إسرائيل: جدل بشأن الغاز المتوسط
تثير صناعة الغاز مواجع ومشاعر الكثيرين في اسرائيل جراء ما رافقها من مصاعب وعراقيل، وبسبب ما ينتظرها من قرارات. وكانت الفرحة العامة ببدء ضخ الغاز من حقل «تمار» إلى البر وشركة الكهرباء عاجزة عن إخفاء القلق من القرارات المقبلة، التي ينبغي على الحكومة اتخاذها بشأن مسألتين أساسيتين: التصدير والأمان البيئي. ويصل إلى إسرائيل قريباً المدير العام لشركة «نوبل إنرجي» تشارلز دافيدسون في محاولة للضغط من أجل تسهيل تصدير الغاز، في وقت أقامت فيه الشركة مؤتمراً خاصاً في قبرص حول الغاز شرقي البحر المتوسط. ونظراً للأبعاد السياسية والاقتصادية لاستخراج الغاز، عادت إسرائيل لتبحث مع مبعوث الرباعية الدولية طوني بلير، في أمر تطوير حقل «Gaza Marine» الفلسطيني قبالة قطاع غزة.
وكان وزير المالية السابق يوفال شتاينتس، قد حرك بركة راكدة في مقابلة صحافية أجريت معه قبل أيام، حيث قال إنه اضطر لقبول توصيات لجنة «تسيمح» بشأن نسب تصدير الغاز. وأشار إلى أن الاضطرار في قبول هذه التوصيات نبع من خوف لديه بأنه قد يتعرض للاغتيال إذا لم يفعل ذلك. وأثارت هذه الأقوال منظمات الشفافية والحكم الرشيد في إسرائيل، التي قدمت بلاغات تطالب بالتحقيق مع شتاينتس لمعرفة الجهات التي مارست الضغوط عليه.
ومن المقرر أن يصل في الأيام القريبة إلى إسرائيل المدير العام لـ«نوبل إنرجي»، وهي الشريك الأكبر في كل حفريات الغاز الإسرائيلية، وخصوصاً في حقلي «تمار» و«لفيتان». وبالرغم من أن الهدف المعلن للزيارة هو المشاركة في احتفالات ربط «تمار» بخط الغاز البري الإسرائيلي، إلا أن التقديرات تتحدث عن أن الزيارة ترمي للضغط على الحكومة الإسرائيلية للمصادقة على التوصيات بشأن نسب تصدير الغاز. وقد طلب دافيدسون الاجتماع برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة والمياه الجديد سيلفان شالوم.
وكانت وسائل الإعلام قد نقلت عن دافيدسون قوله إنه إذا لم تسمح الحكومة الإسرائيلية بتصدير الغاز، فإن شركته لن تقوم بتطوير حقل «لفيتان». وسبق لدافيدسون أن زار إسرائيل في العام الماضي لغرض إقناع نتنياهو وشتاينتس بضرورة السماح بتصدير الغاز.
ومعروف أن الحكومة الإسرائيلية ستناقش في الآونة القريبة مسألة المصادقة على توصيات اللجنة الوزارية لمسألة الغاز، والتي يرأسها المدير العام لوزارة الطاقة والمياه شاؤول تسيمح. وكانت هذه اللجنة قد أوصت بالسماح للشركات صاحبة الامتياز بتصدير الغاز من الحقول الإسرائيلية بحجم يصل إلى خمسين في المئة من انتاج كل حقل. وبسبب أهمية هذه التوصيات وآثارها الاستثمارية، تحدثت صحيفة «غلوبس» الاقتصادية في حينه عن أن الشركاء الائتلافيين في حكومة نتنياهو تعهدوا في إطار الاتفاقيات الائتلافية بتأييد «قرارات الحكومة بشأن تزويد الطاقة»، وكذلك «القرارات ومشاريع القوانين التي سيعرضها رئيس الحكومة بغرض ترتيب قطاع الغاز والطاقة».
وأوقفت حكومة نتنياهو السابقة المداولات بشأن توصيات إقرار تصدير الغاز التي قدمت للحكومة في آب العام الماضي في أعقاب تعاظم الانتقادات ودخول إسرائيل في مرحلة الانتخابات. ويعرقل تجميد المداولات إتمام صفقة لشراء 30 في المئة من حقل «لفيتان» على أيدي عملاق الطاقة الأوسترالية أي شركة «وودسايد». وكان يفترض بهذه الصفقة أن تبرم في نهاية شباط الماضي، إلا أن تجميد المداولات أَجَّلَ الإبرام إلى ما بعد اتضاح الكمية التي ستسمح الحكومة بتصديرها من الحقل.
وتتحدث تقارير إسرائيلية عن أن حكومة نتنياهو سوف تضطر في نهاية المطاف إلى تعديل توصيات لجنة «تسيمح»، وتقليص النسبة المسموح بتصديرها من كل حقل من حقول الغاز. فقد أوصت اللجنة بالاحتفاظ بـ450 مليار متر مكعب من الغاز (أي حوالى 45 في المئة من الغاز المتوقع)، والسماح بتصدير الباقي بشروط معينة. وبديهي أن هذا سوف يربك العلاقات بين الحكومة والشركات صاحبة الامتياز، التي استثمرت حتى الآن مليارات الدولارات، ولا تريد الركون فقط إلى السوق الإسرائيلي، بل تريد استعادة استثماراتها وتحقيق أرباح بشكل أسرع عبر التصدير والانتاج المكثف.
وكان واضحاً أن كل هذه العبارات تعني كلمة واحدة هي «تصدير» الغاز، الذي يثير الكثير من الجهات الإسرائيلية ذات الصلة بشؤون البيئة، والطاقة وغلاء المعيشة، ومن بينها «المنتدى الإسرائيلي للطاقة والبيئة» و«إسرائيل غالية علينا». وكانت رابطة «إنسان طبيعة وقانون» قد دعت أمس الأول، أعضاء الكنيست إلى عدم المصادقة على تصدير الغاز، مؤكدة أن لجنة «تسيمح» استندت في استنتاجاتها إلى تكهنات متفائلة جداً، وتوقعات حول حجم مخزون الغاز في إسرائيل. وأشارت هذه الرابطة، في بيان وزعته، إلى أنه لا أساس البتة لمزاعم الشركات، بأنه ليس هناك مبرر اقتصادي لتطوير حقل «لفيتان» إذا لم تمنح الفرصة لتصدير قسم من الغاز المنتج منه.
وفي إطار مساعيها الضاغطة تستضيف شركة «نوبل إنرجي» مؤتمراً حول غاز شرقي المتوسط، ولكن تحت غطاء مجلة «وورد أويل» (WORLD OIL) من الثامن إلى العاشر من نيسان الحالي في العاصمة القبرصية. وقد تمثلت إسرائيل بحضور كبير في هذا المؤتمر، الذي يجمع أيضاً يونانيين وقبارصة وخبراء عالميين. ومن بين المشاركين العرب في المؤتمر وفيق بيضون الموصوف في المؤتمر بأنه الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «توتال للاستكشاف والإنتاج، البحث والتكنولوجيا، الولايات المتحدة» (President and CEO, Total E&P Research & Technology USA, LLC)
ومن ناحية أخرى، التقى وزير الطاقة والمياه سيلفان شالوم مع مبعوث الرباعية الدولية طوني بلير، وتباحثا في الاتصالات المستجدة لتطوير حقل «Gaza Marine» الفلسطيني مقابل شاطئ غزة. واتهم شالوم بعد اللقاء الفلسطينيين بعرقلة مشاريع تطوير الغاز والمياه جراء نزاعات سياسية. وقال إنه «من مصلحة الفلسطينيين تطوير مواضيع اقتصادية تساعدهم في نهاية المطاف».
وفي نهاية اللقاء تقرر إنشاء طواقم مشتركة لتطوير مشاريع تتعلق بالطاقة والمياه والغاز. وتجدر الإشارة إلى أن تطوير حقل «Gaza Marine» الذي يضم حوالى 30 مليار متر مكعب من الغاز توقف منذ تولي حماس الحكم في غزة. وقد سبق ذلك خلافات شديدة أساسها عدم رغبة إسرائيل في استفادة الفلسطينيين من عوائد ومنافع هذا الحقل، وهو ما دعاها إلى تفضيل شراء الغاز المصري. وقد أعلنت شركة «بريتش غاز» التي تملك 60 في المئة من امتياز الحقل نيتها قبل عام بيع حصتها، لكنها عادت من جديد، بعد توقف الغاز المصري إلى إسرائيل، للتفاوض على تشغيل الحقل.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد