التلف الرقمي يهدد المحتوى

التلف الرقمي Digital Decay. لا يبدو المصطلح مألوفاً، لكن كثيراً من المهتمين بالــشأن الإعلامي يرونه ضمن المخاطر الأساسية في العصر الرقمي. وببساطة، أدى الانتشار الهائل للكومبيوتر والإنترنت والأدوات الرقمية، الى حركة ضخمة من رقمنة نتاجات الفكر الإنساني كافة، وضمنها تلك التي أنتجت في العصور السالفة كلها.ويفكر كثيرون بأن وضع هذه الأشياء في صورة رقمية يضمن لها بقاءً أبدياً. لكن الأمر ليس كذلك. إذا صنعت ملفاً رقمياً بواسطة برنامج «وورد 95»، ماذا يكون مصيره بعد أن توقّفت الشركة عن دعم هذا البرنامج؟ لا يتصل الأمر بما يحدث الآن. لنحاول أن نتصور حال هذا الملف بعد 15 سنة. ماذا لو تجاهله برنامج «وورد» باعتبار أنه بات إرثاً تقنياً خارج من التداول؟القوى الأربع هناك أربع قوى تقنية-ثقافية تدفع بالبرمجيات إلى الفناء رقمياً. تتمثّل القوة الأولى في التلف المادي، إذ لا يقدر الوسيط الرقمي على الاحتفاظ بالبيانات الإلكترونية إلى الأبد. وتتعرّض كل وسيلة حفظ بيانات عبر الكومبيوتر للتلف المادي مع الوقت، وتضيع البيانات في هذا السياق. هل تحتفظ بالبيانات في قرص مُدمج أو أسطوانة «دي في دي» أو في قرص تخزين إلكتروني؟ تضرب القوة الثانية هذه الأدوات كلها، ففي ظل استمرار التحديثات التقنية، تصبح كلّ بنية تخزين متقادمة ومستعملة بصورة نادرة تدريجياً، ما يجعل استخراج البيانات منها عملية تتزايد صعوبتها مع مرور الوقت. ثمة ما هو أســـوأ، لكنه لا يأتي من الإلكترونيات ولا المعادن التي تحفر على سطحها الملفات الرقمية. يأتي هذا التلف من الإنسان نفسه، على هيئة قوانين تمنع إصدار نُسَخٍ عن نتاجات الفكر الإنساني. بعد فترة، من يضمن ماذا يحصل بالنسبة الى النُّســخ القلــيلة المتوافرة؟ ربما تنهار المباني التي تضمّها بأثر من زلزال أو تســونامي. عندها، تضيع هذه الأشياء الى الأبد. لنفكر ماذا حدث في «مكتبة الإسكندرية» التي بناها الإسكندر المقدوني. فبروح طيّبة، منع القيّمون على المكتبة الناس من نسخ تلك المخطوطات القيّمة. وعندما ضربتها يد الحرائق عقب الفتح الإسلامي لمصر، لم يبق من تلك الآثار القيّمة إلا النزر اليسير. وبصورة عامة، عمدت الأطراف الناشرة للبرمجيات تاريخياً، ولأسباب اقتصادية، إلى منع المستخدمين من نسخ البرمجيات من دون الحصول على إذن الشركة التي أنتجتها أصلاً. ويحول هذا الأمر دون ظهور أرشيفات «بديلة» عن هذه البرمجيات. تتمثّل القوة الرابعة في التقادم الاقتصادي، وهو أمر فائق الأهمية في المجتمعات المعاصرة. إذ تملك السلع، ومن ضمنها برامج الكومبيوتر، عمراً محدّداً في السوق، بعدها تسير الى الإهمال. وينتج هذا الأمر من التقدّم التكنولوجي السريع. ويعني ذلك أن البرمجية لن تُستنسَخ وتوزّع تجارياً في إلاّ لفترة قصيرة من الزمن. بعدها، يصبح كل شيء معرضاً للتلف الرقمي.

المصدر: الحياة