المفتي حسون: أزمة سوريا سينهيها طيّبوها
منذ يومين، استقل مفتي سوريا أحمد حسون، وإلى جانبه محافظ مدينة طرطوس نزار موسى، سيارة متواضعة، وتوجها شرقاً إلى قرية المتراس التي عادت إلى سيطرة الدولة منذ أسابيع فقط، ولدهشة المسؤولين السوريين اسقبلا بالأرز والزغاريد، الأمر الذي دفع بالمفتي إلى التأكيد على أن زيارته المقبلة إلى طرطوس ستكون لقريتي زارة والحصن، وهما من أهم القرى التي تشهد تواجداً مكثفاً للمسلحين.
زيارة المفتي إلى طرطوس واللاذقية، التي استمرت أياماً وانتهت أمس الأول، اختتمها بزيارة مشابهة إلى بانياس، محاضراً في مركزها الثقافي، حيث عرض التلفزيون السوري شريطاً قصيراً لزيارة حسون محاطاً بالجماهير.
وبعيد عودته من قرية المتراس إلى اللاذقية، قال المفتي ، إن من سينقذ سوريا من أزمتها «هم الدراويش، أي الطيبون من أهلها»، ومن بينهم أهل القرية التي زارها.
وكدليل على كلامه، يذكر المفتي حسون اتصالاً هاتفياً تلقاه من رئيس «هيئة المصالحة الوطنية» صالح النعيمي، أبلغه فيه عن عودة ضابطين منشقين إلى الجيش، وخلفهم 25 جندياً أيضاً.
الحادثة تشكل فرقاً بالنسبة إلى المفتي، بعد جدل حول خطورة هذه الزيارات على شخص بأهميته، ومنطقه التصالحي الذي تحتاجه سوريا في أزمتها القاتلة. بل إنها تزيد من حماسته، بالرغم من ان رصاصات عدة اعترضت طريق عودته من مطار دمشق الدولي إلى منزله في دمشق أمس الأول.
وخاطب المفتي اهل المتراس: «شاكراً، لأنهم منعوا تدمير بلدتهم، لا سيما من الذين جاؤوا وافدين من خارج سوريا»، في إشارة إلى المسلحين الأجانب.
ويرى المفتي أن جل المعارضة السورية «غرر بها، وضللت باتجاه حمل السلاح ضد جيش بلادها»، معتبراً أن من أسباب هذا «الضلال»، كما يصفه، «الضغط الإعلامي والسياسي الذي يشوه الحقيقة، وانحسار هذا الضغط بدأ يعيد الناس إلى التفكير الصواب».
في خطبته في المتراس، دعا حسون أهل القرية إلى تشجيع جيرانهم في قريتي زارة والحصن على تسليم سلاحهم، مقسماً على زيارتهم، و«زيارة كل مكان في سوريا» إذا تطلب الأمر.
ولكن عند سؤاله إن كان يلقي كل اللوم في ما جرى خلال العامين الأخيرين على «الخارج»، يحمّل حسون المؤسسات الحكومية جزءاً من المسؤولية. «عانينا من مشكلة بدأت منذ العام 1978. حين بدأ الرئيس الراحل حافظ الأسد حركته التصحيحية منذ العام 1970، قفزت الدولة قفزات مذهلة إلى الأمام، لكن بعدها أصاب الترهل القيادات الحزبية والمؤسسات الدينية والاقتصادية والسياسية، فجاءت أحداث العام 1980 وجعلتنا نستيقظ مرة أخرى، على عدو خارجي وداخلي، الداخلي تمثل بالترهل والمحسوبية والمافيات، والخارجي الذي كان يترصد بالأمة لتبقى ضعيفة».
ويضيف المفتي: «استطعنا أن نخرج من الأزمة بين العامين 1984 و1985، وبقينا حتى العام 1998 نحاول تضميد الجراح، وحين جاء الرئيس بشار الأسد، حاول التصحيح ففتح باباً واسعاً للحوار، وأعتقد أن قسماً كبيراً ممن حوله لم يستوعب هذا الانفتاح بهدف تطوير فكر شبابنا وتأهيلهم ليكونوا جزءاً من السلطة في المستقبل».
ووفقاً لقناعة المفتي، فإن القيادة كانت ترغب حينها «بأن لا تكون السلطة مع طرف واحد أو جهة واحدة»، مشيراً إلى أن الرئيس السوري أخبره بهذا الأمر شخصياً، مشدداً على «ضرورة وجود معارضة ودور فاعل لها في السلطة إلى جانب حزب البعث، لأن المعارضة هي المصححة لأخطاء السلطة».
ويشرح حسون أن فصل الطلاب أثناء تدريس المادتين، وهو تقليد تربوي في سوريا، هو «بداية الخطأ»، ومن الأفضل «أن نجعل أبناءنا يحفظون ما قاله الأنبياء محمد وموسى وعيسى وإبراهيم عن الصدق والأمانة والوفاء والحب والعبادة والأخلاق، علهم يفهمون أن كل الشرائع فيها العبادات نفسها، لأنه حين يفصل المسيحي عن المسلم في الصف، يبدأ الخطأ منذ تلك اللحظة».
وسألنا المفتي إن كان يقيم اتصالات مع سياسيين معارضين، فأشار إلى اتصال هاتفي جرى بينه وبين رئيس «هيئة التنسيق الوطنية في الخارج» هيثم مناع، «شكرته على موقفه المعتدل في الإعلام، وإن كنت أختلف معه في بعض المواضيع». كما ذكر حسون أنه أجرى اتصالاً هاتفياً «مع بعض الأخوة الفنانين الذين وقفوا في المعارضة»، في إشارة إلى الفنان جمال سليمان، الذي توفي والداه خلال فترة متقاربة أخيراً، «قلت لهم بلدكم بلدنا، ونحن معكم في نقد الخطأ وتصحيحه، ولكن لسنا معكم في تدمير سوريا والهجوم عليها، ولا في تصحيح الخطأ من خارجها».
ورأى المفتي أن الاختلاف يجب أن يتم استيعابه، معلناً أنه «مستعد للاتصال بكل المعارضين، إلا من قتل أو حمل سلاحاً، أو دعا إلى قصف سوريا، أو وضعها تحت الفصل السابع».
وهنا يذكر حسون أنه حين كان عائداً من زيارة رسمية إلى موسكو منذ أسابيع عدة، طلب العراقيون إنزال الطائرة بغرض تفتيشها، وقال إن ضابطاً عراقياً صعد ليفتش الطائرة «وهو في حرج، فقال من على درج الطائرة: لا أدخل طائرتكم إلا ضيفاً أو راكباً، ولكن سامحونا نحن تحت الفصل السابع، وأجواؤنا مستعمرة».
وينتقد المفتي «الإخوان المسلمين»، معتبرا أنها انحرفت عن دعوى مؤسسها حسن البنا، الذي «أنشأ جمعية لا حزباً، جمعية تثقيفية اقتصادية لشعب مصر وفقرائه، ولم ينشئ تنظيماً إرهابياً أو سياسياً أو عالمياً».
ودعا حسون «الإخوان المسلمين» إلى الابتعاد عن الشعارات الدينية، إذا أرادوا السلطة، وأن لا يستميلوا الناس بالدين، كما جدد إعلانه عن رفض إنشاء الأحزاب السياسية «تحت مظلة دينية»، مشيراً إلى «الحزب الديموقراطي المسيحي» في ألمانيا كمثال خارجي، و«حزب التحرير الإسلامي» كمثال إقليمي.
واعتبر حسون أن الله سيحاسب «الوهابيين التكفيريين» على ما فعلوه بالعالم، عبر تحريم الاختلاف وتكفير الآخر، معتبراً أيضاً أن «الوهابية السائدة تختلف عن تلك التي ابتدعها محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية»، بالرغم من ملاحظاته السلبية على الاثنين معاً. وقال إن «الله سيحاسبهم على ما فعلوه في العالم الإسلامي، من تمزيق وتفريق لأبنائه وأطيافه الذين هم من ثرائه، والله تعالى قال (ولا يزلن مختلفين، إلا من رحم ربه) فلنحترم الاختلاف، فهو ابداع الله».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد