التجاذبات السياسية والأمنية على خط الحدود العراقية-الإيرانية
الجمل: تلعب تطورات الأحداث والوقائع العابرة لخط الحدود العراقية-الإيرانية دوراً متعاظماً، ليس في عكس ما يدور بين البلدين وحسب، وإنما أيضاً في تشكيل وتحديد ما سوف يدور ويجري مستقبلا: فما الذي يدور حالياً على الحدود العراقية-الإيرانية؟ وما هي محددات طبيعة هذه الحدود وإسقاطاتها على سيناريوهات علاقات التعاون والصراع بين البلدين؟
* توصيف الحدود العراقية-الإيرانية: ماذا تقول المعلومات؟
على أساس اعتبارات المحددات العامة يمكن توصيف طبيعة الحدود العراقية-الإيرانية ضمن النقاط الأساسية الآتية:
• يمتد خط الحدود بشكل رأس شمال-جنوب يفضل بين غرب إيران وشرق العراق.
• يبلغ طول خط الحدود العراقية-الإيرانية 1458كم.
• الوضع الحالي لخط الحدود تم الاستقرار عليه وفقاً لاتفاقية الجزائر 1975 التي تم التوقيع عليها بين الحكومتين العراقية والإيرانية.
• ينتهي خط الحدود من الناحية الشمالية عند نقطة تقاطع الحدود التركية-العراقية-الإيرانية.
• ينتهي خط الحدود من الناحية الجنوبية عند نقطة مياه شط العرب المتصلة مع مياه الخليج.
يكتسب خط الحدود العراقية-الإيرانية حيوية كبيرة من خلال التفاعلات الميدانية الجارية على الأرض بواسطة تداخل وتفاعل المكونات السكانية-الاجتماعية المتمثلة بالآتي:
- الجزء الشمالي من الحدود: يقطن في هذا الجزء الأكراد، ويتواجدون بشكل مكثف على الجانبين العراقي والإيراني.
- الجزء الأوسط من الحدود: يقطن هذا الجزء الجانب العراقي عرب السنة العراقيون، وعلى الجانب الإيراني خليط من الشيعة الإيرانيين والقليل من الأكراد السنة أو الشيعة الإيرانيين.
- الجزء الجنوبي من الحدود: يقطن في هذا الجزء على الجانب العراقي الشيعة العراقيون، وعلى الجانب الإيراني المزيد من العرب الشيعة الإيرانيين إضافة إلى القليل من العرب السنة الإيرانيين وأيضاً الفارسيين الإيرانيين.
أدت هذه المكونات الاجتماعية الحدودية إلى التأثير سلباً أو إيجاباً في تطور العلاقات الإيرانية-العراقية، وأيضاً لجهة التأثير سلباً أو إيجاباً على طبيعة العلاقات بين كل واحدة من هذه المكونات والأخرى، وأيضاً بين هذه المكونات وطبيعة النظام السياسي الموجود سواء في بغداد أو طهران.
* ما الذي يدور حالياً على الحدود العراقية-الإيرانية؟
تقول المعلومات بأن خط الحدود العراقية-الإيرانية قد شهد العديد من تطورات الأحداث والوقائع، والتي تمثل آخرها في حدثين جريا خلال اليومين الماضيين وهما:
• الحدث الإيراني: قامت إحدى الوحدات التابعة للقوات الإيرانية بعبور خط الحدود العراقية-الإيرانية والتوغل داخل الأراضي العراقية والقيام بقتل 30 عنصراً مسلحاً وصفتهم المصادر الإيرانية بأنهم ينتمون إلى جماعة مسلحة قامت خلال الأيام الماضية بالاستهداف بالقنابل لأحد المواكب العسكرية الإيرانية، هذا، وتأكيداً لذلك تحدث الجنرال عبد الرسول محمد أبادي المسئول الرفيع المستوى بالقوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني قائلاً بأن الإرهابيين قد تم قتلهم في اشتباكات حدثت أول أمس السبت خارج الحدود الإيرانية ، وأضاف قائلاً بأن قواته ما تزال تقوم بمتابعة وملاحقة عنصرين إرهابيين نجحا في الإفلات من الاشتباكات وهربا.
أشارت بعض التحليلات إلى أن بغداد تتعامل بردود فعل منخفضة الشدة إزاء قيام القوات الإيرانية بنصب أسلحتها على الجانب الإيراني، ثم القيام بتنفيذ عمليات القصف ضد الجانب العراقي، وبالتحديد في مناطق شمال العراق ذات الأغلبية الكردية، والتي ظلت تشكل الملاذ الأمين الذي ظلت تنسحب إليه العناصر المسلحة الكردية الإيرانية بعد تنفيذ عملياتها داخل الأراضي الإيرانية.
• الحدث العراقي: على الجانب العراقي، تجري عمليات عسكرية تهدف إلى قيام القوات العراقية بتشديد عمليات الرقابة والرصد على تطورات الأحداث والوقائع الجارية على الجانب العراقي، وفي هذا الخصوص فقد أشارت التقارير إلى قيام العراق بالآتي:
- بناء المزيد من محطات ومناطق التمركز العسكري للقوات العراقية، وفي الحدود العراقية-الإيرانية الممتدة على طول محافظة واسط، ثم إنشاء العراقيين أربعة محطات للرقابة العسكرية على حدود واسط مع إيران والتي تمتد بطول 186 كم.
