قمة الدوحة تختتم بسرعة على مصالحات شخصية وتراجعات سياسية
اجتازت القمة العربية الحادية والعشرون في الدوحة امس، امتحان المصالحة بنجاح يخلو من اي بعد سياسي، بعدما افتقرت ساعات اليوم الواحد الى «الحرارة»، برغم التوجه العام لدى القادة في إظهار «الوئام» والسعي لإخفاء مظاهر التوتر، التي كادت تنفجر بعد مداخلة للرئيس الليبي معمر القذافي، تبعها لقاء مصالحة مع الملك السعودي عبد الله للمرة الاولى منذ اشتباك العام 2003 بينهما في شرم الشيخ. وكانت هذه المصالحة وغيرها من اللقاءات الجانبية المشابهة في اروقة القمة، اشبه بتصفية لخلافات شخصية بين الزعماء العرب اكثر منها تسوية لخلافات سياسية جوهرية كانت ولا تزال ماثلة امام الجميع، وجرت ترجمتها في اعلان الدوحة الذي يبدو انه صيغ واعلن على عجل من دون الاخذ في الاعتبار تحفظات لبنانية وعراقية سابقة، كما في القرارات الختامية التي عبرت عن الحد الادنى من الاجماع العربي الذي يتفادى احراج اي كان، والذي يتجنب اتخاذ مواقف جوهرية من اي من القضايا العربية ولا سيما قضية فلسطين التي جرى التعامل معها بمفردات ترجع الى مرحلة ما قبل الحرب الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة، وقضية العراق التي جرى التعاطي معها بناء على معطيات ما قبل القرار الاميركي الاخير الخاص بالانسحاب التدريجي الذي لا ينهي الاحتلال. وكان من حسن حظ لبنان انه خرج من جدول اعمال قمة الدوحة، ومن بنود الخلافات العربية او الاقليمية، وعاد الى واقعه المحلي الذي لا يعني الزعماء العرب الا بالقدر الذي حدده الرئيس ميشال سليمان عندما وعد في كلمته امام القمة بالعمل على اجراء انتخابات هادئة في الصيف
المقبل.. وهو افسح المجال للسودان كي يحتل مكانه على لائحة الاولويات العربية، سواء من خلال التضامن مع رئيسه عمر البشير ورفض مذكرة التوقيف الدولية بحقه، او من خلال السعي الى دفع عملية السلام الداخلي في دارفور. وعلى الرغم من ان غياب الرئيس المصري حسني مبارك كان بمثابة تعبير عن موقف شخصي من قطر ، فان نجاح القمة اوحى بان القادة العرب منحوا القيادة القطرية تفويضا لمدة عام كامل لاداء دور مؤثر في السياسة العربية، سواء في شقها الداخلي او في العلاقات العربية مع العالم الخارجي بدءا من ايران وتركيا وصولا الى اميركا.. وربما ايضا الى اسرائيل، اذا احتاج الامر تحذير الحكومة الاسرائيلية الجديدة من مغبة عدم التجاوب مع المبادرة العربية التي ظلت على طرف الطاولة.
ومن كلمات الجلسة الافتتاحية المطولة، الى أجواء الاجتماع الختامي، فالمؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بدا ان الزعماء العرب باشروا اتباع نهج «ادارة الخلافات» في ما بينهم، على قاعدة ان «التوافق لا يعني التطابق»، مترقبين حدثين رئيسيين، أولهما مستقبل العلاقات بين الدوحة والقاهرة، وثانيهما الوضع الإقليمي في ظل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية.
وقد شدد إعلان الدوحة التي تستضيف اليوم الثلاثاء القمة العربية اللاتينية، على «تسوية الخلافات العربية بالحوار، والعمل على تعزيز العلاقات العربية، والحفاظ على المصالح القومية العليا، والدعوة لتطوير العمل العربي المشترك». وأضاف «ندعو إلى مواصلة الجهود لتفعيل العمل العربي المشترك لمواكبة المستجدات التي قد تطرأ على المستويين الإقليمي والدولي». كما قال الأمين العام في مؤتمره الصحافي، ان موضوع «ادارة الخلافات» أصبح مرجعا عربيا أساسيا.
ونجت القمة من «إعصار» سعودي ليبي بعدما بدا ان القذافي يهاجم الملك عبد الله، وسط إحساس عام بان خلاف الزعيمين قد ينفجر بينهما على الطاولة القطرية. الا ان مداخلة القذافي تحولت في ما بعد الى لقاء مصالحة مع الملك السعودي بحضور أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وقال مسؤول سعودي انه يبدو ان ليبيا والسعودية «دفنتا» خلافاتهما في الدوحة، فيما أكد المبعوث الخاص للرئيس الليبي احمد قذاف الدم ان «صفحة الخلافات الناتجة عن سوء التفاهم طويت»، وان الزعيمين تبادلا دعوات الزيارة.
