ضد حزب الله وسوريا: معارك الأباطيل ستوقعنا في التدويل
بين ما تطرحه بعض القوى السياسية من مخاوف حول سلاح حزب الله ومدى التزام الحزب اتفاق الطائف والانتظام ضمن مشروع الدولة وعدم إقامة دولة شيعية، وبين مخاوف حزب الله من توجهات بعض أطراف الاكثرية الحكومية من الاندماج في مشروع تصفية المقاومة كمقدمة للالتحاق تنفيذيا بالمشروع الاميركي الاسرائيلي المعد للمنطقة، تعود الاسئلة ملحة حول كيفية الخروج من مأزق غياب الثقة، وأي صيغة فضلى تعتمد لقيام نظام دولة حقيقية عادلة لكل بنيها تندمج فيها كل الاطراف والطوائف من دون مخاوف أو حسابات خاصة أو حتى أسئلة محيرة، بعضها مشروع وبعضها الآخر ملتبس أو مفتعل أو سطحي أو يؤدي الى تهييج الشارع.
ويأتي في هذا السياق السؤال الذي طرحه رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول ما اذا كان حزب الله يريد أن يبني في لبنان دولة شيعية بعد الانتصار الذي حققه باعتراف الجميع في العالم وفي الداخل إلا قلة قليلة على اسرائيل وأميركا في حربهما التدميرية على لبنان. وهذا السؤال الذي يستثير المسيحيين أو أكثريتهم أو بعضهم، يثير استغراب المسلمين في لبنان سنة وشيعة وبشكل أخص الشيعة، لأنهم طائفة لم تحمل مرة مشروعا خاصا بها خارج الدولة إلا اذا أراد البعض اعتبار مشروع مقاومة اسرائيل مشروعا خاصا بالشيعة فهذا يعود ربما الى رغبته بعدم مقاتلة اسرائيل لان الدولة تخلت عن هذا الواجب بحجة ان قوتها في ضعفها. ولعل مواقف الامام السيد موسى الصدر وبعده الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين ومن ثم كل أدبيات المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، والكلام الصريح الواضح من أئمة الشيعة والسنة وقياداتهم في القمم الروحية الاسلامية المسيحية كانت تؤكد ان لا مشروع خاصا للشيعة في لبنان ولا طبعا للمسلمين عموما، حتى ان مشروع المقاومة للاحتلال ليس مشروعا خاصا للشيعة بل هو واجب وطني على كل لبناني. فيما مشروع الشيعة والسنة هو رفض الكانتونات الطائفية والمذهبية ليس في لبنان فقط بل في العالم كله، والدليل موقف القيادات الروحية الاسلامية من المسألة العراقية.
وثمة من يعتقد أن هناك من يريد في لبنان التشويش على انتصار المقاومة، أو يريد التغطية على فشل اسرائيل وأميركا العسكري والسياسي من الحرب الاخيرة على لبنان، ويريد أن يخدمها بالسياسة عبر العودة الى طروحات محلية ضيقة من مثل السؤال الذي يطرحه أقطاب في الاكثرية: لمن يريد السيد نصر الله ان يهدي هذا الانتصار؟ مع ان نصر الله أجاب أكثر من مرة انه لكل لبنان ولكل طوائفه، وهو للدولة حتى وان كانت لا تريد أن تقاتل الاحتلال وتفضل الدبلوماسية الفاشلة على المقاومة الناجحة. ويقع في السياق ذاته سؤال شمعون، كما العودة الى نغمة مصير السلاح المقاوم ودور سوريا وايران، ومن هنا بدأت مسألة مراقبة الحدود البرية تأخذ مداها الداخلي حتى كادت تتحول مادة سجال في مجلس الوزراء لولا موقف وزير الدفاع الاستيعابي ورفض القوى السياسية الاخرى لمشروع الاستعانة بالقوات الدولية لمراقبة الحدود، لأنه يعني مراقبة سوريا وحصارها وبالتالي فتح مشكل جديد مع سوريا لا مبرر له، سوى العودة الى المشروع الاصل: وضع اليد الاميركية الدولية على كل شيء في لبنان حتى على حدوده وربما غدا على مياهه وترابه وشواطئه. بعد وضع اليد على أمنه وبعض سياسته الرسمية والخاصة والاقتصادية. استكمالا لسياسة وضع اليد الكاملة على المنطقة كلها تحت شعار يدغدغ البعض ويخدع البعض الآخر، وهو الحرية والديموقراطية وتحقيق السلام ومكافحة الارهاب!
ويبدو أن بعض أطراف الاكثرية يريد افتعال معارك دونكيشوتية ضد حزب الله وسوريا، بينما هي عاجزة عن الطلب من أميركا ممارسة الضغط على اسرائيل لتفك حصارها الاقتصادي الانساني على لبنان وتطبيق القرار الدولي 1701 الذي سعت اليه الاكثرية، ووقف الانتهاكات اليومية من خطف للمواطنين وقصف لأطراف القرى وانتهاك المجال الجوي والبحري، بما يوحي وكأن هذه الانتهاكات لا تعني أطرافا في الاكثرية بقدر ما تعنيها المعركة ضد المقاومة وسوريا من دون أي مبرر فعلي. وهذا الامر يعني في نظر المقاومة وجمهورها نقل المعركة من مواجهة اسرائيل الى مواجهة حزب الله وسوريا. بينما الاكثرية الحكومية متهمة من قبل الآخرين بالتقصير الكبير في مواجهة العدوان والرضوخ للاملاءات الاميركية، ونسيان شؤون النازحين.
وتحذر أوساط معارضة للاكثرية من مخاطر المضي في مشروع تدويل الامن في لبنان، الجاري تطبيقه والذي تشارك فيه اسرائيل، بحجة منع التهريب من سوريا براً، ومراقبة البحر والجو من قبل اسرائيل والقوات الدولية، بينما محاذير هذا الامر تتجاوز الحرص على الامن الوطني ليصبح هدف التدويل محاصرة طرف داخلي بذاته، ومحاصرة طرف عربي، هما من أهم أطراف الممانعة للمشروع الاميركي في المنطقة.
ماذا يعني هذا الامر في الداخل اللبناني الهش؟ بنظر جمهور المقاومة ومؤيديها وقوى اخرى ومنها التيار الوطني الحر واللقاء الوطني اللبناني والقوة الثالثة، هذا يعني مزيداً من الانقسام والتشرذم وخدمة مشروع التفتيت الجاري تطبيقه في المنطقة العربية، وهي قوى حية في المجتمع السياسي اللبناني لم تنقطع عن الدعوة الى استكمال مناقشة كل المسائل المثارة أسئلة حولها من كل الاطراف بالحوار سواء ضمن البرلمان أو ضمن هيئات وطنية تشكل في مثل الازمة الوطنية التي يمر بها لبنان.
غاضب المختار
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد