كومبيوتر- «قارئ» يتعامل مع النصوص بطريقة البشر
استعدوا لجيل من الحواسيب، بإمكانه أن يقرأ ملايين النصوص ويفهم العلاقة بين الحروف. في معمل بجوار ضفة أحد أنهار شمال غربي مدينة نيويورك، يجرى العمل على صنع كومبيوتر يمكنه القراءة مباشرة، وعلى طريقة البشر: القراءة مع فهم النصوص المقروءة. ويندرج ذلك الكومبيوتر- «القارئ» ضمن سلسلة مشابهة من الحواسيب التي تتعلم أن تقرأ كما يفعل الإنسان، ما يمنحها القدرة على استيعاب وفهم أعداد هائلة من النصوص.
تمّت تسمية الكومبيوتر- «القارئ» بأنه «محرك فض السريّة» Declassification Engine. ويستطيع تمشيط 4.5 مليون برقية لوزارة الخارجيّة الأميركيّة تم تداولها بين عامي 1930 و1980، وخرجت تلك البرقيات أخيراً من إطار التداول السري.
بالتأكيد، يفوق ذلك العدد من البرقيات قدرة الكائن البشري على القراءة. لكن، ووفقاً لما نقلته أخيراً مجلة «نيوساينتست» الأميركيّة عن لسان عالم البرمجيات أوين رامبو، وهو أحد المشرفين على المشروع في «جامعة كولومبيا»، يستطيع الحاسوب- «القارئ» إجراء عمليات تحليل، ورسم خرائط للعلاقات الاجتماعية بغية البحث عن تفسيرات جديدة لسلوكيات الديبلوماسيين الأميركيين خارج الولايات المتحدة على امتداد القرن العشرين.
وتوضيحاً لطريقة عمل الكومبيوتر- «القارئ»، بيّن رامبو أن تحليل لـقاءات وزراء خارجية الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، يتيح تفهم شبـــكات العلاقات الديبلوماسية الأميركيّة في ظروف متنوّعة، كأن يظهر الفوارق بين تلك الشبكات في أحوال الأزمات بالمقارنة بأوضاعها عندما تكون الأمور عاديّة.
القراءة الآلية... الآن
هل يمكن وصف ذلك الحاسوب بأنّه «القارئ الافتراضي الأول» حقيقة؟ ماذا عن برمجيات القراءة في مواقع الترجمة الآليّة، أو في محركات البحث على الإنترنت؟
يسارع خبراء المشروع إلى تأكيد صفاته المميّزة، التي تتصدّرها سرعته الفائقة في القراءة. وفي ملمحٍ ثانٍ، عمل الاختصاصيّون على تدريب ذلك الحاسوب على منحى الأنسنة في القراءة، بمعنى القدرة على تحليل العلاقة بين الحروف والكلمات. وحاضراً، يستطيع «غوغل» الإجابة عن سؤال كـ «ما هو اسم الرئيس الأميركي»؟، لكن الحاسوب- «القارئ» يستطيع الإجابة على سؤال من نوع: «ماذا فعل باراك أوباما كي يتمكن من الفوز برئاسة الولايات المتحدة؟
وللتوصّل إلى إجابة، يمشط الكومبيوتر- «القارئ» مئات آلاف المقالات عن ذلك الموضوع، ثم يعمل على تحليلها بسرعة فائقة، كي يتوصّل إلى رسم إجابة عن السؤال السابق. وأكّدت ذلك الأمر أيضاً سنجدا شاتورفدي، وهي اختصاصيّة في علوم الحاسوب من «جامعة ميريلاند».
بقول آخر، تستطيع برمجيات القراءة الآليّة توفير معلومات من النصوص، لكن الكومبيوتر- «القارئ» ربما امتلك القدرة على التحليل والرأي.
وعلى المستوى العملي، إذا افترضنا أن باحثاً أراد استخدام ذلك الحاسوب في بحث للتعرّف على أبرز الحوادث التاريخيّة خلال سبعينيات القرن الماضي، فهل يصل إلى النتيجة نفسها التي يخلص إليها مؤرّخ عن ذلك السؤال عينه؟
أجرت مجموعة من الاختصاصيّين تجربة عمليّة عن ذلك الأمر. ووجهوا ذلك السؤال إلى الكومبيوتر- «القارئ» الذي قدّم إجابته استناداً إلى تحليل قرابة مليون وسبعة آلاف برقيّة للخارجية الأميركيّة بين عامي 1973 و1977. وجاءت الإجابة على النحو التالي:
- فوز جيمي كارتر برئاسة أميركا (1977).
- زيارة السادات لإسرائيل (1977)
- سقوط جنوب فيتنام (1975).
- أزمة هروب اللاجئين الفيتناميّين من الحكومة الشيوعيّة في بلادهم (1977).
- تنازل الولايات المتحدة عن السيطرة على قناة بنما (1977).
- حرب «يوم الغفران» (= حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973)
- الغزو التركي لقبرص (1974).
- تحرر أنغولا من قبضة البرتغال (1975).
- الأمم المتحدة تفرض حظراً على الأسلحة في جنوب أفريقيا (1977).
ووفق تقرير جوزيف برنشتاين، المحرّر المختص في المعلوماتيّة في موقع «باز فيد نيوز» Buzz Feed News، وُجّهَت الأسئلة عينها من فريق تطوير الكومبيوتر- «القارئ» إلى المؤرخ الأميركي دانيل سيرجانت، مؤلف كتاب «تاريخ العلاقات الخارجيّة الأميركيّة»، بهدف تحليل دقة البيانات التي توصّل إليها ذلك الحاسوب. وتقاطعت إجابة سيرجانت مع كثير مما أورده ذلك الكومبيوتر، لكن المؤرّخ أضاف بعض الوقائع التاريخيّة التي لم يتمكن الحاسوب من رصد أهميّتها، من بينها نهاية الحقبة الشيوعيّة على طريقة ماوتسي تونغ في الصين.
وبالمحصلة، اعتبر فريق «جامعة كولومبيا» الفوارق بين إجابتي الكومبيوتر- «القارئ» والمؤرّخ أمراً إيجابيّاً، لأسباب كثيرة من بينها كون الفوارق متوقّعة أساساً، وهي لم تكن كبيرة تماماً.
وعلى رغم ذلك، لا يزال هناك كثير من الجهود التي يتوقع أن يبذلها فريق الكومبيوتر- «القارئ» في «جامعة كولومبيا». ووفق رؤية البروفسور ماثيو كونلي، وهو مسؤول الفريق وأستاذ التاريخ في «جامعة كولومبيا»، تشمل تلك الجهود تطوير قدرة ذلك الكومبيوتر كي يغدو قادراً على تمييز الأسماء المتشابهة، والتدقيق في درجة سريّة المعلومات وما إلى ذلك.
إبراهيم فرغلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد