هل تنتصف المرأة لحقوقها
أثناء بحثي ودراستي عن أحوال المرأة العربية تعثرت بالكلمات التالية: "لا يمكن النظر إلى هذه الطبقة على أنهن ضحايا لمنظومة ذكورية وقحة في استغلاليتها للأنوثة، لأنهن يشاركن، بوعي أو دون وعي، في الدفاع عن قداسة الأسس المعرفيّة لهذه المنظوم"
وعلى الرغم أني اعترف بجزء من صدق هذه العبارات إلا أنها واجبة النقاش ..
هل تقوم المرأة العربية، أو الشرقية على وجه التحديد، بالانتصاف لنفسها أم أنها فعلا تكرس هذه المفاهيم وتنتخي لحمايتها، وبما إنني امرأة من مجتمع أقرب للقروية، في مدينة لا تحمل من صور المدنية إلا أعداد السكان المكدسة فوق بعضها، وحتى لا نذهب إلى فلسفة الشوارع، فنغرق في مصائبها، سأحدد كلامي أكثر، فمن واقعي الآخر أو وجهي الثاني كربة منزل ضمن محيط اجتماعي معين أستطيع أن أبث آراء لابد من الاعتراف بها، وبدلا من الذهاب لتجارب الأخريات، علينا أن ننطلق من أنفسنا إذا كنا نعتبر كلماتنا مجدية أو على الأقل نريدها أن تكون.
في المنزل، بين الأهل والأقارب، وسط الجيران، هل تبقى المرأة المثقفة صاحبة قلم وحصانة في وجه المجتمع، سأكون جريئة لاعترف بازدواجية حياتنا الإجبارية، وسأعمد للدخول في عدة أمثلة، وسأحاكم نفسي أمامكم على الملأ..
من جهة، أنا أمارس على طفلتي ذات التسعة أعوام كل المفاهيم التي عارضتها في مراهقتي و وأراقب، وأسال، وأحجر على تفاصيل صغيرة، وأما السبب، فيعود لبؤس القيم، وخلل المجتمع النفسي على كل الصعد فأنا لا أثق في حماية الأزقة لأطفالنا، وهذا ما أكرره دائماً، وفي مكان من الأرض يمكن ان تغتصب فيه طفلة في الرابعة من العمر من قبل أربعة وحوش، يكون لي العذر في كل ما أفعل، وتتنحى المرأة المثقفة جانباً، هذا إذا افترضنا وجودها أصلاً، لتتدخل الأم المرتهنة للخوف في مدن تسهر على قنوات الأوربي، وتشحن بالفجور، لتخرج للساحات بكل الكبت المضغوط في نفوس محبطة..
ومن جهة أخرى، دعوني أسوق مثالا آخر من خلال العمل، أيا كان نوع العمل، وحتى لو كان في دائرة حكومية، هل تستطيع المرأة أن تنفرد بحديث مع زميل، أو نقاش عدة مرات، دون أن تلصق بها العيون المراقبة ألف تهمة، وإذا تدخلت المرأة في نقاش عن الجنس، ستجد كما من الصيادين يتربصون بكلماتها التي أرشدتهم إلى فريسة سهلة حسب اعتقادهم، و أما الصبايا الحاضرات أو اللواتي سمعن عن موضوع النقاش، فإنهن سيتكفلن بشحن الهمم ضد الفاعلة التي أصبحت مدانة أي أكثر من متهمة بالتهمة الأبشع، تهمة الجرأة، وهي بنظرهن وقاحة أو أكثر، حتى دون أن يعرفن مدى جدية الموضوع وعلمية طرحه اللبق المهذب المطلوب، فقط لأنه قفز فوق الممنوع الذي يرتكب منه الأفظع تحت السواتر ..
أما اخطر الخطايا المرتكبة، فهي الحديث عن عداء للطائفية بشكل جدي، لان الجميع مع الأسف يحفظون شعارات قديمة في المدارس القديمة عن الابتعاد عن الطائفية، لكن مع الأسف تظل تلك الانتماءات الأهم بالنسبة لهم زرعا في القلب يحرصون على تنميته وتعزيزه ..
ذات يوم كان لي أصدقاء، يوم كنا نراهن على الصداقة التي تنحت لصالح المصالح الفردية، كانوا أصدقاء من مختلف الطوائف، شاءت الظروف أن يكون بينهم عازب وعازبة، والفتاة من طائفتي، واعذروني لهذا التعبير، لكني مضطرة لاستخدامه حتى لا اتهم أني انحاز لأمر خارج منظومتي الدينية التي ولدت ضمنها واحترمها كما احترم كل معتقد، لكني التزم بالإنسان، لأن الإنسان أولاً ..
خلاصة القصة، ان بذور العاطفة بدأت تنشا بين الفتاة والشاب، وبصراحة انحزت كثيرا لهما لإيماني بنجاحهما معا كوني على صلة بهما، وكوني كنت الصديقة الوحيدة لهذا المشروع الإنساني.
طبعا لم ينجح الامر لأن الفتاة ستكون عرضة لمشاكل ربما تصل حد القتل دفاعا عن الشرف في هكذا زواج كل مصيبته انه ضمن مذهبين مختلفين، لكن الأكثر إيلاما اني بالصدفة دافعت عن الموضوع بحضور مجموعة من النساء المربيات، والمتعلمات، واللواتي ينتمين لبنية اجتماعية تميل لوصفها بالمثقفة، ووقع المحظور حين هب الجمع في وجهي، كأني أروج للدعارة، وحكموا مسبقا على الفتاة بالسقوط على كل الأصعدة، وأخشى ان الاتهامات طالتني على الرغم من أنهن لم يوجهنها لي في وجهي، ولولا اني متزوجة لكنت حوكمت بتهمة الشروع في هذا الزواج المرعب المصلوب في شوارعنا المنحازة لجماعات ليس فيها من فلسفة القطيع وتعاونه إلا التدافع والتزاحم والرعي الجائر ..
إلى من يهمه الأمر: قالت إحدى صديقاتي يوما في نقاش عام يضم مجموعة من النساء، المرأة عدوة المرأة و وهي أول من يتولى عمليات الطعن والتشهير وكيل التهم لامرأة أخرى فقط لأنها لا تشبهها أو تتمتع بمزايا مختلفة، وقتها اعتبرت الكلام مبالغا فيه، أو ردة فعل من امرأة لها ظرف اجتماعي قاسي نوعا ما، لكن بعد أن قرأت الكثير عن واقع نساء الشرق، ودخلت في جدالات بسيطة معهن على جلسات "المتة" أحياناً، بدأت ابحث فعلا عن حل وطريقة لدفع هذا الكائن القابل بمنزلته الأدنى، وانتقاص مواطنته، اسعى لإيجاد جملة ظروف تجعلنا نكسب إلى جانبنا المرأة قبل الرجل، لتنتصف هي بذاتها لواقعها، وتربي جيلا أكثر حضارة، جيلا لا يؤمن بأن عيب الرجل على الحذاء، وشرفه في جسد امرأته فقط ...
وإذا النساء نشان في أمية
رضع الرجال جهالة وخمولا
ميس نايف الكريدي
المصدر: مجلة ثرى
التعليقات
أنظمة وشعوب خائفة؟
إضافة تعليق جديد