سينما الطفل على الهامش طفلنا في مهب أفكار وصورة «ديزني»
الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أنَّ السينما السورية تعيش حالة احتضار في ظلِّ غياب الأفلام السورية، إلا ما ندر. وفوق هذا، فالأفلام النادرة هذه تُعرض إما في المهرجانات العربية، أو في مهرجان دمشق السينمائي فقط، وإن كان الكلام عن احتضار السينما يعني بالضبط لدى الكثيرين أفلام الكبار، فالكلام الآن يخصُّ سينما الأطفال تحديداً، فهي الأخرى ولعدم إعطائها أيَّ اعتبار قد يستثنيها الكثيرون أثناء الحديث عن السينما السورية، أو ربما قد ينسوها حتى، فإن كان مهرجان دمشق السينمائي يذكِّرنا بأنه مازالت هناك أفلام سورية، فما مِن مهرجان يذكِّرنا بسينما الطفل، رغم أهميته والحاجة المُلحَّة إليه وإلى أفلام تخصُّ الأطفال، فكلُّ ما يخصُّ الطفل السوري مازال مرتبطاً ببعض البرامج التي تُعرض على القنوات السورية دون أن يكون لها أيُّ صدى يُذكر، في حين أنَّ عالم السينما بالنسبة إلى الطفل السوري بات مقتصراً على رؤيته للسينما الأمريكية، كـ«أفلام ديزني» وسواها مما تعرضه قنوات الأطفال، أو مما يتمكَّن من مشاهدته على أقراص الـ»dvd»، وهي أفلام في الغالب لا تتطابق محتوياتها ومضامينها مع حاجات الطفل السوري الفكرية والمعرفية.. من ناحية أخرى، تأخذ برامج الأطفال الغربية أيضاً حيِّزاً كبيراً من متابعة الطفل، وهي عبارة عن أفلام وبرامج من شأنها أن تعزِّز لدى الطفل ثقافة العنف، وفي أقل تقدير هي ثقافة نحن في غنى عنها، الأمر الذي يحرِّض على المطالبة بسينما للطفل نفتقدها عندنا بقوة.
كان هناك القليل من الاهتمام من قبل المؤسسة العامة للسينما؛ اهتمام مازال قاصراً ولم يأخذ مجراه الصحيح، على الرغم من مداهمة الوقت لنا؛ حيث قامت المؤسسة العامة للسينما عام 2005 بتأسيس دائرة الأطفال في مؤسسة السينما. هذه الدائرة لم تنتج حتى الآن سوى فيلمين كرتونيين، بعد أن أعلنت التحدِّي في صناعة سينما طفل مميَّزة، ورغم أنَّ أفلام الرسوم المتحركة يحتاج تنفيذها إلى وقت طويل قد يصل حدّ أربع سنوات، إلا أنَّ ذلك لا يعدُّ مبرِّراً كافياً لعدم الاهتمام بسينما الطفل بالشكل المناسب، فبعيداً عن أفلام الرسوم المتحركة تعدُّ الأفلام المباشرة التي تقدِّمها شخصيات واقعية، معدومة الوجود أيضاً..
مشكلة سينما الطفل مشكلة لا حلَّ لها على ما يبدو، طالما أنَّ القطاع العام والمؤسسة العامة وكلّ مَن هو معنيٌّ بالأمر لن يضع نصب عينيه أهمية سينما الطفل السوري، وفي حال طرح سؤال عن سبب عدم وجود فيلم سوري للأطفال، فهناك ألف مبرِّر وألف جواب جاهز وسهل، معظمها تدور بين عدم وجود دور عرض أو ميزانية كافية أو دعم من القطاع الخاص، وإجابات كثيرة أغلبها صحيحة، لتضيع الحكاية ويبقى الطفل السوري دون سينما خاصة به.
ومع هذا، كان لا بدَّ من سؤال ديانا فارس، رئيسة دائرة الأطفال في المؤسسة العامة للسينما، عن الحال التي وصلت إليها سينما الطفل وعن سبب التقصير في إنتاج أفلام للأطفال، خاصة مع اقتراب تظاهرة أفلام الأطفال التي لم يُحدَّد وقتها بعد. حيث أكَّدت فارس أنَّ هناك عدة عقبات؛ فمثلاً ما مِن نصٍّ ناضج وحقيقي يمكن أن يكون مناسباً ليتحوَّل إلى فيلم للأطفال، خاصة أنَّ معظم الكتاّب يتَّجهون نحو الكتابة للكبار (دراما أو سينما).. وتضيف فارس: «المؤسسة لا تتبنَّى إلا سويّة معيّنة ومدروسة من نصوص الأطفال».. وبخصوص عدم مشاركة أفلام الأطفال في مهرجان دمشق السينمائي، قالت فارس، إنَّ المهرجان غير قادر على استيعاب أفلام غير الأفلام المشاركة (أفلام الكبار).. أما بخصوص وجود نشاطات سينمائية خاصة بالأطفال، فتقول فارس: «أيُّ تظاهرة للأطفال يجب أن تتمَّ في الوقت المناسب، ويجب ألا يكون اختيار الوقت خطأ فتضيع الجهود والهدف من التظاهرة».. وحول سؤالنا عن عدم إنتاج المؤسسة بعد إنشاء دائرة سينما الأطفال أكثر من فيلمين كرتونيين هما «خيط الحياة» و»طوق الياسمين»، أكَّدت فارس أنَّ السينما دخلت في تحدٍّ، وهو اهتمامها بصناعة أفلام الكرتون التي تأخذ وقتاً قد يتجاوز أربع سنوات، بالإضافة إلى تكلفته الباهظة، مشيرة إلى أنَّ المؤسسة في الوقت ذاته استطاعت أن تنفِّذ كلَّ فيلم بمدة سنة ونصف فقط.. أما بخصوص ما قد تقوم به المؤسسة لاحقاً، فقالت فارس، إنَّ هناك ضمن خطة المؤسسة إنتاجاً لأفلام جديدة، إلا أنَّ ذلك يحتاج إلى نصٍّ جيد وميزانية مناسبة، وهذا ما وضعته المؤسسة ضمن خططها.. أما بخصوص إمكانية وجود مهرجان لسينما الطفل، فأجابت: «ذلك ممكن، ودائرة سينما الأطفال قدَّمت طلباً بهذا الخصوص»..
و يرى الفنان والمخرج مظهر الحكيم «أننا في انتظار دور العرض بالدرجة الأولى. وافتقارنا إلى دور عرض تعمل على تشجيع سينما الطفل, يجعل من إنتاج أفلام للأطفال أمراً بعيداً عن مشاريع القائمين على السينما, تماماً مثلما نفتقر إلى مَن يشجّع دراما للأطفال؛ فنرى مثلاً أنَّ صالات السينما العالمية التي تعرض أفلاماً للأطفال تتقاضى أقل الأسعار, بينما هنا لا تعنيهم أبداً.. وعالمياً يُعتنى بالطفل في مختلف النواحي, وتُكتب أحلى النصوص لأفلام أطفال، وكذلك يسارع لإنتاجها أهم المنتجين وأهم الموزِّعين وأهم المخرجين، والبلدان تشجّع مادياً ومعنوياً، وتقام تظاهرات واحتفالات خاصة بسينما الأطفال.. وأنا سأحوِّل مسلسل «مغامرات طارق» إلى السينما، مع أنني على يقين بأنه سيعرض في الخارج أكثر من الداخل, فلا أحد سيدفع ثمن تذكرة سينما مرتفعاً, ولا يوجد صالة تقدِّم فيلماً بأسعار مخفّضة للأطفال».. ويضيف الحكيم: «والآن، تحوّلت السينما الأمريكية في 20% من إنتاجاتها نحو الأعمال الموجَّهة إلى الأطفال، وما يلاحظ أيضاً الانتقال إلى أفلام «الأنيميشن»، وازدياد الإقبال عليها من قبل الكبار أكثر من الصغار، وربما هذا له علاقة بطريقة ما بالوضع النفسي للناس وحاجتهم إلى حضور أعمال يبتعدون فيها عن التعب الفكري».. وهل من خطوة نحو الأمام؟: «لا أحد ينكر أننا بحاجة إلى تظاهرات حقيقية وفعّالة, والآن نعمل على خطة إنتاج متكاملة بالتعاون مع وزارة الإعلام ومؤسسة الإنتاج التفزيوني»..
¶ جزء ثانٍ من «مغامرات طارق».. وتحوّله إلى السينما
بعد مسلسل الأطفال «مغامرات طارق» الذي نال الميدالية الذهبية في مهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس, يحضّر مؤلّف العمل ومخرجه مظهر الحكيم للجزء الثاني من هذا المسلسل. ويعدُّ «مغامرات طارق» نمطاً جديداً من المسلسلات الموجَّهة إلى الطفل، وتمّ العمل عليه بأساليب جديدة من ناحية الدمى والديكور والتصوير. وسيكون مغامرات طارق سلسلة أبطالها شخصيات عالمية, يتعلّق بها الطفل ويتقبّل ما تعطيه من نصائح على لسان الدمى المتحركة، وبالتالي سينجح العمل في إيصال الحالة المرادة إلى الطفل تربوياً وعلمياً وثقافياً وأخلاقياً أيضاً. وحرص على أن تتكرّر شخصيات الجزء الأول في الجزء الثاني, بحيث تتحوَّل إلى شخصيات ثابتة للأطفال ويبقون متعلِّقين بها.
القطاع الخاص اتَّجه نحو ما هو ربحي، كصناعة الدراما- بحسب تعبير ديانا فارس- ليكون هو الآخر قد هرب من المهمة أيضاً، الأمر الذي يعقِّد الأمور أكثر، ويبقى السؤال عن مدى إمكانية أن يكون لدينا سينما طفل سورية حقيقية.. هو سؤال مفتوح، وتبقى الإجابة رهن العقلية الإنتاجية والمؤسساتية، ورهن رغبة هؤلاء في صناعة سينما للطفل..
سونيا سفر
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد