فرصة تأليف الحكومة اللبنانية تكبر
وصلت عملية تأليف الحكومة اللبنانية إلى مفترق طرق حاسم، بات يتطلب قرارات صعبة من الاطراف المعنية بالتشكيل، فإما أن تتبادل التنازلات في ربع الساعة الأخير، لتسهيل الولادة، وإما ان يستخدم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي خرطوشته الاخيرة من خلال طرح تشكيلة وزارية، من ثلاثين وزيراً، تكون خلاصة المشاورات التي أجراها منذ تكليفه، لا سيما انه ليس في وارد الاعتذار.
وإذا كان البعض يربط تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية بمعطيات خارجية ضاغطة، إلا ان البعض الآخر من المطلعين على خفايا المشاورات يؤكد أن اسباب التعثر محلية، وتتصل بالخلاف العميق القائم بين الطرفين المعنيين بحقيبة «الداخلية»، وهما الرئيس ميشال سليمان والعماد ميشال عون اللذان جعلا من هذه الحقيبة عنواناً للكبرياء الشخصي والحسابات السياسية والانتخابية لكل منهما، بحيث تجاوزت حجمها الموضوعي لتُزج فيها كل تعقيدات العلاقة الصعبة بين الجنرالين.
وبينما لم يسجل أمس أي اختراق، وسط مناخات من التشاؤم والإحباط عكسها الرئيس نبيه بري بالقول إنه يائس وبائس، عُلم ان قناة تواصل رفيعة ما زالت تعمل سعياً الى استدراك الموقف، قبل الاسستلام للعقد ورفع الأعلام البيضاء، وهو الامر الذي أكدته أوساط الرئيس ميقاتي بالاشارة الى انه سيعطي الاتصالات فرصة إضافية، قد تكون الاخيرة، قبل ان يحسم الخيار البديل.
وقد أبدى الرئيس ميقاتي انزعاجه مما آلت اليه أمور التأليف، وهو أبلغ زواره انه بات أمام خيارات محدودة جداً، في حال بقي الحل مستعصياً، قد يكون أكثرها رجحاناً طرح حكومة الامر الواقع على جميع الاطراف، مستبعداً ان يعتذر في مثل هذا الوضع الداخلي المعقد والمتأزم، والوضع العربي المتفجر.
واشار الى انه سيتقدم بصيغة حكومية بناء على التوافق السياسي الذي حصل خلال الاتصالات التي جرت خلال الاشهر القليلة الماضية، بمعزل عن الخلاف حول حقيبة الداخلية، ووفق التوازنات التي يراها مناسبة للبلد، لافتاً الانتباه الى «ان الوقت بدأ يداهمنا».
وأوضح ميقاتي انه لم يطلب من احد نقل اقتراحات بأسماء شخصيات مدنية او عسكرية لتولي حقيبة الداخلية، ورأى ان موقف الوزير زياد بارود الاخير جريء، لكن هذا لا يعني ان نعطي حقيبة الداخلية لشخصية من خارج حصة رئيس الجمهورية، لأنها يجب ان تبقى بيد حيادية.
وفي سياق متصل، أكدت أوساط الرئيس المكلف ان العقد هي داخلية صرفة وتتحمل مسؤوليتها الاطراف التي ترفع مطالب تكون احياناً على حساب المنطق ودور المؤسسات، معتبرة ان الإسراع في تشكيل الحكومة يستدعي تنازلات من الجميع، وتعاوناً سواء في ادارة الاختلاف ام ادارة الائتلاف.
وأشارت الى ان جولة جديدة، ربما تكون الأخيرة، من الاتصالات قد بدأت من اجل استنفاد كل الفرص لمعالجة الازمة الراهنة، «والرئيس ميقاتي الذي قدم العديد من المخارج والصيغ يدرس خيارات واقتراحات جديدة في محاولة لتفكيك العقد وهو يأمل ان تلقى مبادراته تجاوباً، وإلا سنكون امام معضلة لن يكون تجاوزها ممكناً بشكل رضائي في ظل السقوف السياسية المرفوعة».
