هل يستطيع بوش الأب إنقاذ بوش الابن
في الاسبوع الماضي، خسر الرئيس جورج بوش الابن مجلسي الكونغرس و16 جندياً أميركياً آخر في العراق، أُضيفوا إلى لائحة سوداء من 2828 قتيلاً في القوات الاميركية التي أرسلتها إدارته إلى العراق، منذ بدء غزوه لهذا البلد في العام ,2003 ومن دون إحراز أي تقدم يذكر هناك.
وفي الاسبوع ذاته، يقول الكاتب جون ميتشام في مقال منشور له في العدد الاخير من مجلة نيوزويك الاميركية، جلس بوش الأب في قاعة المؤتمرات في مكتبه في هوستن، لمشاهدة بث المؤتمر الصحافي الذي عقده ابنه بعد صدور نتائج الانتخابات. أضاف ميتشام أن بوش الاب استمع، فيما كان يتناول البيتزا، إلى بوش الابن يقول إن الخسارة في الكونغرس كانت ضخمة، ويعد بأن يعمل مع لجنة بيكر حول العراق، ويعلن أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سيستقيل. وبعد ساعتين، كان الرئيس في المكتب البيضاوي مع رامسفيلد وبديله: روبرت غايتس، مدير السي أي ايه في عهد الرئيس بوش الاب، ورئيس جامعة تكساس آي أند إم التي تضم مكتبته الرئاسية.
يضيف كاتب نيوزويك أن الشعب الاميركي قال كلمته، كما يقول السياسيون، في الاسبوع الماضي. إن انتخابات 2006 لا تدل على أن هناك ميلاً متلهفاً للالتفاف صوب اليسار، بل هو بالاحرى التماس لتحول من اليمين الصلب للمحافظين الجدد، إلى الوسط الذي يمثله الرجل العجوز في هيوستن.
ومع عودة ظهور أشخاص مجموعة دراسة الاوضاع في العراق، مثل بيكر، غايتس وآلان سمبسون وجميعهم أصدقاء قدامى لبوش الاب وإزالة رامسفيلد، المنافس القديم لبوش الاب منذ أيام الرئيس فورد، يلاحظ ميتشام أن هناك خطوة باتجاه الوسط الرحب. لقد كان هذا النصر الظاهري للبراغماتية على الإيديولوجية في العراق مرحباً به في الاعلام، على الاقل بالنسبة للشعب.
بكلمات أخرى، يسأل ميتشام: هل ساهم الرئيس الاميركي رقم 41 في إحضار غايتس إلى البنتاغون؟ البيت الابيض ينكر ذلك. لكن، وكما قال أحد أصدقاء الرئيس 41 لنيوزويك، فإن بصماته تملأ هذا الاجراء. يضيف كاتب نيوزويك أنه كما تقول الاغنية الاميركية اسألوا الاب...، لافتاً إلى أنها النصيحة التي ظلّ الرئيس جورج بوش الابن يأخذ بها لوقت طويل.
وفي هيوستن، بدأت الهواتف ترن. صحافيون يسألون إذا ما كان بالامكان للرئيس 41 أن يتحدث عن اهتزاز الرئيس .43 الجواب كان بالنفي. ورغم ذلك، يقول ميتشام، تحدث الواقع عن نفسه: لقد عاد فريق البابا. هو تصحيح لافت في مسار الحياة السياسية للابن، وربما أيضاً، في حياة الامة.
كان ما يناقشه البوشَان لوقت طويل موضع تخمين لا ينتهي. وقد ظلّت علاقتهما دوماً محفوفة بالسرية. ولعلّ الملاحظة المسجلة الاكثر بوحاً التي صدرت عن أحدهما، هي قول الابن لبوب وودوارد أن والده هو ليس الاب الذي يمكن الرجوع إليه في ما يتعلق بالقوة. ثمة أب أعلى أرجع إليه.
ومع اتجاه حرب العراق نحو منحى سيئ، فإن مكانة الرئيس بوش الاب، الرجل الذي تمكن من حصد 37 في المئة من أصوات الناخبين الاميركيين في العام ,1992 قد ازدادت. فهو الرئيس الذي رفع الضرائب وقلّص الانفاق المحلي في العام ,1990 ورفض تخطي تفويض الامم المتحدة بعدما طرد صدام حسين من الكويت، وأدار بمهارة نهاية الحرب الباردة وإعادة توحيد ألمانيا. ومن الواضح، بالنظر إلى ردة فعل الانتخابات على عدم اكتراث الابن بالحلفاء وبتفاصيل ما بعد حرب العراق، أن العديد من الاميركيين يحنّون لأن تعود مواهب وحساسية الرئيس بوش الاول إلى المكتب البيضاوي.
ويقول ميتشام: لقد عرفنا، في أعقاب أحداث 11 أيلول، فضائل رئيسنا. كان مليئاً بالعزم، مزدرياً لأي معارضة. مثل بطله ونستون تشرشل. رفض بوش الانتقادات. لكننا عرفنا أيضاً رذائل بوش: تصميمٌ قد يتحول إلى عناد، ورفضٌ للإنصات إلى الانتقاد قد ينمو إلى انعزال.
يضيف كاتب نيوزويك ان الرهان الذي أطلقه بوش في الشرق الاوسط ضخم، والتاريخ قد كُتب، والناس قد أُرسلوا بمقامرة كبيرة. لقد قامر المؤسسون الاميركيون مع بريطانيا في العام 1776؛ تشرشل قامر مع ألمانيا في 1940؛ ريغان قامر مع الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات. الخط بين النصر والمأساة رفيع، ورغم ذلك فالامور قد تنجح.
أو ربما علينا أن نؤمن بذلك. الايمان مهم للبوشيين، وكان كذلك دوماً. وبالعودة إلى الانجيل، يعلم الرئيس جيداً أن هناك آية في العهد الجديد مألوفة لدى السياسيين العريقين من ثيودور روزفلت وقريبه فرانكلين، إلى بريسكوت وجورج بوش الاب: إلى من أُعطِيَ الكثير، يُتوقَع منه الكثير. لقد أُعطِيَ الكثير إلى جورج بوش الابن. والآن، عند غروب ولايته، ومع دخول رجال والده مجدداً الميدان، فلقد مُنِحَ هبة رائعة ثانية: فرصة أخرى لوضع الامور في نصابها.
هذا الابن الذي ذكر والده الرئيس 41 أمام زواره، مرات عدة خلال السنوات القليلة الماضية، انه الرئيس 43 قد قرأ الانجيل بأكمله ليس مرة.. بل مرتين، يقولها الاب الفخور وهو يرفع إصبعين في الهواء.
المصدر: السفير نقلاً عن النيوزويك
إضافة تعليق جديد