- بدأت القوات العراقية في تسيير المزيد من القوات الحدودية وتحديداً في المناطق الحدودية الفاصلة بين الأراضي الإيرانية وأراضي محافظة واسط العراقية.
هذا، وتقول التحليلات، بأن المناطق الحدودية العراقية-الإيرانية في مناطق شمال العراق تخضع بالكامل لسيطرة قوات البشمركة الكردية، أما مناطق جنوب العراق، فهي تخضع لمجرد رقابة شكلية، وذلك لأن الطابع العدواني غير موجود في هذه المنطقة على الجانبين الإيراني والعراقي.
تحدث العميد سامي وهاب قائد أحد المناطق العسكرية العراقية المشرفة على معبر زورباتيه الواقع على الحدود العراقية-الإيرانية قائلاً بأن هذه المعبر هو الأكبر في المنطقة الحدودية، وخلال الفترة الماضية ظلت السلطات العراقية غير قادرة على القيام بعمليات السيطرة اللازمة لضبط الحركة في هذا المعبر. وفي بقية المناطق الحدودية، وبالتالي، لا بد من إنفاذ المزيد من عمليات الرقابة والإشراف والسيطرة على كل الشريط الحدودي العراقي-الإيراني، وذلك لخطر الوقاية من ظاهرة قيام القوي بأكل الضعيف.
* سيناريو المخاطر على الحدود العراقية-الإيرانية: إلى أين؟
تقول التحليلات والمعلومات، بأن خط الحدود العراقية-الإيرانية سوف يظل لفترة طويلة قادمة واحداً من أبرز عناصر الخطر الذي يفرز المزيد من التهديدات على الطرفين العراقي والإيراني على السواء، وفي هذا الخصوص نشير إلى مصادر الخطر والتهديد الآتية:
• برغم الاتفاق على الحدود، فإن عملية ترسيم الحدود بما يتضمن إنزال الخرائط وإسقاطها عملياً على الأرض، لم يتم القيام بها حتى الآن، وتبعاً لذلك، مازالت تواجه العديد من الجيوب المنتشرة التي يظن كل طرف أنها تابعة لنطاق سيادته.
• علاقات التعاون الجارية حالياً بين بغداد وطهران هي علاقات دبلوماسية تقوم بالأساس على الروابط الشيعية العراقية-الإيرانية، وبالتالي، فإن الأطراف العراقية الأخرى، وتحديداً العرب السنة العراقيين والأكراد العراقيين، مازالوا أكثر ميلاً لعلاقات الصراع مع إيران.
• الوجود الأمريكي العسكري المكثف في العراق جعل الطرف الإيراني ينظر بعين الثقة والمصداقية إلى حلفائه الشيعة العراقيين المسيطرين على بغداد، وبعين الشكوك والريبة إزاء الأمريكيين الذين ظلوا أكثر اهتماماً بالتسويق لذرائع استهداف إيران.
• وجود الحركات الإيرانية المسلحة المعارضة في الأراضي العراقية، وتحديداً عناصر منظمة مجاهدي خلق وعناصر حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني، واستخدامهم للأراضي العراقية كملاذ وكمنصة انطلاق لتنفيذ العمليات العسكرية ضد إيران جعل طهران تسعى بالمقابل إلى استخدام عناصر الأمن والحرس الثوري والقوات المسلحة لجهة القيام بعمليات مكافحة التمرد والتعقب الساخن لخصومها المسلحين داخل الأراضي العراقية.
تقول المعلومات والتحليلات، بأن خصوم إيران العراقيين ما زالوا أكثر اهتماماً بضرورة حصول العراق على المزيد من الدعم العسكري-الأمني الأمريكي لجهة تحقيق التوازن العسكري-الأمني مع إيران، وفي هذا الخصوص تحدث شوكت الزيباري الضابط العراقي الرفيع المستوى قائلاً بأن القوات العراقية لن تكون قادرةً على الدفاع الكامل عن الحدود العراقية حتى عام 2010م، وتقول التحليلات، بأن حلفاء أمريكا العراقيين وخصوم إيران العراقيين يقومون على السواء بالترويج لمفهوم الخطر الإيراني الماثل، من أجل توفير المزيد من الذرائع التي تدفع باتجاه إفساح المجال أمام البيت ألبيت الأمريكي لجهة السعي من أجل إبقاء القوات الأمريكية في العراق.
هذا، وتقول بعض التقارير بأن واشنطن تسعى حالياً لجهة الدفع باتجاه إعادة تشكيل مذهبية الدبلوماسية العراقية في اتجاه تقليل معدلات المعاملات العراقية-الإيرانية إلى الحد الأدنى الأقل، وذلك على خلفية ضرورة أن تتعاون بغداد مع نظام العقوبات الدولية المتعدد الأطراف ضد إيران، وأيضاً لجهة تعميق وتوثيق الروابط السنية-الشيعية العراقية، وذلك بما يجعل السنة العراقيين لا ينظرون إلى شيعة العراق باعتبارهم "حصان طروادة الإيراني" داخل العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد