الاكتشافات العلمية 2012: من «بوزون هيغز» إلى المريخ
لم يسجّل العام 2012 أحداثاً سياسية وموجات غضب وبعثات دبلوماسية فحسب، بل شهد اكتشافات علميّة هامة في الطبّ والفلك والفيزياء وغيرها.
وفي السياق، اعتبرت المجلّة العلميّة «science»، التي تنشرها «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم»، أن اكتشاف جُسيم «بوزون هيغز Higgs boson» هو الحدث العلمي الأبرز للعام 2012 . ففي الرابع من تموز الماضي، كشف الباحثون في مختبرات «سرن» السويسرية عن أدلة تفيد بوجود جسيم «بوزون هيغز» الذي يشكّل الحلقة المفقودة في النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات «standard model».
يُذكر أنه في العام 1964، افترض ستة علماء من بينهم البروفسور البريطاني بيتر هيغز إمكانية وجود جسيمات «بوزون هيغز» التي تفسّر كيفية حصول الجسيمات الأوليّة مثل الإلكترونات والكوارك على كتلتها، ما يساهم في معرفة أصل المادة. وقد بلغت كلفة التجربتين العلميتين «Atlas» و«CMS» نحو 5,5 مليار دولار واستغرقتا أكثر من عامين من البحوث العلمية المعمّقة.
ويقول المحرّر في «science» أدريان تشو، نقلاً عن صحيفة «غارديان»، إن اكتشاف جُسيم «بوزون هيغز» يستحق التقدير إذ تكمّل مشاهدته نظرية النموذج المعياري التي تعتبر، ربما، النظرية الأكثر دقة وتطوّراً في العلوم.
في المقابل، أدرجت المجلتان العلميتان «science» و«la recherche» هبوط مسبار «كيوريوسيتي» على سطح المريخ من بين أبرز عشرة أحداث علميّة في العام 2012. ففي السادس من شهر آب الماضي، نجح فريق من العلماء في مختبر الدفع النفاث التابع لـ«الإدارة الوطنيّة للملاحة الفضائية والفضاء - ناسا» بإرسال المسبار الأكبر إلى الكوكب الأحمر. وقد استوحى المهندسون نموذج المسبار من تقنيات الجيش الأميركي وطائرات الهليكوبتر التابعة له، وتتركّز مهمته على البحث عن آثار حياة ماضية على سطح المريخ، وعلى دراسة نوعية الصخور والمعادن وعلى رصد المواقع الجيولوجية.
وفي مجال علوم الجينوم، سجّل العام 2012 اكتشافاً علميّاً بارزاً في فهم المادة الوراثية للإنسان. واعتقد العلماء، في السابق، بأن نسبة كبيرة من الجينوم البشري هي مادة غير مشفّرة لا تمتلك وظيفة أو دوراً معيّناً، ووصف الباحثون تلك المادة غير المشفّرة بـ «junk DNA» أو فضلات «الدي أن إيه». غير أنه في السادس من شهر أيلول الماضي، بيّنت نتائج مشروع «Encode» بأن نسبة ثمانين في المئة من «الدي أن إيه» تظهر نشاطاً بيوكيميائياً، وبأن المادة غير المشفّرة تتحكّم بتنشيط بعض الجينات أو إخماد وظيفتها. تساهم تلك النتائج في الكشف عن أسرار المادة الوراثية البشرية، وفي معرفة ظهور الأمراض وخصائصها البيولوجيّة.
يُذكر أن مشروع «Encode» بدأ في العام 2003، وشارك فيه نحو 450 باحثاً من أميركا وبريطانيا واسبانيا واليابان وسنغافورة وسويسرا. ويقول الباحث في العلوم الطبيعيّة ومؤرخ العلوم ميشال مورانغ، نقلاً عن مجلة «la recherche» إن نتائج مشروع «Encode» لا تثبت أن المادة الوراثية غير المشفّرة أكثر فعالية من المادة الوراثية المشفّرة، بل تغيّر في فهم العلماء للمادة الوراثيّة عند الإنسان.
وسجّل العام 2012، وفق تصنيفات مجلّة «science»، تقدّماً في فهم العلاقة بين الآلة والدماغ، إذ أظهر فريق من الباحثين أنه يمكن لمرضى مصابين بالشلل أن يتحكموا بذراع اصطناعيّة أو ميكانيكية من خلال التركيز بواسطة الدماغ. وتعتبر تلك التكنولوجيا تجريبية غير أنها تساعد في تطوير حلول وعلاجات للمصابين بمرض الشلل أو باضطرابات في العمود الفقري.
كما صنّفت «la recherche» الفرنسيّة التقدّم في علاج مرض نقص المناعة من بين أهمّ الاكتشافات العلمية في العام 2012. وكان فريق من الباحثين في جامعة ولاية كارولينا الشمالية نجح، بإدارة البروفسور ديفيد مارغوليس، بتطوير دواء يستهدف خلايا الدم البيضاء حيث يختبئ فيروس نقص المناعة البشرية. ويقوم الدواء المضاد للسرطان بتنشيط المادة الوراثيّة للفيروس في خلايا الدم البيضاء، ما يشكّل المرحلة الأولى للشفاء من المرض.
وفي هذا الصدد، يشير الاختصاصي بمرض السيدا في جامعة كاليفورنيا ستيفن ديكس إلى أن أهمية تلك النتائج العلمية توازي أهمية الدواء الأوّل «AZT» الذي بدأ وصفه لعلاج مرضى الأيدز في أعوام الثمانينات.
أما الباحث جوناثان غرينغر وفريقه في جامعة «إكس مارسيليا» و«مركز البحوث العلمية في فرنسا»، فقد أظهروا في شهر نيسان الماضي، إمكانية تعلّم القرود قواعد التهجئة ما يثبت فرضية اكتساب قواعد التهجئة من دون الإلمام باللغة الشفهية. وشكّلت تلك التجربة، وفق «la recherche»، أبرز الاكتشافات العلمية العشرة للعام الماضي. تفسّر نظريتان أساسيتان عمليّة القراءة ومساراتها الإدراكية. طرحت الفرضية الأولى في الثمانينيات بأن قواعد التهجئة ترتكز على اللغة، إذ يتعلّم الطفل التهجئة من خلال ربط الأحرف المكتوبة برنّاتها الصوتية التي يسمعها منذ سنوات عدّة. غير أنه في العام 2005، اقترح الباحث ستانيسلاس دوهين من «كولاج دو فرانس» وفريقه فرضية ثانية مرتكزة على أن القراءة عملية بصرية غير مرتبطة باللغة الشفوية. وتدعم نتائجُ تلك التجارب على القرود الفرضيةَ الأخيرة لفهم عملية القراءة.
ملاك مكي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد