عن علِمٍ مُعلّق على غدٍ لا يأتي
«ليس مجدياً تكرار القول ان العلم سيصنع «معجزاته» غداً، خصوصاً عند الحديث عن الربط بين العلوم والمجتمع. هناك منجزات علمية متحققة فعلياً وموجودة حاضراً، لو استُخدِمت بطريقة مناسبة بإمكانها أن تصنع فارقاً كبيراً.
لنقل الأمر بصيغة اخرى، كي نصنع الفارق فعلياً بين ما نأمل أن يحقّقه المجتمع عبر العلوم، ليس علينا انتظار الغد، فهناك بين أيدي العلماء أدوات وتقنيات قوية فعلياً. هل تُستخدم هذه التقنيات بطريقة ملائمة؟ هل يولي الساسة اهتماماً كافياً لاستعمال ما أنجزه العلماء في إيجاد حلول للمشاكل، بداية من التعرّف على تلك المشاكل بطريقة علمية وعملانية؟
لنضرب مثلاً باللقاحات. إنها مُكتشفة وفعّالة وتُنتَج بكميات ضخمة، لكن وصولها الى الأطفال والمراهقين لا يتطلب سوى إرادة سياسية تعمل على إنشاء بُنية صحية تحتية ملائمة، ولو ضمن الحدود الدنيا. يكفي نشر مراكز صحية.
تشير الوقائع الى أن عدد العاملين الصحيين لا يزيد على 0.4 لكل عشرة آلاف من السكان في معظم بلدان العالم الثالث. وتصل النسبة عينها إلى 2.2 في آسيا، و14.2 في أوروبا. لأجل إيصال أفريقيا مثلاً الى مستوى آسيا، لا يقتضي الأمر سوى تدريب عاملين صحيين.
لا يتطلب الأمر أن نصل الى المستوى الأكثر تقدّماً في العلم والتكنولوجيا. يكفي تدريب أساسي ومعمّق لعاملين صحيين. بإمكان مصر أن تنهض بهذا الأمر، لمصلحة أفريقيا كلها. ومع وجود الإنترنت وشبكات الخليوي، تصبح الأمور أكثر سهولة. ربما يأتي الغد بروائع علمية على غرار تلك التي عُرِضَت في «بيوفيجن» في الحلقة عن «الروبوت البيولوجي» Biorobotics. لكن ما نحتاجه الآن أكثر بساطة، بل إنه متوافر علمياً. نحتاج مثلاً ان نستفيد من اللقاح الذي يعطي الأجسام مناعة، وهو إنجاز علمي مهم ومتوافر الآن.
يقدّر أن كــل لقاح يكـــلّف 15 دولاراً لإنجاز التحصين به، تقسّم الى دولار ثمناً للقاح و14 دولاراً تكلفة البنية التحتية للصحة التي توصله للناس. لا نتحدث عن إنجازات علمية تخطف الأنفاس، ولا ميزانيات بلا حدود.
ينطبق وصف مماثل مع فوارق كثيرة بالطبع، بالنسبة للأطعمة المُعدّلة وراثياً، وتطوير أساليب الريّ، وحماية الصحة الإنجابية للمرأة... وغيرها. لكن، من يبالي؟ الساسة يهتمون بشعبيتهم وسلطاتهم وسطواتهم. لذا، أُفَضّل ألا نتحدث للأجيال الشابة عن غدٍ يأتي فيه العلم بروائع المنجزات كي يحلّ المشاكل.
أليس الأفضل أن نعطي الشباب أموراً أكثر واقعية، وأن نحثّهم على تغيير يومهم، بواسطة العلوم الموجودة حاضراً، كي يأتي غدهم أفضل من الواقع الذي يكابدونه يومياً؟»، انتهى الكلام الذي فاض به لسان اختصاصي اللقاح الفرنسي جاك فرانسوا مارتن، في ردّه عن سؤال عن انطباعاته عن علاقة التقدّم في العلم مع التنمية، وكذلك عن رأيه في نقاشات «بيوفيجن 2012». ولم يتردد في إنهاء كلامه بالإشارة الى أنه سمع من أحد المشاركين في المؤتمر بأن استمرار الحديث عن الغد يؤدي الى... استمرار الحديث عن الغد، بمعنى أنه يغدو زماناً لا يأتي أبداً!
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد