الفساد يتحرك بذكاء في سوريا
يعتقد اسامة وعائلته التي كانت تنتظره خارج مبنى إدارة الهجرة والجوازات في ريف دمشق والتابعة لوزارة الداخلية السورية ريثما يستكمل مجموعة أوراق مطلوبة للسفر أن كل شيء مكلف ماليا اثناء الدخول إلى هذا المبنى القديم و الذي تفوح منه روائح كريهة صيف شتاء وسط ازدحام المراجعين الذين لا تسقط الشتائم من على السنتهم تجاه هذا الحال المقيت ومع عائلة اسامة المؤلفة من زوجته و ابنه وابنته وهما دون العشرة سنوات كان هناك ايضا طابور طويل من السوريين يتصببون عرقا بسبب شدة الحر والازدحام.
يقول اسامة لوكالة الانباء الالمانية(د.ب.أ) " لم افكر يوما باستخراج جواز سفر لعدة اسباب.. ليس لي أحد من أهلي خارج سوريا ثم إن دخلي المادي لا يسمح لي بالسفر وفوق ذلك أنا كنت اسمع عن مدى الترهل الاداري والفساد المالي لكن حجم الفساد وعدم المسؤولية اكبر من أن يطاق وحضوري لهذا المبنى اضطراري فبعد أن ربحت جائزة سفر إلى خارج سوريا من احدى شركتي الموبايل جئت إلى هنا لكي استكمل أوراقي انا وعائلتي" .
بطبيعة الحال فان وضع اسامة وعائلته ليس استثنائيا إنما هو حال مئات الآلاف ويقول الباحث والمستشار الاقتصادي السوري المعروف سمير سعيفان لوكالة الانباء الالمانية ان "حجم الفساد والترهل الاداري انما يجب معالجته بشدة وبضوابط قانونية كما يجب البحث المستمر في اسبابه لأنه على ما يبدو أن هذه الحالة العامة التي وصلنا لها هي النتيجة ويجب معالجة الاسباب التي توصلنا اليها"
ويضيف سعيفان "هناك تقارير تشير إلى أن حجم الفساد في الجمارك لوحدها يزيد عن 15 مليار ليرة سورية ( الدولار يساوي حوالي 47 ليرة ) فما بالنا في قطاعات اخرى مثل التهرب الضريبي أو سلك القضاء والشرطة وقطاع رخص البناء فضلا عن لجان المشتريات الحكومية ، هذه وغيرها يجب ان يتم الانتباه لها ويجب التحذير من الحالة التي وصلت إليها الاوضاع ...الخشية من الوصول إلى نقطة تستحيل معها المعالجة".
تقول تقارير رسمية تم نشرها مؤخرا في وسائل الاعلام المحلية أن وزارة المالية أعلنت أن عدد قرارات الحجز الاحتياطي التي أصدرتها الوزارة عام 2009 بلغ 207 قرار وذلك ضمانا لما يقدر بنحو 858ر2 مليار ليرة سورية أي بمتوسط شهري قدره 25ر17 قرار حجز وضمانا لنحو 166ر238 مليون ليرة (كمتوسط شهري).
و أضافت التقارير أنه ولغاية 5 آب/أغسطس العام الجاري بلغ عدد قرارات الحجز الاحتياطي في هذا العام نحو 163 قرارا وذلك ضمانا لنحو 1ر2 مليار ليرة سورية أي بمتوسط شهري تقريبا يبلغ نحو 28ر23 قرار حجز احتياطي ضمانا لنحو 300 مليون ليرة، وبهذا يصل حجم الفساد (المكتشف) في غضون 19 شهرا (حوالي سنة ونصف) إلى حوالي خمسة مليارات ليرة سورية وهذه البيانات تنشر لأول مرة على شكل وثائق .
ويقول عدد من المسؤولين في الحكومة السورية ان الفساد يتحرك بذكاء مستفيدا من ثغرات القوانين والأنظمة ومن حالة الروتين والبيروقراطية السائدة ومن عوامل اجتماعية واقتصادية تحيط ببعض العاملين والمتورطين به فضلا عن عدم انتماء أو إحساس بالمسؤولية تجاه مؤسسات الشأن العام .
ويستهجن الكثير من السوريين كلام نائب رئيس حكومتهم عبدالله الدردري بوصفهم إياه بالرجل غير الواقعي والذي توقع قبل مدة قصيرة " أن يصل الناتج المحلي السوري للفرد الواحد بحلول عام 2015 إلى ضعف مجموع ناتج الفرد الأردني واللبناني، وليقترب من الناتج الإسرائيلي ويكون بالتالي، الاقتصاد الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تكون حصة الفرد سنويا 3000 دولار من الناتج المحلي».
ومن المعروف ان انتاج المحاصيل الاستراتيجية في سوريا يتناقص مثل القمح والقطن فضلا عن تزايد الشح في المياه وسط زيادة سكانية تبلغ 45ر2 بالمئة سنويا حيث أكد رئيس الحكومة ناجي العطري مرارا أن البلاد أمام ثلاثة تحديات رئيسة هي الانفجار السكاني و تأمين مصادر الطاقة و تطوير البنى التحتية بشكل ضروري للغاية.
وتشير التقارير المتداولة إلى ان حجم الفساد وما يسمى الهدر المالي تتجاوز ككتلة نقدية الـ25 مليار ليرة سورية وسط مؤشرات على تزايدها باستمرار مع غياب المعالجة الواقعية.
يقول سعيفان ان شركات القطاع الخاص " هي المستفيد الاكبر من هذه الدورة الخطيرة والكبيرة على البلاد والناس والحل هو استراتيجية وطنية لمعالجة الفساد واسبابه " .
ولم يقتصر الفساد على القطاعين العام والخاص في سوريا وفق ما تشير المعطيات بحيث يلاحظ المارة في عدد من شوارع العاصمة السورية وجود مواد غذائية ممهورة من الامم المتحدة كمساعدات للاجئين العراقيين الكثير منها وجد طريقه إلى الأسواق لأسباب متعددة، حيث يتم بيعها بشكل مباشر للمعارف والأصدقاء أو من خلال تسليمها لسوريين يتولون مهمة تصريفها وفقا لنسب ربحية متفق عليها
بعض العراقيين يبيع المساعدات لأنه بحاجة الى النقود أو لرداءة نوعها لذلك يقول احد اللاجئين العراقيين ان قيمة المواد الغذائية التي تباع في الاسواق السورية "ليست مرتفعة لكن ثمنها يسد ثغرة ما في الجدار المتشقق اصلا ".
وتقول مصادر رسمية في مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة ، إنه وبعد إجراء مقابلة لمعرفة احتياجات عائلات اللاجئين، فإنهم يحصلون على المساعدات التي تستطيع المفوضية تقديمها، سواء الغذائية أو السيكولوجية ، إضافة للحماية ضد العنف الجنسي ، وغير ذلك من المساعدات القانونية ، مشيرة إلى أن أعداد اللاجئين التي تدعمهم المفوضية وصل إلى 200 ألف لاجئ عراقي في سوريا
ويتلقى رب كل أسرة مسجلة مبلغا ماليا مقداره 150 دولارا، إضافة إلى تقديم 15 دولار شهرياً، لكل فرد إن كان بحاجة من العائلة نفسها .
وتوزع المفوضية، في أيلول/سبتمبر مواد مدرسية تتضمن حقائب ودفاتر مدرسية، إضافة إلى قيامها مؤخراً ببناء مدرستين في منطقة جرمانا، للعراقيين والسوريين.
وبحسب إحصاءات حكومية سورية شاركت فيها منظمات الامم المتحدة فإن حوالي 3ر1 مليون متضرر من الجفاف، نزحوا من مناطقهم وشكلوا ضغطا كبيرا على المدن الكبيرة باحثين عن فرص عمل تؤمن لهم احتياجاتهم اليومية علما ان معظمهم اقام في ضواحي المخالفات بريف دمشق وحلب بشكل رئيسي بعد تعرض " خزان الغذاء السوري منطقة الجزيرة " إلى موجة جفاف في الاعوام الاخيرة ساهمت فيها سوء الادارة الحكومية وفق ما يجمع أهالي تلك المناطق التي اضطرت الحكومة والامم المتحدة لتوزيع مئات آلاف الحصص الغذائية للمتضررين فيها..
وعلى الرغم من أن الأرقام الرسمية تظهر بأن مستويات الفقر انخفضت، فإن هذا الانخفاض يحدث ببطء. ومقارنة بعامي 1996-1997 ، فإن مستوى الفقر انخفض من 6ر12 % الى 9ر9% في المناطق الحضرية، ومن 16% الى 1ر15% في المناطق الريفية عامي 2006-2007، وفقا لتقرير وطني مقدم إلى الأمم المتحدة حول التقدم المنجز في تحقيق أهداف الألفية في التنمية ويحصي التقرير ذاته عدد الفقراء في سوريا بحوالي 8 ملايين وهو رقم كبير مقارنة مع عدد السكان الذي يقترب من 24 مليونا حسب آخر الاحصاءات الرسمية .
وبرغم توقعات متفائلة بتحسن الاقتصاد، يرى محللون من داخل سوريا أن الثروة لا يعاد توزيعها بشكل عادل حتى أن نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري اعترف ذات مرة انه لا يوجد توزيع عادل للثروة الوطنية في البلاد وأن الفساد يحمي مصالح دائرة المتنفذين المسيطرين على الأعمال.
يذكر أن سوريا صنفت بالمرتبة 126 من أصل 180 دولة ، في عام 2009 ، وفقا لمؤشر الفساد من قبل منظمة الشفافية العالمية
جوني عبو
المصدر: د ب ا
إضافة تعليق جديد