- الى ذلك، قالت مصادر بارزة في الأكثرية الجديدة إن الاتصالات وصلت الى طريق مسدود وانه لم يعد لدى المعنيين بتشكيل الحكومة خريطة طريق للعمل على هديها، بعدما جرى استهلاك الكثير من الافكار والطروحات خلال المفاوضات، من دون الوصول الى أي نتيجة.
واشارت المصادر الى انه بعد تخلي الرئيس ميشال سليمان عن تمسكه بتوزير زياد بارود في «الداخلية» وبعد تراجع العماد ميشال عون عن إصراره على ان تكون هذه الحقيبة من حصته، كان يفترض أن تكون الهوة بين الجنرالين قد ضاقت، بما يتيح البحث عن شخصية وسطية لتولي الداخلية وتكون مقبولة من الجميع، ولكن المحاولة فشلت نتيجة توتر سليمان وعون وتوجس كل منهما من أي إسم يطرحه او يوافق عليه الآخر، كما أن المواقف المرتفعة السقف التي تطلق من هنا وهناك، ساهمت بدورها في عرقلة المساعي، وفي التشويش على المفاوضات.
وأعربت المصادر عن أسفها لوصول الأمور الى هذا المستوى، فيما البلد يتآكل يومياً، تحت وطأة الازمات والملفات المتراكمة، لافتة الانتباه الى ان نمط التعاطي مع عقدة «الداخلية» ينمّ عن خفة كبيرة، وعدم تحسس بالمسؤولية في لحظة وطنية وإقليمية، تتطلّب أعلى درجات الحكمة والوعي.
وكشفت المصادر عن ان الرئيس بري كان يوشك على اتخاذ موقف أكثر حدة مما أعلنه أمس عبر «السفير»، ولكن تم استدراك الأمر في اللحظة الأخيرة.
وكان بري قد أبلغ أمس وفداً من الوكالات العربية والدولية أنه «يائس وبائس وحالتي بالويل». واعتبر أنه منذ رفض تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لم تعد مفهومة هذه الإعاقة منذ شهرين وحتى الآن، لذلك قلت إننا نحتاج إلى صلاة الغائب وصلاة الاستسقاء، والمهم ألا نصل الى صلاة الميت، لافتاً الانتباه الى ان العقدة الحكومية سخيفة.
وفي ظل إحجام قيادة الجيش اللبناني عن التعليق على ما يثار من ضجة مفتعلة حول الدور الذي قام به قائد الجيش العماد جان قهوجي في الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة، قال مرجع مسؤول، ومطلع على حقيقة ما جرى، إنه تمّ التمني وبإلحاح على العماد قهوجي من قبل مرجعيات سياسية لعب دور في التوفيق بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، وتحديداً في موضوع وزارة الداخلية، خصوصاً بعدما ترددت معلومات مفادها ان من بين المرشحين لتولي هذه الحقيبة ضباطاً في المؤسسة العسكرية، وفي الخدمة الفعلية.
وأضاف المرجع: نزولاً عند هذا التمني والإلحاح، تجاوب العماد قهوجي، شعوراً منه بالمسؤولية الوطنية وبحجم الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد والذي ينعكس على مؤسسات الدولة كافة، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية.
وأكد المرجع المسؤول ان لا أبعاد أخرى لحدود هذا الدور، لا على الصعيد الشخصي، ولا على صعيد المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن قيادة الجيش وبتوجيهات مباشرة من العماد قهوجي، ما برحت تؤكد نأيها عن التجاذبات السياسية التي تحصل الآن، تماماً كما نأت بنفسها عن الدخول في أي تجاذب سياسي في ظل الانقسام الذي شهدته البلاد منذ سنوات عدة.
ولفت المرجع الانتباه الى انه، ولتأكيد حقيقة هذا الدور، تكفي العودة الى التوجيهات التي زود بها قائد الجيش الشهر الماضي كبار الضباط، ودعاهم فيها الى الابتعاد عن التجاذبات السياسية والبقاء على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد