هل وصل التطبيع إلى ذقن رمسيس الثاني ؟
الجمل- محمد صفوح مرتضى : تمثال الملك الفرعوني رمسيس الثاني تم نقله يوم أمس الجمعة 25/8/2006م، من ميدان رمسيس التاريخي وسط القاهرة إلى مثواه الأخير في منطقة الأحوام، حيث سيشيد المتحف المصري الكبير الذي يبلغ طول بنائه (600)متراً وارتفاع واجهته (40)متراً وسيستغرق إنجازه نحو خمس سنوات.
الملك رمسيس الثاني حكم مصر نحو /67) عاماً كما حكم تمثاله الغرانيتي الرائع أهم ميدان في القاهرة مدة /52/ عاماً حيث حمل اسمه طوال هذه المدة دون أن ترد عنه أية شكوى أو تبرم. إلا أن هذا التمثال غادر ميدانه الذي أتاح لملايين المصريين وزوار مصر الذين يمرون أمامه أن يبقى ماثلاً أمام أعينهم وفي ذاكرتهم، غادر ميدانه إلى غير رجعة ليوأد في متحف مزمع إنجازه بعد خمس سنوات لا يكاد يراه إلا زوّاره المتحف تحديداً.
بلغ وزن التمثال (83) طناً وطوله أكثر من (11) متراً، وقد أعدت الدراسات اللازمة لنقله بكل دقة إلى أن قطع نهر النيل العظيم في رحلة استغرقت نحو (35) كيلومتراً وعلى مدى عشر ساعات حيث نقل التلفزيون المصري طوال هذه المدة هذا الحدث الضخم برعاية عيون ملايين المصريين إضافة لملايين المشاهدين في مختلف أنحاء العالم حيث أن محرك بحث (غوغل) أتاح للعالم فرصة متابعة رحلة الملك الفرعوني العظيم! من خلال برنامج (غوغل ايرث) على شبكة الانترنت.
وقد كان برفقة هذا التمثال في موكبه المهيب (1500) جندي من القوات المسلحة المصرية!.. وذكرت مراسلة صحيفة الحياة في القاهرة (أمينة خيري) أن قلوب المصريين كانت تدق بعنف مع كل عملية دوران للعربة التي تحمل التمثال، وأن ملايين المصريين سيفتقدون التمثال من ميدان رمسيس في القاهرة بعد عطلة نهاية الأسبوع وأنهم سيشعرون بشيء من الحسرة حين يشاهدون الميدان خالياً للمرة الأولى من الملك الذي سيخضع لأعمال ترميم وتجميل لإزالة ما تراكم عليه من غبار طوال نصف قرن.
تساؤل يفرض نفسه: هل انتقل تمثال رمسيس من نور الشمس إلى ظلمة المتحف، ومن الهواء الطلق إلى أسوار المتحف أم أنه سيوضع في ساحة المتحف معرضاً لعوامل التعرية من رياح ومطر ليكون تحت عناية ترميم وتجميل مستديمة؟.. تساؤل قد يكون مشروعاً لمن تستبد به هواجس تتعلق بحقيقة الدوافع الكامنة وراء هذا النقل الذي ترافق باقتراح تغيير اسم ميدان رمسيس واقترح تسميته باسم الرئيس المصري المبارك!.
ورغم نفي محافظ القاهرة أن يكون مطروحاً تغيير اسم الميدان إلا أنه عندما قال: (لا يوجد ما يمنع أن يبقى اسم الميدان رمسيس). أثار هواجس ترجح وجود نوايا غير معلنة بتغيير اسم الميدان، وإن غداً لناظره قريب.
أمين عام المجلس الأعلى للآثار (الدكتور زاهي حواس) قائد عملية النقل صرح عقب وصول التمثال إلى مثواه الأخير فقال: (أعتقد أنه لو كان في إمكان الملك رمسيس الثاني أن يتكلم من قبره لقام وشكرنا على نقله).
إن هذا الحدث الهام يسترعي الانتباه ويثير عديداً من التساؤلات المشروعة وغير المشروعة حول المسوغات والدوافع الحقيقية خاصة إذا تم تغيير اسم ميدان رمسيس لاسم آخر بذريعة ما ودعمت الذريعة بوضع تمثال أخر يجعل تغيير اسم الميدان تحصيل حاصل.
لسنا معنيين على الإطلاق بكل ما يعزز النزعة لتطغى على الانتماء القومي العربي لمصر العربية, ولكن تساؤلاً مشروعاً بامتياز يفرض نفسه بإلحاح ونرجو الله ألا يكون بمحله: هل تم نقل تمثال رمسيس الثاني كرمى لعيون بني صهيون الذين يعتقدون أنه هو الفرعون الذي عاصر نبي الله موسى وأخاه هارون؟! هل يمكن وضع هذا النقل للتمثال المرافق لنوايا تغيير اسم الميدان ضمن سياق عمليات (التطبيع الثقافي) التي تتم بخطوات وئيدة وثابتة في عالمنا العربي وفي العالم الإسلامي للأسف.. والتي نملك عليها شواهد هامة تجعل هواجسنا مشروعة بكل تأكيد وسنفرد لها دراسة خاصة في قادم الأيام.
تساؤل ثالث يفرض نفسه:
أين دعاة الفرعونية في مصر نظراء دعاة الفينيقية في لبنان ونظراء دعاة الصهيونية والحق التاريخي المزعوم والموهوم لليهود في فلسطين المحتلة؟ لماذا لا يطالبون بإعادة رمسيس بعد ترميمه إلى ساحته التي احتلها عشرات السنين كسراً لإرادة بني صهيون غير المعلنة ولتوجهاتهم السافرة التي لا تخفى على أحد، وبالتالي لا يوجد مبرر لتغيير اسم الميدان.
لقد سبق هذا ا لنقل للتمثال إنجاز بناء المتحف بخمس سنوات رغم أن ترميم التمثال كما صرح المختصون بالآثار يستغرق نحو سنة فقط، فهل هذا النقل هو حلقة ضمن سلسلة خطوات تبدأ بتغييب التمثال لعام كامل عن ساحته حتى يغيب عن أعين رواد الميدان ثم تتم الخطوة التالية بتغيير اسم الميدان لاسم آخر لا يثير حساسية بني صهيون فهم مرهفو الإحساس ومشاعرهم تحظى برعاية قصوى من شركائهم في كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وغيرها من اتفاقيات الإذعان المعلنة والمكبوتة وبما يخالف مواقف ومشاعر مواطني هذه الدول، التي أبرمت أنظمتها مثل هذه الاتفاقيات التي هي أولى بأن توأد في متاحف التاريخ بدلاً من تمثال فرعوني يثير غيظ وحنق وحساسية بني صهيون رغم أن عملية النقل بحد ذاتها ليست موضع اهتمام منا.
أين أصوات احتجاجات دعاة (الفرعونية الإحلالية) التي يراد لها أن تحل محل الانتماء القومي العربي الأصيل لمصر؟ أم أن المعول على النتائج دون الوسائل فطالما أن اتفاقية كامب ديفيد أكثر فاعلية من الدعوات الفرعونية لطمس الهوية القومية العربية والهوية الإسلامية والمسيحية القبطية لمصر، فهذه الاتفاقية أكثر فاعلية من الدعوات للعودة إلى الفرعونية في إجهاض المد القومي العربي وفرض منطق التجزئة في مواجهة العدو الصهيوني فهي حققت عملياً وبزمن قياسي إخراج مصر (أم الدنيا وقطب العروبة) من معادلة الصراع العربي الصهيوني وأضعفت الموقف القومي العربي عامة والموقف العربي الإقليمي لكل دولة من دول المواجهة مع العدو الصهيوني مقابل استعادة ظاهرية لسيناء الأرض منزوعة السيادة مصرياً حيث قايض السادات هذا المكسب الإقليمي المحدود بكل حقوق مصر على أرضها وكرامتها وسيادتها إضافة لحقوق العرب غير المصريين وفتت الصف العربي وأتاح للعدو الصهيوني أن يتفرد بالمفاوضات والمواجهات مع كل دولة عربية على حدة، وسن لبعض العرب سنة الاتفاقات المنفردة كسراً لوحدة الصف العربي والتي حققت كل شيء للعدو الصهيوني ولم تحقق للأردنيين والفلسطينيين إلا السراب، كما أرهقت سورية منفردة في مواجهة تداعيات هذه الاتفاقية والاتفاقيات التي تلتها من وادي عربة إلى أوسلو وأضعفت موقفها التفاوضي مما حملها وحدها أعباءً بالغة لتحافظ على ممانعتها وصمودها وحرية قرارها والتزامها التام بمبادئها عير القابلة للمساومة.
ختاماً: نقترح لتبديد هواجس سيئي النوايا من أمثالنا بتسمية ميدان رمسيس بميدان السيد حسن نصر الله أو ميدان الشيخ أحمد ياسين أو ميدان الدكتور فتحي الشقاقي أو باسم أحد المصريين الذين اغتالتهم يد جنود صهاينة على الحدود المصرية- الإسرائيلية وشيعوا بصمت، أو أي اسم لشخصية قومية وطنية مصرية لا يطرب بني صهيون لسماع اسمها.. وإن غداً لناظره قريب.
الجمل
إضافة تعليق جديد