وفي سياق المصالحة السعودية الليبية، تقرر ان تتولى ليبيا استضافة القمة العربية المقبلة، بعدما اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في ختام القمة، ان بلاده لن تتمكن من تنظيم القمة لأسباب لوجيستية، فيما تحتفظ بغداد بحقها في تنظيم القمة في العام 2011، متحفظا على الفقرة المتعلقة بالعراق في «إعلان الدوحة» اعتبرها تعبر عن «عراق كان موجودا» في السابق ولا تظهر «التطورات الايجابية» التي شهدتها الساحة العراقية.
واقترح القذافي في كلمته حيال قبول استضافة القمة المقبلة، التي سبقها طلب الرئيس ميشال سليمان إضافة عبارة «مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة والجزء الشمالي من قرية الغجر» الى الفقرة التي تتعلق بالأراضي المحتلة في الجنوب من البيان الختامي، توسيع صلاحيات رئيس القمة، وترسيخ مبدأ المساءلة، وتناوب الدول العربية على منصب الأمين العام للجامعة، وإنشاء منصب منسق السياسة الخارجية العربية، مشيدا ب«الضباب الذي انقشع» في الدوحة.
وكانت القمة افتتحت بكلمة للرئيس بشار الاسد، رئيس القمة السابقة، دعا فيها إلى مأسسة العلاقات العربية وإدارة الخلافات في الرأي بين البلدان العربية وفق منهج يحترم المصالح العليا، موضحا أن التضامن العربي لا يعني التطابق في الرأي وإنما التكامل في الرؤية، مشجعا على الحوار بين القادة العرب بغية قبول الاختلاف من موقع كل دولة ووفقا لظروفها. وأشار الى ان الرغبة في السلام «هي الدافع لنا لدعم المقاومة»، داعيا العرب إلى جعلها «فوق خلافاتنا الظرفية كقضية نتوحد حولها.
وقد بدا وزير الخارجية وليد المعلم متفائلاً حيال الوضع العربي، قائلا ان «على رئاسة الدوحة للقمة العربية أن تستكمل ما بدأته رئاسة دمشق» من جهد نحو بلورة التضامن، مشيرا الى انه لا يرى في غياب مصر عن القمة «أي أثر على المصالحة». وكان ممثل القاهرة وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب، أعرب عن تفاؤله «بمستقبل العلاقات المصرية القطرية والعلاقات العربية العربية»، معتبرا ان «المهم ألا تكون هناك أي قوى تحاول من خارج الدول العربية زرع الخلافات».
وقد أكد الشيخ حمد بن جاسم في مؤتمره الصحافي انه «من المهم ان نفهم ان هناك قرارات متعددة.. ونحن نحترم مصر باعتبارها دولة عربية كبرى، وموضوع الخلاف معها سيحل على أسس سلمية». وأشار الى ان قطر «لا تنوي احتكار كل المصالحات حتى لا يغضب احد منا»، مضيفا ان قوله في وقت سابق «التوبة» لدعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وحركة حماس الى قمة قطر، كان «على سبيل الدعابة»، وسط سعي قطري للتقليل من أهمية غياب الرئيس المصري حسني مبارك عن القمة.
وفي الجلسة الختامية، التي قاطعها الرئيس اليمني علي عبد الله مع الجلسة المغلقة احتجاجا على عدم تمكنه من إلقاء كلمة تعرض رؤية بلاده حول «تفعيل العمل العربي»، تلا موسى «إعلان الدوحة» الذي أكد «رفض» الدول الأعضاء قرار المحكمة الجنائية، وشدد على «دعم السودان الشقيق في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه». كما أكد القادة العرب «رفض كل الإجراءات التي تهدد جهود السلام (في دارفور)».
وفي ما يتعلق بعملية السلام، أكد القادة العرب «ضرورة تحديد إطار زمني محدد لقيام اسرائيل بالوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام والتحرك بخطوات واضحة ومحددة نحو تنفيذ عملية السلام القائمة على المرجعيات المتوافق عليها دوليا لا سيما مبادرة السلام العربية». وشددوا على ضرورة التوصل الى «حل عادل وشامل» لن يتحقق من دون «التوصل الى حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ورفض كافة أشكال التوطين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية».
جنان جمعاوي، جورج علم وزياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد