شقيقة الأبد… تبتسم
في أمسيتين على التوالي، خيل إليَّ أنني أرى عرَّابة الزمن وشقيقة الأبد دمشق، تبتسم، بكامل سحرها، وطهر بهائها، فازددت يقيناً أن بياض ياسمينها سيفرض عطره بالضربة القاضية على أبناء الظلام المحليين وكل من يساندونهم من قوى الفاشية العالمية.
تخيلت دمشق تبتسم إثر خروجي من العرض المسرحي الرشيق العميق، (فابريكا) الذي سبكه وصاغ نقوشه الصائغ المعلم أيمن زيدان، الذي نجح من خلال الإعداد البارع والتناغم المنجز مع فريقه الفني في تجاوز خصوصية نص براتسلاف نوشيتش، المتصلة بالمجتمع اليوغسلافي، ليوصل النص إلى أفقه الإنساني الأوسع، وليقدم لنا عرضاً جذاباً ممتعاً متناسقاً، يسخر من تناقضاتنا، ويحفزنا على التفكير بها، بغية تجاوزها، وصولاً للتحرر منها.
المفاجئ في هذا العرض، هو أن المبدع أيمن زيدان، قد توصل إلى الصيغة الفنية الأرقى والأكثر صعوبة، التي يغدو فيها الشكل هو المضمون؛ إذ تمكن من خلال الاستخدام المحكم للأقنعة التي تبدو الشخصيات من خلالها ذات وجهين، أن يكشف لنا بواطن شخصياته الخبيئة وأن يمرر لنا، بسلاسة ووضوح، المقولة الأساسية لعمله المسرحي الهادف.
في مسرحية «فابريكا» يؤكد الفنان المتمكن محمد حداقي معلميته ونجوميته، ويواصل المبدع الجميل لجين إسماعيل تطوير أدواته وتعزيز حضوره الحيوي الأخاذ، ويتكشف خوشناف ظاظا عن قدرات كوميدية لافتة، وكل ما سبق ما كان له أن يتحقق لولا المساندة الإبداعية الخلاقة من الفنانات المبدعات لوريس قزق ونجاح مختار ولمى بدور، ولا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نقف باحترام عند موسيقا المبدع الجميل سمير كويفاتي التي جاءت من داخل صيغة العرض لا زينة ملصقة به.
في عرض فابريكا، أسعدني أنني رأيت مواهب الفنان الشاب حازم زيدان، تتفتح وتفرض جاذبيتها على الخشبة، بقوة وتلقائية تذكر بإطلالة والده الأولى الساحرة على المسرح، والحق أنني في لحظة من اللحظات، مزجت بين مشهدين تفصل بينهما أكثر من ثلاثة عقود، إذ رأيت صورة حازم زيدان وهو يقف فوق السقالة في (فابريكا) وهي تمتزج بصورة أيمن زيدان وهو يؤدي شخصية الشيخ سعيد الغبرة في مسرحية أبي خليل القباني لسعد الله ونوس التي أخرجها طيب الذكر فواز الساجر.
رأيت دمشق تبتسم مرة ثانية أمس الأول في الصالة الرئيسية لدار الأوبرا السورية، التي شهدت حفل افتتاح مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الخامس، الذي سيستمر حتى الثالث من أيار القادم.
فرغم الحرب التي تعربد على بعد بضعة كيلو مترات في الحجر الأكثر سواداً، احتضنت دمشق مساء الجمعة الماضي المبدعين من أبنائها السينمائيين، كما ضمت الى صدرها عدداً من أبرز السينمائيين المقاومين العرب من تونس والعراق ومصر، لتؤكد من خلال حضورهم فيها أن العرب هم قلب دمشق، ودمشق هي قلبهم النابض.
صحيح أن فقرات حفل الافتتاح كانت أكثر وأطول مما ينبغي، إلا أن الحفل العام كان ممتعاً ومبهجاً ويستحق كل من شاركوا في إحيائه التحية. وقد كان للزميلة الإعلامية أنسام السيد نصيب كبير من اسمها أثناء الحفل إلا أن حضورها اللطيف ولفظها السليم لم يساعد الإخوة العرب في فهم الزجل الذي ألقته باللهجة العامية!
والحق أنه من غير المفهوم الاتكاء على الزجل المحلي في احتفالية ثقافية راقية ذات آفاق عربية!رغم كل البشاعات التي يدبرها أعداء الحياة ضد دمشق إلا أنها لا تزال تنبض ثقافة. دمشق تحيا… تحيا دمشق!
حسن م يوسف - الوطن
إضافة تعليق جديد