كونسروة دمشق: نقص مستلزمات الإنتاج، تقلُّب الأسعار، شح المواد الأولية، وعمالة فائضة
تزداد معاناة شركة كونسروة دمشق مع تنامي الخسائر والعجز المالي بفعل غياب الخطط والبرامج الفاعلة وعدم وجود نية حقيقية من قبل مؤسسة الصناعات الغذائية لتطوير العمل والانتاج...؟! والنتيجة مأزق كبير تتعرض له الشركة.
فحسب الاحصائيات والوقائع تشهد الحركة الانتاجية تراجعاً كبيراً ونقصاً حاداً في السيولة النقدية لقلة التصريف وزيادة معدلات الكساد وافتقار عمليات بيع وتوزيع المنتجات إلى جهات متعاقدة...؟!
كما أثر نقص المستلزمات وتذبذب أسعارها وشح المواد الأولية إلى توقف المنتجات عن التصنيع وإلغاء أقسام وتحويلها إلى مستودعات للآلات القديمة...؟!
ما استدعى المؤسسة العامة للصناعات الغذائية بإعادة النظر في وضع الشركة ونقل ملكيتها إلى وزارة أخرى عوضاً عن اقتراح الحلول لتجاوز العقبات وتحسين جودة المنتجات.
تصنيع الفائض
تأسست الشركة بموجب القرار الوزاري رقم 1024 لعام 1966، وتتبع للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية، وكانت الغاية من إحداثها تصنيع فائض المحاصيل الزراعية (خضار وفواكه وبقوليات) ككونسروة معلبة وتصريفها في الأسواق الداخلية والعمل على ايجاد أسواق خارجية وانتاج الكونسروات المتنوعة كالمربيات بأنواعها وحمص بالطحينة وفول مدمس وأخضر وبامياء وفاصولياء خضراء.
غلات وفيرة
أضفى موقع الشركة ميزة كبيرة بتوريدها للفواكه والخضروات المتنوعة المستلمة من قبل موردين في غوطة دمشق.. فالمواد الأولية متوافرة بكثرة في مواسم الصيف التي تزداد فيه الغلات وتنخفض أسعارها بشكل يوفر أموالاً كثيرة ويخفض النفقات المصروفة على شراء المحاصيل والمواد الأولية ما يجعل الناحية التصنيعية مجدية اقتصادياً...؟!
كما يمكن زيادة الإنتاج وتصنيع الكونسروة بكميات كبيرة وبيعها بأسعار مناسبة مع وجود سوق شرائية واسعة.
بالتالي يمكن تطوير الإنتاج وفتح خطوط انتاجية جديدة للمعمل في حال وجود نيات حقيقية بتطوير صناعة الكونسروة مع تعزيز الخطط والبرامج الفاعلة...؟!
فائض عمالة
تعاني الشركة من ظاهرة البطالة المقنعة مع قلة الإنتاج والتصريف، فهناك فائض كبير في العمال المتعطلين عن العمل بفعل توقف خطوط الإنتاج وحصر عملهم بأشهر محددة ووجود عمال كبار السن.
فقد أوضح مدير عام الشركة المهندس أسد شعبان أن وجود فائض العمالة يعزز من أسباب العجز ويفاقم الخسارة التي تتعرض لها الشركة باستمرار، لكونها تستخدم عمالاً كباراً في السن يتقاضون رواتب عالية وطبيعة عملهم لا تتناسب مع قيمة الأجور التي يتقاضونها، وما تزيد من التكاليف والأعباء الملقاة على عاتق الميزانية المخصصة.
على عكس ما يتم التعامل فيه بالقطاع الخاص الذي يربط الأجر بالانتاج وإعطاء الرواتب مع طبيعة العمل المنوط للعاملين الذي يخصص أشهراً محددة للعمل وفق موسمية المواد الأولية وبالتالي تحقيق أرباح خيالية.
وما يزيد الأمور صعوبة في الشركة قلة أيام العمل حيث إن أيام العمل الفعلية لا تتعدى ستة شهور في حين باقي أيام السنة يكون العمال بلا عمل.
وهذا ما يزيد من حالة العجز لأن جميع خطوط الإنتاج تكون في باقي أيام السنة متوقفة ولا يمكن التخفيف من حدة النفقات وتقليل العجز إلا بالسماح بتشغيل العمالة الموسمية خلال كامل فترة التشغيل.
موسمية المواد
يعتمد الشريان الأساسي للشركة على المواد الأولية التي يوردها عملاء وفق كميات يومية خلال مواسم الصيف، بالتالي باقي أيام السنة لا يتم تأمين المواد الأولية كالبندورة والمشمس في فصل الصيف والبازلاء في الربيع.
ولفت المهندس شعبان على ناحية الطابع الموسمي للعمل حيث إن فترة تأمين البازلاء والمشمش قصيرة جداً تكون أسعار المواد السالفة منخفضة ولها جدوى اقتصادية من تصنيعها إلى كونسروة.
أما بالنسبة إلى مادة البندورة فتأمينها مرتبط بعوامل معينة كفتح أسواق خارجية لتصدير المادة وزراعة المادة ذات النوعية المطلوبة كالبندورة البلدية العصيرية من قبل الفلاحين حيث إن غالبية المواد المزروعة تعتبر غير صالحة للكونسروة وإنما للمائدة فقط.
وأشار إلى صعوبة تأمين المواد الأولية بسبب الظروف الراهنة وعدم تمكن الموردين من ايصال بضائعهم إلى المعمل بشكل سريع لارتفاع أجور نقل المادة لارتفاع أسعار المازوت وعدم توافره بالشكل المطلوب ما ينعكس على عمليات شراء المادة الأولية وطالب الجهات المعنية بايجاد آلية جديدة لتأمين المواد الأولية اللازمة لتحقيق الخطة الانتاجية أثناء وجود المواسم كإبرام عقود مع المزارعين والجمعيات الفلاحية مباشرة والتنسيق بين وزارتي الصناعة والزراعة لاعتماد أصناف ذات جدوى اقتصادية مخصصة للكونسروة.
منافسة شديدة
تعاني الشركة من عدم تنفيذ الخطة الإنتاجية وتراجع نسب المبيعات لعدم توريد المستلزمات والمواد الأولية بالكميات المطلوبة والمواصفات المناسبة وبالأسعار الرائجة وما يفاقم المشكلة تكبيلها بقوانين لا تؤدي إلى تصريف المنتجات في حال زيادة الإنتاج كما هو الحال في القطاع الخاص الذي وضع جملة من الإجراءات والتدابير لتجاوز جميع العقبات التسويقية ومواجهة كل مستجدات السوق كتقديم عروض واللجوء إلى التخفيضات لترويج منتجاته ومنع أي حالات كساد موجودة وبالتالي منافسة منتجات القطاع العام التي تعاني من الكساد وانعدام أساليب التسويق العصرية.
فقد كشف المهندس شعبان عن قيام شركات القطاع الخاص باتباع أسلوب المضاربة بدلاً من أسلوب المنافسة في المواصفات ومساهمته بأن يكون رديفاً للقطاع العام بل أصبحت منتجات الشركات الخاصة تطغى على العامة والقائمون على القطاع الخاص يتبعون أسلوب المضاربة في الأسواق وترويج منتجات أقل جودة ومواصفاتها أقل من إنتاج الشركات العامة.
فعلى سبيل المثال الشركات الخاصة المماثلة في التصنيع تعتمد مبدأ إعادة التصنيع وخلط منتجاتها بمواد حافظة غذائية على حين الشركة لا تتمكن من التصنيع إلا وفق المواصفات القياسية السورية.
قلة التصريف
تعاني المنتجات من ضعف التصريف ووجود كساد كبير في موادها لوجود قيود عديدة تمنع إدارة الشركة من التصرف وفق مقتضيات السوق وما يزيد الأمور تعقيداً غياب القوانين الناظمة للعمل والتي تحدد الطرق المناسبة لتصريف المنتجات بالسرعة اللازمة كي تتناسب مع وتيرة الإنتاج.
مدير الإنتاج في الشركة المهندس مجد ديب أكد أن عمليات تصريف المنتجات تعاني من القلة ما أدى إلى ضعف نسب تنفيذ الخطة التسويقية لارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة مع تكلفة الشركات المماثلة.
كما أن الشركات الخاصة المماثلة تعتمد مبدأ إعادة التصنيع وخلط المنتج بمواد حافظة غذائية، في حين لا تتمكن الشركة من التصنيع إلا وفق المواصفات المسموحة.
وما يزيد الأمور تفاقماً إلزام الشركة ببعض إنتاج القطاع العام وغالباً ما تكون التكلفة مرتفعة وهذا ينعكس على ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على تصريف المنتجات أمام منافسة الشركات الخاصة، مشيراً إلى وجود معوقات تزيد من قلة التصريف كإلزام الشركات بحصر استجرار مواد من شركات القطاع العام في الوقت الذي لا يحق للشركة بيع منتجاتها إلى القطاع العام كجهات الإطعام والمشافي والمعسكرات الإنتاجية وإدارة التعيينات العسكرية بأسعار الكلفة.
نقص المستلزمات
ساهمت العقوبات الاقتصادية الجائرة الأخيرة بإحداث خلل كبير في تأمين المستلزمات كالمواد المعدنية والصفيح والمواد الزجاجية ما أدى إلى تدني نسب تنفيذ الخطة الإنتاجية وما رافقها من تراجع نسب تنفيذ المبيعات وعدم القدرة على التسويق في أغلب الحالات..؟!
كما نجم توقف الكثير من خطوط الإنتاج واقتصار التصنيع على بعض الأنواع من الكونسروة التي تتوافر مستلزمات الإنتاج من علب معدنية وصفيح.
فقد كشف المهندس شعبان عن وجود نقص في تأمين المستلزمات حسب الأنظمة والقوانين ما أثر في عمليات البيع وعدم نفاد المنتجات والعجز في تأمين السيولة اللازمة لاستمرار العمل لتذبذب أسعار المستلزمات في السوق وعدم التزام التجار بعروضهم أو تسديد تأميناتهم وفق العقود الموقعة أو عدم توقيع عقود جديدة مع جهات مختلفة.
فبسبب الظروف الراهنة أصبح تأمين مواد العلب المعدنية في غاية الصعوبة لارتفاع أسعار الصفيح في الأسواق الخارجية وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة والتي تنص على عدم توريد المواد من الأسواق الأوروبية ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستلزمات.
وطالب المهندس شعبان الجهات المعنية بالسماح للشركة بشراء مواد نصف مصنعة وجاهزة كمستلزمات الكونسروة في حال ضعف المواسم الزراعية وبإلزام الجهات التوزيعية التسويقية التي ينص مرسوم إحداثها على تسويق منتجات القطاع العام وبأسعار البيع وتحديد البيع بسعر الكلفة المعيارية لكل منتج وإيجاد نشاط رديف لعمل الشركة لايقتصر على المواد الأولية والزراعية فحسب بل يتعداه لتصنيع جميع مستلزمات الكونسروة من العلب المعدنية والمواد الزجاجية والصفيح أسوة بالقطاع الخاص.
وناشد وزارة الصناعة بتغيير مرسوم إحداث الشركة لتغدو مساهمة في التصنيع وتسويق المنتجات ووضع آلية معينة تنقل الشركة نقلة نوعية نحو التقدم والنجاح كإلزام القطاع الخاص بدفع الضرائب والرسوم على مشترياتها ومراقبة العمل فيه من قبل أجهزة الرقابة المالية مقابل إعفاء شركات القطاع العام.
إعادة النظر
أمام هذا الواقع أعدت المؤسسة العامة للصناعات الغذائية دراسة اقتصادية تقوم على إعادة النظر في الشركات الخاسرة المتوقفة والمتعثرة من ضمنها كونسروة دمشق التي تعاني من تراجع في الإنتاج وكساده وصعوبة تصريفه وتذبذب أسعار المستلزمات وارتفاع تكلفة المنتجات وغيرها من المعوقات التي أصبحت حجر عثرة أمام أي تصور للعملية الإنتاجية، لذا انطلاقاً من المعوقات الموجودة لدى الشركة قامت المؤسسة بإعداد مشروع لنقل ملكية الشركة إلى ملاك وزارة التربية التي رفعت بنود الدراسة إلى رئاسة مجلس الوزراء لإعداد الدراسة النهائية والتصديق على قرار نقل الملكية في حال ارتأت رئاسة مجلس الوزراء الجدوى الاقتصادية من عملية نقل الملكية، حيث قدرت قيمة أراضي الشركات الخاسرة وبالأسعار الرائجة ب 4 مليارات و657 مليوناً وقيمة المباني ب83 مليوناً.
كما بلغ حجم الخسارة لدى الشركات خلال العام الفائت ب 90 مليوناً، في حين بلغ عدد العاملين في الشركات ما يقارب 322 عاملاً حيث إن الموازنة ستدفع مبالغ خيالية للعاملين دون أي جدوى اقتصادية من وجودهم وخاصة مع زيادة الأعباء المالية على إثر تثبيت العمال المؤقتين لدى جميع الشركات بموجب المرسوم التشريعي رقم 62 لعام 2011.
فقد تم تأشير 126 قراراً من أصل 170 لكل الشركات.
أي بالمحصلة تنظر رئاسة مجلس الوزراء إلى قرار نقل الملكية على أنه قرار ناجع يخفف الأعباء على وزارة الصناعة من دفع أموال طائلة وتكبيدها خسائر بالملايين كل عام، كما تنظر رئاسة مجلس الوزراء إلى القرار أنه مجد لأن نقل العاملين سيتم وفق الاختصاصات المطلوبة إلى وزارات بحاجة إلى قوى عاملة..!!
تراجع ملحوظ
تراجع الإنتاج بصورة كبيرة جداً وانخفضت الكميات المسوقة والمباعة لارتفاع أسعار المستلزمات وتذبذب أسعار المواد الأولية وموسمية العمل وزيادة الكلفة الإنتاجية، كما تراجع الانتاج لقدم الآلات وعدم استبدالها ومنافسة الشركات الخاصة في السوق المحلية والخارجية.
فقد وصل الإنتاج في عام 2000 إلى 2186 طناً بنسبة تنفيذ 51٪ عن الخطة السنوية 4003 أطنان حيث وصل إنتاج رب البندورة إلى 768 طناً بمخطط 1803 أطنان ومربى المشمش المنفذ 194 طناً بمخطط 450 طناً أما البازلاء 77 طناً بمخطط550 طناً والكونسروة المتنوعة وصل الانتاج إلى 104 أطنان والمخطط 1200طن.
إلا أن الإنتاج تراجع بشكل كبير لتنخفض نسبة تنفيذه إلى 25٪ عام 2011 حيث بلغ الانتاج الكامل 918 طناً بمخطط3490 طناً حيث كان إنتاج رب البندورة 513 طناً والمخطط 1915 طناً والمربيات كافة 77 طناً بمخطط 700 طن والبازلاء ب 206 أطنان والمخطط ب 550 طناً أما الكونسروة المتنوعة وصل إنتاجها إلى 100طن بمخطط 3490 طناً.
من خلال مقارنة إنتاج المعمل في عام 2000 الذي وصل إلى 2186 طناً سنوياً وانتاجه في عام ٢٠١١ الذي انخفض بشكل كبير إلى 918 طناً سنوياً نجد أن نسبة التنفيذ كانت في عام 2000 ما يقارب 51٪ في حين انخفضت في عام 2011 إلى 25٪ وهذا ما يدعونا للاستنتاج أن الانتاج في المعمل يشهد تراجعاً كبيراً وملحوظاً في نسب التنفيذ ويتطلب من الوزارة المعنية والمؤسسة العامة دق ناقوس الخطر قبل أن يصل الوضع إلى حد لا يحمد عقباه..؟!
عدنان كدم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد