نواب مجلس الأمة في عدة مواضع، إذ زاد في حديثه الناقد لهم: “غدت قاعة عبدالله السالم (مقر البرلمان) بدلا من أن تكون مكانا لممارسة ديمقراطية حقيقية سليمة، أصبحت مسرحا لكل ما هو غير مألوف، وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات”.
وتابع: “لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدى إلى الإفراط في استخدام حق الاستجواب في كل صغيرة وكبيرة، مما أهدر القيمة الحقيقية لهذا الحق بوصفه أداة راقية للمساءلة والمحاسبة، وليس وسيلة للابتزاز والتهديد أو طريقا للحصول على مكاسب أو منافع شخصية، فليس لهذه الأغراض أقر الدستور أداة الاستجواب، وإنما نص عليها لتكون وسيلة للإصلاح وتقويم الاعوجاج إن وجد”.
ماذا جرى مؤخرا؟
في الأيام الماضية التي سبقت الخطاب المفاجئ لأمير البلاد، وصل التوتر في المشهد السياسي الكويتي ذروته برفض أعضاء المجلس محاولات تأجيل جلسة الافتتاح، وتعذر رئيس الحكومة المكلف على اختيار تشكيلته الوزارية الجديدة.
وكان لافتا توعد مجموعة من النواب باستجواب وزراء متوقع تسميتهم في الحكومة الجديدة، وعلى رأسهم وزير الداخلية بالوكالة فهد اليوسف، وذلك فيما يتعلق بملف سحب الجنسيات.
كما توعد نواب باستجواب وزيري الاتصالات والمالية مع أولى جلسات البرلمان الجديد، وهو ما اعتُبر مؤشرا على الصدام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يعني “عدم التعاون” الذي يفضي عادة إلى حل الحكومة أو المجلس.
وعقد نواب قبل أيام اجتماعا شددوا خلاله على “ضرورة إبعاد رئيس الوزراء المكلف الشيخ أحمد العبدالله، أي عناصر وزارية غير مرغوب فيها من الشعب، محذّرين رئيس الوزراء من استخدام صلاحياتهم وأدواتهم الدستورية كافة، إذا لم يلتزم بالأصل الدستوري في الحكومة الجديدة”.
أزمة مبكرة
وبرزت ملامح الأزمة مطلع نيسان/ أبريل الماضي، بعد صدور مرسوم أميري بتأجيل انعقاد أولى جلسات مجلس الأمة إلى 14 أيار/ مايو الجاري، علما أن الموعد المقرر كان 17 نيسان/ أبريل الماضي.
وبحسب المرسوم الأميري، فإن تأجيل موعد انعقاد مجلس الأمة جاء استنادا على المادة 106 من الدستور، التي تنص على التالي: “للأمير أن يؤجل بمرسوم اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تتجاوز شهرا، ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد إلا بموافقة المجلس ولمرة واحدة، ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد”.
فيما سارع أعضاء مجلس الأمة إلى رفض المرسوم الأميري، معتبرين ذلك مخالفة دستورية لا يمكن تجاوزها. وقال عدد من أعضاء مجلس الأمة؛ إن المرسوم الأميري رغم اعتماده على المادة 106 من الدستور، إلا أنه يخالف نص المادة 87 من دستور الكويت.
وتنص المادة على التالي: “استثناء من أحكام المادتين السابقتين، يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة، اعتبر المجلس مدعوا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين، مع مراعاة حكم المادة السابقة”.
هل القرار سابقة تاريخية؟
القرار الذي أصدره الشيخ مشعل الأحمد، ليس الأول من نوعه في تاريخ الكويت، إذ تم اتخاذ قرارات مشابهة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
ففي عام 1976، أصدر أمير البلاد الأسبق الراحل الشيخ صباح السالم، قرارا بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور أيضا، وذلك نتيجة الخلاف الحاد بين الحكومة ومجلس الأمة، وتوقفت الحياة البرلمانية نحو 4 سنوات أيضا لغاية انتخابات عام 1981.
وفي العام 1986، أصدر الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح قرارا مماثلا بتعطيل بعض مواد الدستور بعد حل مجلس الأمة نتيجة الخلاف مع الحكومة، وحينها انقطع العمل النيابي ست سنوات كاملة، وعاد المجلس لأول مرة بعد الغزو عام 1992.
وتتقاطع بعض الأسباب التي دفعت الشيخ مشعل لحل المجلس وتعطيل مواد دستورية مع أسباب أميري البلاد الراحلين صباح السالم وجابر الأحمد، لا سيما فيما يتعلق بـ”كثرة الاستجوابات”.
إلا أن تعطيل مواد في الدستور، وحل البرلمان بعهد الشيخ جابر الأحمد، لم يمر على النواب وطيف من الشعب بسلام، إذ أعلن نواب التحدي وأنشؤوا ما يعرف بـ”دواوين الاثنين”، لعقد اجتماعات فيها، وخاض مناصروهم صداما مع الشرطة التي حاولت منع الاجتماعات.
وحينها، أسس الشيخ جابر ما يعرف بـ”المجلس الوطني الكويتي”، إلا أن النواب قاطعوه بحجة عدم دستوريته، ليتخذ الأمير قرارا بإعادة المجلس وذلك إبان الغزو العراقي.
وكالات
إضافة تعليق جديد