سوريا: تعريب وتتريك
عندما عبر وزير الخارجية التركية أحمد داود اوغلو عن أمله في أن يتم حل الأزمة السورية «داخل العائلة» لم يوضح ما إذا كان يقصد العائلة المشرقية أو الإسلامية، أو سواها من «العائلات» التي تنتمي إليها سوريا وتركيا في آن معا، والتي يرجع بعضها إلى كتب التاريخ القريب، ويشطح بعضها إلى كتب المستقبل البعيد.
المؤكد ان الوزير لم يكن يعني العائلة العربية، التي تتولى معالجة الأزمة السورية، والتي استضافته في آخر اجتماعاتها الوزارية في احد فنادق القاهرة، بصفته شاهدا على صنع قرار العقوبات العربية الاقتصادية والسياسية الأولى من نوعها على سوريا، وبصفته شريكا رئيسيا في تنفيذها، لا سيما بعدما تمنعت دول الجوار الثلاث الاخرى لسوريا اي لبنان والأردن والعراق عن الالتزام بالتنفيذ لأسبابها الاقتصادية الخاصة.. ما يعني ان تركيا هي البلد الذي سيتولى وحده تقريبا معاقبة سوريا عن طريق حدودها البرية، بينما تقوم بقية الدول بفرض العقوبات عن طريق الجو والبحر.
الالتزام التركي بالعقوبات ليس مفاجئا أو طارئا، فقد أقفلت بوابات الحدود البرية مع سوريا على تنقل الأفراد والسلع، وبات استخدامها يقتصر على تهريب السلاح والمال والمقاتلين في الاتجاهين. الجديد والمثير هو أن الاجتماع الوزاري العربي الأخير في القاهرة، شهد تفرد تركيا في مقاربة الأزمة السورية ووضع السياسة التركية تحت مظلة الجامعة العربية.. بعد سلسلة تحفظات عبر عنها صراحة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وكذلك الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي، الذين طلبوا من تركيا السير على الإيقاع العربي في التعامل مع الأزمة السورية.
تجاوبت تركيا مع الرغبة العربية، لأنها كما يبدو تمنت ان يطلب العرب التشاور والتنسيق في هذا الشأن الحرج للجانبين، بعدما بلغت الحد الاقصى من التصعيد ضد النظام السوري ولم يبق امامها سوى التدخل العسكري المحرم والمحظور حتى الآن من جانب القيادة التركية، وأيضا من جانب الرأي العام. كانت تركيا بحاجة الى غطاء عربي للمضي قدما في معركة إسقاط الرئيس بشار الأسد، لأنها لم تكن تريد ان تظهر كقوة أطلسية او غربية (او عثمانية حسب تعبير بعض الواهمين العرب والاتراك) تهاجم بلدا جارا وشقيقا او تتدخل في شؤونه الداخلية، ولم تكن بقدر ما كان العرب بحاجة الى شريك تركي يعزز الموقف العربي ويشكل عنصر توازن إضافيا مع ايران الحليف الاخير للأسد.
ثمة همس في ان الجانبين العربي والتركي تلقيا في الآونة الاخيرة اكثر من نصيحة أميركية وأوروبية غربية بالعمل معا من اجل الاسراع في وقف حمام الدم في سوريا وفي إسقاط النظام بأقل كلفة ممكنة. المهم ان الشراكة حصلت بالفعل، بعدما صارت تركيا اكثر تعريبا وصار العرب اكثر تتريكا، وهي تتعدى فكرة التغيير في سوريا لتصل الى عملية إنتاج النظام الجديد في سوريا، بمعزل عن الاوهام التي راودت الكثيرين من العرب والأتراك.
ساطع نور الدين
المصدر: السفير
التعليقات
ساطع نور الدّين .... مقرف
إضافة تعليق جديد