واشنطن تنضم إلى التهديدات ضد لبنان وقرار الحرب لم يتبلور
يحيى دبوق:
هل تعمد إسرائيل إلى شن حرب شاملة على لبنان؟ الإشارات الدالّة لا تؤكد ولا تنفي أياً من الإجابات، وإن كانت نبرة التهديدات في تل أبيب عالية جداً.
كلا الجانبين، وبقدر أكبر الجانب الإسرائيلي، معنيان في هذه الفترة برفع الصوت عالياً لمنع التصعيد من الارتقاء درجة عمّا هو عليه الآن. إلا أن ذلك لا يلغي أن المرحلة باتت حسّاسة جداً، وقد تنتقل - بقصد أو غير قصد - إلى ما لا يريده الطرفان.إرادة عدم التسبب بنشوب حرب ترتبط بالمرحلة الآنية. لكن، ما الذي سيحدث لاحقاً؟ تبقى الأمور في دائرة التقديرات، ولكل من المتابعين ترجيح ما يراه، علماً أنه من غير المرجّح أن يكون قرار الحرب - كما قرار التوجه إلى اللاحرب - قد اتُّخذ منذ الآن في تل أبيب، خصوصاً أن أياً من مقدّماته الميدانية والسياسية لم تتبلور بعد.
ينبغي التفريق بين التهديدات التي تمهّد الميدان سياسياً وعسكرياً ورأياً عاماً محلياً ودولياً قبل بدء الحرب، وتلك التي تخدم مصالح من يهدد بالحرب، وإن كان غير معنيّ بنشوبها، مراهناً على تحقيق مكاسب من الحرب من دون خوضها ودفع أثمانها. التهديد شيء، والحرب شيء آخر، وليس ضرورياً أن تكون للحرب مقدّمات تهديدية، مثلما لا يعني إطلاق التهديدات أنها مقدّمة للحروب. وتاريخ الصراع بين إسرائيل والمقاومة، تحديداً في لبنان، يؤكّد ذلك.
يحدث أن تهديدات إسرائيل، هذه المرة، مغايرة لما سبق. فبعد «طوفان الأقصى»، لم يعد بالإمكان تفسير التهديدات على النحو المشار إليه، إذ إن معايير إسرائيل ونياتها العدائية أعلى وأوسع وأكثر جدية عما كانت عليه. لكنه لا يعني أن العدو تحوّل إلى «وحش كاسر» لا يأبه بأثمان أفعاله. فهو لن يخشى الإقدام على الحرب إذا كان يقوى على احتواء ثمنها وأذيّتها، لكنه لن يصل إلى حد يسمح لأفعاله العدائية أن تجلب له أذى معتدّاً به. حتى الآن، المعادلة الحاكمة: كلما كانت الجدوى أعلى، يمكن تحمّل الثمن والأذى.
في الحالة اللبنانية، قد لا تصل معادلة الأذى إلى التساوي في حال نشبت حرب شاملة بين المقاومة والعدو. لكنّ الأمور تختلف على طاولة القرار في حال كان الثمن عالياً ومستوى الأذى غير مسبوق، حتى ولو كانت إسرائيل قادرة على إلحاق أذى مقابل بلبنان أكبر بأشواط.
في مرحلة من مراحل معادلة الكلفة والجدوى، قد تصل كلفة الحرب على إسرائيل إلى حد لا تبرّره أي جدوى من الحرب، وهذا بحدّ ذاته كافٍ لكبح قرار الحرب مهما كانت جدواها.
اللاقرار بشنّ حرب هو التقدير المُرجّح، إلا أن إسرائيل قد تقع فريسة أخطائها
هل يعني هذا أن اللاحرب هي الأكثر ترجيحاً؟ الجواب هو: نعم... «ولكن». وما يدفع إلى التشديد على «ولكن»، إمكان أن تقع أخطاء تتعلق بتقدير طرف لنيات وردود فعل الطرف الآخر. وفي الحالة الإسرائيلية، على تل أبيب أن تسأل نفسها: ما هي الحدود التي إذا تخطّتها في اعتداءاتها، ستفرض على حزب الله أن لا يكتفي بالرد المتناسب معها؟
الى الآن، اللاقرار بشن حرب هو التقدير المُرجّح. إلا أن إسرائيل قد تقع فريسة أخطائها، خصوصاً أن ما تريده في الساحة اللبنانية أعلى وأشمل بكثير مما هي قادرة على تحقيقه، سواء عبر التهديدات أو المواجهات أو التسويات. تعاني إسرائيل الحالية تخبّطاً وشللاً استراتيجياً حاداً. واستخدام الجيش الإسرائيلي النار عن بعد لا يردع حزب الله، وبالتأكيد لا يخلق واقعاً أمنياً جديداً يسمح للمستوطنات وسكانها بالعودة إلى ما كانوا عليه. فلا أهداف محدّدة، ولا وسائل لتحقيق هكذا أهداف حتى وإن تقرّرت، ولا قرار بنقل ثقل الجيش إلى الحدود مع لبنان لإضفاء صدقية ميدانية على التهديد، كما لا توجد مبادرة تمهّد أو يمكن الرهان عليها إسرائيلياً لتحقيق المصالح وفرض الإرادات في لبنان، عبر الخيارات العسكرية.
التطور الأخير في سياق تهديد لبنان كان أميركياً، إذ أخطأت واشنطن في التعبير العلني (وإن كانت مضطرّة إليه) بأنها لا تريد أي تصعيد شامل بين المقاومة في لبنان وإسرائيل. وطوال الأسابيع القليلة الماضية، ركّزت المقاربة الأميركية على كل ما من شأنه، وفقاً للتقديرات، أن يمنع التصعيد، ويحول دون الحرب الشاملة.
هذه المقاربة أضرّت بموقف إسرائيل ورهانها على أن تدفع التهديدات حزب الله إلى التراجع عن موقفه، والاستسلام لفرض إرادتها على الساحة اللبنانية وفقاً لشروطها ومصالحها. هذا الإضرار اضطر واشنطن، في المقابل، إلى رفع صوت مغاير وموازٍ لطلب التهدئة، عبّرت عنه تسريبات مصادر أميركية رفيعة للإعلام الأميركي (مجلة «بوليتيكو») بأن «المسؤولين الأميركيين الذين يحاولون منع حرب أكبر في الشرق الأوسط، يصدرون تحذيراً غير عادي إلى حزب الله، بأن لا تفترض أن واشنطن تستطيع منع إسرائيل من مهاجمتك». إلا أن تهديداً كهذا، قد يصل إلى الأذن اللبنانية، صاحبة القرار، كما عبّرت عنه المجلة الأميركية نفسها، بالإشارة إلى أن «شخصية مطّلعة على المناقشات، قالت إن الرسالة الأميركية تهدف إلى دفع حزب الله للتراجع وتهدئة الواقع المتأزّم على طول الحدود، بين إسرائيل ولبنان».
إلى أن تنتهي الحرب والقتال المكثّف في قطاع غزة، وإلى أن تبدأ المفاوضات على الترتيب الأمني بين الجانبين، ستبقى وتيرة التهديدات ترتفع وتنخفض وفقاً للمتغيّر الميداني والارتقاء في التصعيد بين حين وآخر. أما الحرب، الصغيرة أو الكبيرة، ونشوبها وامتناعها والاندفاع إليها، فلم يصدر قرارها بعد، وإن كان مطروحاً على طاولة القرار المشترك، كما هي الحال عليه دائماً، بين إسرائيل وراعيتها الكبرى، الولايات المتحدة.
الأخبار
إضافة تعليق جديد