عقود النفط العراقية عودة إلى زمن الاستعمار
جاءت تصريحات وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني وإعلانه فشل وزارته في التوصل لاتفاق مع الشركات النفطية العملاقة الغربية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص لإصرار هذه الشركات على “الشراكة” وليس إبرام عقود “الخدمات” والخبرة، جاءت هذه التصريحات لتزيد المشهد الهزلي سواداً، وكأن المشكلة هي الخلاف على شكل العقود وطريقة طرحها، بينما ساهمت وسائل الإعلام الغربية ومعها بعض وسائل الإعلام العربية في توجيه الأنظار إلى هذه الفضيحة باعتبارها مسألة “شفافية” ونفوذ. هذا التوجيه والتوجه الخطأ دفن المشكلة الحقيقية، وبات العراق أشبه بالثرى الذي يسارع برهن بيته، رغم توفر السيولة النقدية فس حساباته البنكية، بل ليجد نفسه رغم هذا الثراء تحت ضغوط المحتل كي يرهن بتروله نظير الحصول على خدمات ووسائل تحديث تمكنه من استخراجه وزيادة إنتاجه، وبالتالي توفير احتياجات نفطية للغير في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط بشكل غير مسبوق.
وإذا ما تم تنفيذ هذا المخطط وأجبر العراق على دخول شراكة مع شركات البترول العملاقة فإن الأمر سيكون إيذاناً بإعادة العراق والمنطقة رسمياً إلى عصور الاستعمار الغربي دون مبالغة.
فالعراق أول الدول التي أممت النفط لمصلحة مواطنيها وتمتلك حالياً فائضاً بلغ 40 مليار دولار ناهيك عن 40 ملياراً أخرى مجمدة في البنك المركزي الأمريكي. وحسب آخر تقارير فإن العراق لم يقم أو لا يعرف كيف يصرف هذه الأموال يمكنه اليوم أن يستخدمها في انشاء وتحديث مصاف وخطوط نقل وأنابيب فبغداد بهذه الأموال تستطيع أن تسدد تكاليف تحديث صناعتها النفطية، لا أن تضطر كالدول الفقيرة إلى اقتسام إنتاجها مع الشريك الأمريكي أو الغربي، ويمكنها أن تفعل ذلك على الملأ وعلى مسمع من العالم، حتى لا تتحول إلى نموذج معروف مثل تشاد مثلاً التي لا تتحصل إلا على 12،5% من أرباح نفطها وهو بالمناسبة اتفاق تم بمعرفة الأمم المتحدة ووصفه مسؤولوها بأنه اتفاق جيد وعادل.
وحتى بغرض أن العراق يعاني حالياً من مشكلة مالية وهو ما ليس موجوداً بالأساس، فإن المجتمع الدولي الذي يعاني حالياً من أسعار النفط، وتجتمع رموزه من وقت لآخر بأمر من واشنطن لمناقشة كيفية دعم العراق يستطيع أن يسهم بالميزانية المطلوبة لتطوير وتحديث صناعة النفط العراقية من دون فوائد، إذا كان حقاً مهموماً بمستقبل العراق.
على أية حال فلا يستطيع أحد الآن الرهان حتى على هذه الفرضية، فالولايات المتحدة عند غزوها العراق كانت ومعها شركاؤها في الغرف المغلقة يعلمون الغرض الحقيقي للغزو، فاحتياطي العراق النفطي المكتشف رسمياً والمكتشف أمريكياً عبر الأقمار الاصطناعية منذ ما يقرب من العقد يستحق لدى هؤلاء استعمار بلد بأكمله، ويكفينا أن نعرف أنه وفور الغزو الأمريكي للعراق سارعت الحكومة الأمريكية بتحصين أموال العراق المجمدة لديها (40 مليار دولار) وأغلقت باب نهب التعويضات الذي دأب كثيرون لا سيما “إسرائيليين” تعرضوا لما زعموا بأنها خسائر ينبغي تعويضهم عنها، حين أطلقت حكومة صدام حسين خلال حرب الكويت بضعة صواريخ سكود باتجاه “إسرائيل”. والآن وبعد سنوات من الغزو وجدنا واشنطن تهدد العراقيين برفع الحصانة عن هذه الأموال وتعريضها مجدداً للنهب إذا لم يوقع العراقيون على الاتفاقية الأمنية الأمريكية المعروضة عليهم والتي هي أصلاً بمثابة اتفاقية تكريس لاستعمارهم عليهم أن يبصموا عليها.
انه من المغالطة أن يستمر استخدام وصف احتلال للوضع الحالي في العراق، حيث ان الوصف الدقيق هو أن نطلق عليه استعمار، وما يجري حالياً على الساحة العراقية في ما يتعلق بثروة العراق النفطية ما هو إلا مشهد حزين وأسود، وعودة جديدة للمرابي الغربي ليتحكم وبموافقة إجبارية من ضحيته، للأسف، في مقدرات العراق ثروة وبشراً وليستعد ليمد قبضته على ما حولها.
حنان البدري
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد