كل قلوب الناس جنسيتي
الجمل ـ رندة القاسم: قبل سنوات ذهبت لزيارة صديقة لي في صافيتا، في أول يوم اغتنمت فرصة انشغال صديقتي للذهاب إلى كنيسة المدينة حيث صلاة يوم الأحد، هناك مرت لحظات من التجلي العظيم بكيت مثلما كنت ابكي أحيانا في ليلة القدر أو في لحظات من المناجاة مع الرحمن. اذكر الشماس حين كان يدور على المصلين بالبخور ، نظر لي نظرة استغراب فأنا وجه جديد و ما أنا رسمت إشارة الصليب على صدري و لكني كنت ابكي كأي مصل مر بلحظات من التجلي الإلهي المقدس.
هذه القصة كانت بشكل عفوي جدا ، لم أفكر حينها بالتفاصيل، لم أفكر أنني سنية سافرت لإمضاء أيام عند صديقتي العلوية، لأشارك ثاني يوم في صلاة الأحد في كنيسة صافيتا، لم أقف كثيرا عند فكرة أنني كنت امضي أوقاتا مع أم صديقتي و هي تتحدث عن الرسول الكريم و الإمام علي و أنا أتحدث عن الرسول الكريم و الإمام علي، لم أفكر كيف أثرت في خطبة رجل الدين في الكنيسة و كيف ذكرتني بذنوبي و بعدي عن الله ، كان الأمر عفويا تلقائيا لم أشعر انه يستحق الكثير من التأمل.
هكذا ببساطة ، لم أفكر أبدا ليوم من الأيام أنني حين قررت وضع غطاء رأس منذ سنوات و حين انقسم أخوتي بين مؤيدين و معارضين ، أن صديقتي الدرزية كانت ممن شجعني بقوة و أدرك إيماني بما أفعل، و لم استغرب كلمات صديقي المسيحي بعد وضع الغطاء حين قال لي أتمنى أن تكوني بحجم هذا الشرف الإلهي. و كان من الطبيعي جدا أن يقوم صديقنا الإسماعيلي المشترك بيني و بين أخي بإقناعه بما قمت به و أن تدعمني صديقتي الشيعية في الأيام الأولى التي تلت تلك الخطوة بآيات قرآنية و أحاديث نبوية ، اقسم بالله العظيم كان الأمر حقيقيا عفويا صادقا.
طالما جلست مع صديقتي المسيحية أتحدث عن الله و تتحدث عن يسوع ، أحصنها بالصلاة على النبي حين تتحدث عن علاقتها المميزة مع الله و تسمي باسم الصليب أو العذراء المقدسة حين اذكر شيئا مشابها .و طالما ذهبت و أصدقائي الى دير صيدنايا،و دخلنا الى الشاغورة، مسيحيون و مسلمون،و هناك انهمرت دموع حارة مؤمنة على اختلاف أطياف الداعين. و كان من الطبيعي أن أعود ب(قطنة مبللة بالزيت المقدس)لأجل أمي، و كان من الطبيعي أن تمسح أمي بها مكان ألمها داعية الى الله ببركة السيدة العذراء ثم تقرأ الفاتحة.هكذا كانت الأمور تجري .
نعم، أريد أن أتحدث ببساطة و أن أسمي الأمور بمسمياتها دون خوف الاتهام بالطائفية ، لأني أرى أن المبالغة بتجنب ذكر الطوائف شكل آخر من التعصب ، فحين نقول علوي أو سني أو درزي أو أرثوذكسي أو كاثوليكي أو....أو.... فهذا توصيف للشخص ، كأن تقول أنه حلبي ،حمصي،....،... و يبقى الأمر طبيعيا طالما أن الكلمة لا تتضمن أي شكل من أشكال الاستخفاف أو الاستعلاء .
حسنا، أنا سنية نشأت في بيت يتمتع بحرية دينية كبيرة ، فمنا المؤمن المتدين و منا المؤمن دون التزام بالطقوس الدينية و لكن كان دائما القاسم المشترك بيننا هو (المسلم من سلم الناس من لسانه و يده) الناس كل الناس.و كما قلت حين قررت وضع غطاء رأس منذ بضعة سنين لم يؤيد الجميع قراري، لكن أحدا لم يتدخل بحريتي في اتخاذه.و من الرائع أن صديق عمري العلماني بكل معنى الكلمة ، أيد خطوتي، لا لقناعته بها ، و لكن لقناعته أنني قمت بذلك بدافع إيماني حقيقي قائلا إن شعرت أن هذا سيضيف لروحك شيئا فلا تترددي.
عندما اسرد هذا التنوع الغريب اندهش بفرح ،و بفخر أيضا ،كيف أنني لم انتبه له كل هذه السنوات ،لأنه ببساطة كان عفويا، و هكذا كان الكثيرون في سورية ، و هذا ما ميز سورية ، انه التنوع الرائع الصادق. و في هذه الأيام مع محاولة المساس بهذه الحالة ، عاهدت نفسي أنني و لآخر يوم في عمري لن أسمح لأحد أن يحول هذا العفوية إلى تكلف ، سابقي أتحدث إليك يا أخي السوري دون أن أفكر كيف تعبد الله أو إن كنت أصلا تعبده فهذه حريتك و حقك ، و حقك علي أن احترمك و حقي عليك أن تحترمني و حق هذا البلد الرائع علينا أن يكون هو الخيار الأول، خيارنا جميعا بشكل عفوي و صادق دون ادعاء أو تكلف.
إضافة تعليق جديد