لماذا لا تدعم واشنطن انتخابات البلديات الإنفصالية شمال سوريا ؟
رغم أن البيان الأخير الصادر عن “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا بشأن “انتخابات البلديات” قدم شكلاً جديداً على مستوى التنظيم والتحضيرات، إلا أنه قوبل مرة أخرى بمعارضة واضحة من الولايات المتحدة. فما الذي يدفع “الإدارة” الكردية للإصرار على إجراء هذه الانتخابات رغم المعارضة الأمريكية والموقف التركي الذي يلوح باستخدام القوة العسكرية إذا تم تنفيذ هذه الخطوة؟
الإدارة الذاتية كانت قد أجلت الانتخابات ثلاث مرات، في مايو ويونيو وأغسطس الماضيين، بعد ضغوط دولية. وجاء تأجيلها بعد بيان من الخارجية الأمريكية أكد أن “شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال وشرق سوريا غير متوفرة حالياً.” ومع ذلك، واصلت “الإدارة الذاتية” التحضيرات للانتخابات، ما أثار مزيداً من التحذيرات من الولايات المتحدة، التي شددت على أن أي انتخابات يجب أن تكون حرة وشفافة وشاملة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وتسيطر “الإدارة الذاتية” على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، وتعد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ذراعها العسكري. وقبل الإعلان عن انتخابات البلديات، كانت الإدارة قد أقرت قانون تقسيم المناطق الإدارية، وقسمت المناطق التي تديرها إلى سبع مقاطعات.
في 5 سبتمبر، أصدرت “الإدارة الذاتية” قراراً يسمح للهيئة العليا للانتخابات بالبدء في تنظيم “انتخابات البلديات” دون تحديد موعد ثابت، مما أعطى مرونة لكل مقاطعة لتحديد توقيت مناسب لإجراء الانتخابات، وهو ما أثار ردود فعل أمريكية متجددة.
رياض درار، القيادي السابق في “مجلس سوريا الديمقراطية”، أشار إلى أن هناك حالة من الغموض حول سبب المعارضة الأمريكية للانتخابات، حيث كانت الولايات المتحدة سابقاً تشجع على تنظيمها لضمان حوكمة سليمة في المنطقة. لكنه أضاف أن الموقف الأمريكي تغير فجأة، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات.
في ظل هذه المعطيات، تُراجع “الإدارة الذاتية” توجيهات واشنطن وتهديدات أنقرة. فالإدارة تسعى لتجنب مواجهة مع تركيا أو الولايات المتحدة. وتزامنت هذه التحركات مع تصاعد التهديدات التركية تجاه “قسد”، خاصة بعد الإعلان عن نية تنظيم الانتخابات.
في هذا السياق، يبدو أن “الإدارة الذاتية” تحاول تكييف خطتها الانتخابية من خلال منح كل بلدية أو منطقة حرية اختيار التوقيت المناسب لتنظيم الانتخابات بشكل فردي. هذا التغيير، بحسب درار، جاء نتيجة اقتراح من اللجنة المشرفة على الانتخابات بهدف تجنب إثارة ردود فعل سلبية من الحلفاء.
الباحث سامر الأحمد يرى أن “الإدارة الذاتية” تسعى من خلال هذه الانتخابات إلى كسب الشرعية وتجنب استحقاقات محلية لم تُحل، مثل الحوار الكردي-الكردي ومشاكل دير الزور. كما أشار إلى أن “الإدارة” تحاول إظهار نفسها بأنها لا تتعرض لضغوط دولية، وذلك رغم التحديات المستمرة.
من جهة أخرى، الباحث الكردي إبراهيم كابان يرى أن تمسك “الإدارة الذاتية” بالانتخابات يأتي في إطار محاولة تعزيز شرعيتها الدولية والإدارية، لكن الولايات المتحدة لا تبدو في موقف يسمح بدعم مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الولايات المتحدة أن الحل السياسي في سوريا يجب أن يتم وفق القرار الأممي 2254، يشير الباحث راين بوهل إلى أن “الإدارة الذاتية” تسعى من خلال الانتخابات إلى استعادة بعض الشرعية، خاصة بعد التوترات الأخيرة في دير الزور بين “قسد” والقبائل المحلية.
الأمريكيون يخشون أن تؤدي الانتخابات إلى تصعيد داخلي، خاصة وأن آخر ما ترغب فيه واشنطن هو اندلاع صراعات جديدة في شمال شرق سوريا. ولذا، فإن الولايات المتحدة تتخذ موقفاً حذراً حيال الانتخابات، مشيرة إلى أن التوقيت غير مناسب بالنظر إلى التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
من جهته، الباحث ألكسندر لانغلويس يرى أن الولايات المتحدة لا تعتبر الانتخابات وسيلة مناسبة لتعزيز مصالحها في سوريا، وأن تركيا تلعب دوراً حاسماً في هذه المعادلة. واشنطن تخشى أن أي خطوة قد تؤدي إلى تعزيز التعاون بين أنقرة ودمشق.وفيما يخص “الإدارة الذاتية”، يشير لانغلويس إلى أنها تسعى لزيادة شرعيتها وقوتها التفاوضية مع دمشق، رغم أن مسار الانفصال لا يبدو واقعياً حالياً.
وكالات
إضافة تعليق جديد