انفجار البطيخ في الصين
لا ندري من هو الذي استطاع بخياله العدواني أن يطلق اسما مشتركا يجمع بين تلك الفاكهة الجميلة واللذيذة "الرمان" وبين "القنبلة اليدوية" بحجة تشابههما في الشكل, كان ذلك منذ زمن طويل, لكن أن نضطر الآن على إضافة فاكهة لذيذة أخرى هي "البطيخ" إلى تلك القائمة فإن في ذلك إمعاناً في الغي.
والسبب هنا لا علاقة له بالشكل بين البطيخة والقنبلة اليدوية ولكن بفعل الانفجار الناجم عن كل منهما.
نعم حدث هذا بالفعل في الصين -الدولة التي اخترعت ذات يوم البارود- وبالتحديد في إقليم غانسو شرقي البلاد، حيث استيقظ ليو مين سو، وهو مزارع من بلدة دانيانغ، على أصوات غريبة في حقله ليجد محصوله من البطيخ الذي لم ينضج بعد تتفجر الواحدة تلو الأخرى والسائل الأحمر يسيل على أطرافها.
لم يصدّق ليو عينيه اللتين اغرورقتا بالدموع وهو يروي قصته للتلفزيون الصيني. فقد استثمر أكثر من أربعين ألف دولار هي كل ما يملك وما استطاع اقتراضه لاستئجار ما يقارب من ثلاثين ألف متر مربع من الأراضي وزراعتها بالبطيخ.
كان يحلم بجني أكثر من أربعة آلاف كيلوغرام من الفاكهة, لكن طمعه حول حلمه إلى كابوس فقد أقدم على رش محصوله بكميات كبيرة جداً من مادة الفوركلورفينرون forchlorfenuron الكيمياوية التي تساعد على سرعة النمو أملاً في أن ينضج محصوله قبل أقرانه وليبيعه بأسعار أعلى، لكن كمية المواد الكيمياوية كانت أكثر مما يحتمله البطيخ الذي انفجر غيظاً.
ليو مين سو واحد من حوالي عشرة مزارعين قاموا بالفعل نفسه وجنوا مثله نتيجة ما زرعوه.
عديمو الخبرة
بعض الخبراء الزراعيين ألقوا باللائمة على المزارعين ووصفوهم بالجشعين وعديمي الخبرة بعد أن تحولوا إلى زراعته للمرة الأولى نتيجة استقرار أسعاره وجدواه الاقتصادية العام الماضي.
كما أكد الخبراء أن مادة الفوركلورفينرون" مستخدمة منذ ثمانينيات القرن الماضي وهي بالفعل تساعد على سرعة نمو المزروعات بفارق يصل إلى أسبوعين وتكبير حجمها ووزنها بنسبة تصل إلى 20%، وأنها لا تشكل خطراً على صحة الإنسان إذا ما استخدمت بحذر, وهنا كانت فرصة لمنظمات المجتمع المدني لتشن هجومها على وزارة الزراعة لتقاعسها في تقديم الإرشادات الزراعية الكافية للمزارعين.
لكن القضية لم تنته عند هذا الحد بل أثارت موجة جدل واسعة في المجتمع الصيني وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وأعادت إلى الواجهة أزمة الأمن الغذائي التي تشهدها الصين خلال السنوات الأخيرة في أعقاب سلسلة من الفضائح الغذائية كأزمة الحليب الملوث بمادة الميلامين والأرز الملوث بالقصدير الأبيض وصلصة الصويا المشبعة بالزرنيخ وكذلك الفطر المخلوط بمبيضات كيمياوية، ولحم الخنزير المعالج بحمض البوريك لإضفاء اللون الأحمر عليه وبيعه بسعر أعلى.
وراح ضحية ذلك الكثيرون خاصة من الأطفال, ووضعت النظام الغذائي الصيني برمته تحت المجهر وأدت إلى تراجع ملحوظ في بعض صادرات المواد الغذائية إلى بعض الدول, مما دفع رئيس الوزراء ون جيا باو إلى اعتبار قضية الأمن الغذائي على رأس أولويات حكومته والاعتراف بأن "انعدام الثقة والمصداقية وتراجع المسؤولية الأخلاقية في صناعة الغذاء الصينية قد وصلت إلى درجة خطيرة جداً.
لكنها بدأت الآن تأخذ منحى آخر بفقدان الثقة لدى المستهلك الصيني بمنتجات بلاده الغذائية, وقال أحد المواطنين للجزيرة نت "لم يعد لدينا ما يمكن أن نطمئن لأكله، وإن كثيراَ من الصينيين بدؤوا يتجهون لشراء المواد الغذائية والفواكه والخضار المستورد، فهي على الرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بنظيراتها الصينية فإنها أكثر أمناً". وتسائل قبل أن يغادر "هل سمعتم بفضيحة الزيوت التي يتم استخراجها من المجاري العادمة وإعادة تكريرها لاستخدامها من جديد".
ويرى مراقبون أن صناعة المواد الغذائية الصينية والأمن الغذائي لا تشكو من التشريعات والقوانين حيث يوجد أكثر من 210 قانونا وتشريعا لتنظيمه، وهي كذلك لا تخلو من المؤسسات والأقسام المعنية بل إن كثرة تلك المؤسسات وتوزعها بين وزارة التجارة والشرطة ووزارة المالية والبيئة والزراعة والصحة وهيئة الرقابة على الأدوية والمواد الغذائية، هو ما يحول دون التنسيق بينها وإلقاء كل منها بالمسؤولية على الآخر.
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد