زواج عرفي كل ثلاثة أيام بدمشق
لم تخف بسمة ندمها حينما قررت دون علم أهلها، اختيار من يشاركها حياتها، فبالرغم من أن القرار الذي اتخذته محفوف بخسرانها للعلاقة مع أهلها كلياً.. إلا أن ذلك لم يثنها عن الإقدام على هذه الخطوة المفصلية في حياتها.
وبحسب بسمة، فقد أجبرها والدها على الزواج من ابن عمها الذي لا يمكن لها أن تتصور قبوله زوجاً لها «بشكل قطعي»، كما لا ترى في حياتها معه أي أمل في التلاقي، مشيرة إلى أن والدها تعسف في استخدام حق الولاية عليها.
وبسمة تعمل ممرضة في إحدى مشافي دمشق، قالت في تصريح لـ«الوطن»: أثناء عملي تعرفت على شاب قررت الفرار معه بعد أن شرحت له قصتي، مضيفة بالقول: أدرك خطورة هذا القرار وما فعلته كان فضيحة بالنسبة لوالدي وأهلي الذين لم ألتقى بهم منذ عشرة أعوام.. حاولت التواصل معهم، لكن جواب والدي كان دائما: سأقتلك».
تحاول بسمة اليوم المضي في حياتها.. إلا أن الحنين لا يفارقها، وخاصة أن والدتها فارقت الحياة دون أن تراها ولو في لحظاتها الأخيرة.
حال بسمة يلاقي في طرفه الآخر حال إحدى الأمهات التي غادرت ابنتها الوحيدة منزل العائلة مع شاب دون علم الأم.
الأم التي تعتبر أن الشاب طامع بثروة ابنتها الوحيدة التي تنتمي لعائلة ثرية جداً، قالت لـ«الوطن»: هذا الشاب غرر بابنتي وأوهمها أنه من أسرة ثرية، ومضى على هروبها من المنزل خمسة وعشرون يوماً دون أن أعلم عن حالها شيئا.
وأضافت الأم إنها تخشى أن يكون ذاك الشاب قد تزوج من ابنتها أو اغتصبها والمشكلة -بحسب قولها- أن ابنتها وافقت على الهروب وهي ما زالت طالبة في الجامعة لم تختبر من صعوبة الحياة شيئاً.
وفي تصريح لـ«الوطن»، اعتبر أحد القضاة الشرعيين أن حالات الزواج من دون علم الأهل بات أمراً شائعاً في المحاكم الشرعية وخاصة في ما يتعلق بتثبيت الزاوج بعد العقد العرفي.
وقال القاضي الشرعي: لدينا وسطياً حالة زواج عرفي كل ثلاثة أيام على أقل تقدير، أي ما يعادل عشرة حالات في الشهر و120 حالة في السنة، مؤكداً على عدم وجود إحصائيات دقيقة لضبط هذه الحالات لتعلقها في البيئة الاجتماعية.
وبيّن القاضي أن المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية تنص على أن القاصر لا يجوز أن تزوج نفسها إلا بعد موافقة وليها الأب أو الجد وفي حال فقدان الولي يكون القاضي هو وليها في الزواج شريطة أن يكون جسدها ملائما للزواج، مشيراً إلى أن القضاء لا يثبت زواج القاصر إلا بحضور الولي الأب أو الجد.
وأضاف: نصت المادة 27 على أن البكر البالغة يجوز لها أن تزوج نفسها، ولكن في حال اعتراض الولي على هذا الزواج باعتبار الزوج «غير كفء» يفسخ العقد، مشيراً إلى أن حق الولي في فسخ العقد يسقط في حالتي الحمل وكفاءة الزوج «مادياً ومعنوياً» سواء كانت الفتاة قاصراً أم غير قاصر، انسجاماً مع ما نصت عليه المادة 48 من القانون.
واعتبر نائب عميد كلية الشريعة محمد توفيق البوطي أن الزواج العرفي خطر كبير على المجتمع، داعياً إلى تشديد العقوبة في حال حدوثه، مشيراً إلى أن العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات غير كافية وهي عقوبة بسيطة لا تحل المشكلة.
وبيّن البوطي أن المجتمع بحاجة إلى توعية وخاصة من الناحية الدينية والمجتمعية وتبيان خطورة الزواج من دون علم الأهل وخاصة أن هناك مراهقين ومراهقات لا يعون خطورة مثل هذا الأمر.
ودعا البوطي المحاكم الشرعية إلى الالتزام بالقانون في مسألة تثبيت أو عقد الزواج، وذلك بتشدد القاضي على حضور ولي الأمر: الأب أو الجد. وبيّن البوطي أن هناك امرأة تزوجت خمسة رجال ضمن العقد البراني أو ما يسمى العقد العرفي مشيراً إلى ضرورة إيجاد عقوبة تردع مثل هذه الأفعال.
من جهته قال أستاذ كلية الشريعة الدكتور محمد حسن البغا إن الأهل يتحملون المسؤولية الأكبر لانتشار ظاهرة الزواج العرفي، معتبرا أن تعسف ولي الأمر في استخدام صلاحيات ولايته يؤدي إلى هروب الفتاة من المنزل.
وأضاف الدكتور البغا إنه عاين حالات عديدة كان سببها إجبار الولي على زواج الفتاة ممن لا تريده زوجاً، ما دفعها إلى الهرب والزواج من شخص آخر، قبل أن يعود ليقول: معظم هذه الحالات مصيرها الفشل لأنها بنيت بشكل خاطئ.
وتابع البغا إنه لابد من توعية المجتمع من خلال محاضرات توعوية تبرز ما لدور الأسرة من أهمية في البنيان العام للمجتمع.
محمد منار
الوطن السورية
إضافة تعليق جديد