إسرائيل تنشغل بالفرص الضائعة للسلام مع سوريا
على مدى يومين نشرت الصحافة الإسرائيلية تقارير عن الفرص التي أضاعها وزير الدفاع أيهود باراك ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للسلام مع سوريا في ولايته السابقة.
وتعتمد هذه التقارير على شهادة قدمها رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق أوري ساغي، الذي كان يعتبر أبرز الخبراء الإسرائيليين في هذا المجال، لمجلة معوقي الحرب الإسرائيليين «هلوحيم». ويشدد ساغي على أن إسرائيل تحقق في إخفاقاتها الاستراتيجية في الحروب، ولكن أحداً لا يحقق في الإخفاقات الاستراتيجية السياسية.
وينقل عكيفا ألدار عن ساغي قوله لمجلة «هلوحيم» إن «إسرائيل تجلد نفسها بعد إخفاقات عسكرية في الحروب، لكنها لا تفحص نفسها بعد إخفاقات سياسية استراتيجية. تناولت لجنتا تحقيق مهمتان حروب لبنان. فحصت إحداهما مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 والثانية المواجهة مع حزب الله عام 2006. ولم تحقق أي لجنة في إضاعة السلام مع سوريا (ولبنان) عام 2000 التي أفضت إلى انسحاب من طرف واحد والى تسليم المنطقة لحزب الله».
ويضيف ساغي، الذي أدار آنذاك التفاوض مع السوريين بتفويض من باراك، إن ذلك كان «فشلاً سياسياً استراتيجياً على أرفع مستوى لدولة إسرائيل». وهنا يشير ألدار إلى أن أحداً لم يطلب من نتنياهو أيضاً تقديم كشف حساب للجمهور عن إخفاق الاتصالات التي أجراها مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بوساطة صديقه رون لاودر.
ويشير عوفر شيلح في «معاريف» إلى أقوال ساغي في المجلة المذكورة عن أن مسألة إنزال الأقدام السورية في مياه طبريا ليست هي التي منعت التسوية، بل ضعف الزعماء. ويقول ساغي «ليس لطيفا من جانبي أن اقتبس (الرئيس السوري) بشار الأسد، ولكنه محق حين يقول إن 80 في المئة من المشاكل حلت». واضح لي أيضا أنه رغم التصريحات الإسرائيلية عن «عودة إلى مفاوضات من دون شروط»، فإن كل محادثات مستقبلية مع سوريا ينبغي أن تستأنف من النقطة ذاتها.
ويكشف ساغي النقاب عن واحدة من الحقائق التي يحاول زعماء إسرائيل في العقدين الأخيرين تشويهها أو إخفاءها: وهو يقول صراحة بأن خمسة رؤساء وزراء، من اسحق رابين إلى ايهود اولمرت بما في ذلك نتنياهو، قبلوا مبدأ أن الاتفاق يتضمن انسحابا كاملا في الجولان إلى حدود الرابع من حزيران1967.
وأشار شيلح إلى أن مصادر مقربة من الاتصالات إياها تؤكد أقوال ساغي، وتضيف بأنه توجد أيضاً طرق متفق عليها لحل الخلاف حول أين مر خط الحدود في 4 حزيران، والذي كان مؤشراً عليه في حينه بـ 41 حجراً حدوديا. وهكذا، بالمناسبة، يناقض ساغي تصريحات نتنياهو بعد أن فقد السلطة في الانتخابات في أيار العام 1999، وبموجبها لم يوافق مبعوثه رون لاودر على انسحاب إلى خطوط 4 حزيران. وبصفته ورث المفاوضات مع السوريين من رجال نتنياهو، كمبعوث لباراك، يفترض بساغي أن يعرف.
ويواصل ساغي القول انه وجدت حلول لمعظم المسائل في مواضيع الحدود، الأمن والمياه: في الموضوع الأخير سبق أن قيل إن تراجع مستوى بحيرة طبريا في السنوات الأخيرة خلق وضعاً مغايراً جوهرياً عن ذاك الذي جرى الحديث عنه قبل عقد من الزمان. الخط الذي تحدث عنه السوريون كان خط المياه في المستوى الأقصى لبحيرة طبريا – 208،9 أمتار تحت سطح البحر. التراجع في مستوى سطح المياه في السنوات الأخيرة أبعد الشاطئ في نقاط الخلاف مئات الأمتار غربا، إلى مكان متفق عليه بين الجميع بأنه في الأراضي الإسرائيلية.
ويبين شيلح أن ساغي لا يتطرق صراحة هنا إلى الفشل السياسي الاستراتيجي الأول في مستواه في إسرائيل بعد تسع سنوات من ذلك، في المحادثات التي أدارها ايهود اولمرت مع سوريا بوساطة تركية. في الحديث الأخير، حسب مصادر مطلعة، سأل الأسد اولمرت أسئلة ملموسة ترمي إلى تعزيز وتحريك اتفاقات عام 2000 من جديد، ولا سيما في مواضيع الحدود. جواب رئيس وزراء إسرائيل كان ينبغي أن يؤكد بانه بالفعل يقف خلف وعد أسلافه. يقول مصدر مطلع أن»اولمرت استنفد المداعبة التمهيدية مع السوريين». وقطع رئيس وزراء إسرائيل الحديث، وعاد إلى الدولة، وبعد أيام عديدة شرع في حملة «الرصاص المسكوب».
ويتطرق شيلح إلى أن الحروب التي لم تمنع كلفت إسرائيل أرواحاً أكثر بكثير من الحروب الفاشلة. جزء من 2500 قتيل في حرب يوم الغفران نبعوا من القصور الاستخباراتي والإخفاقات التكتيكية، التي انشغلوا وينشغلون فيها حتى اليوم، كل القتلى سقطوا بسبب تفويت تسوية مع مصر قبل سنتين من ذلك.
وكتب أن هذا أيضاً قد يكون الحال مع سوريا. منذ عقد من الزمن وضباط الجيش الإسرائيلي الكبار يحذرون من أنه إذا ما اندلعت مواجهة مع دمشق فإنها ستكلف حياة الكثيرين – وعندها سنعود إلى النقطة نفسها حقاً، التي يكشف ساغي الآن النقاب رسمياً عن أننا سبق وأن وقفنا فيها. ولكنهم لا يفعلون ذلك علناً بل في الغرف المغلقة. وباراك، الرجل الذي ارتعدت فرائصه في لحظة الحقيقة، هو أيضا يكرر الشعار ذاته ولكنه لا يفعل شيئاً لتحقيقه.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد