فايروس كورونا يعني الإفلاس لأمريكا

30-03-2020

فايروس كورونا يعني الإفلاس لأمريكا

الكاتب: دوغ باندوو(Dough Bandow)- ترجمة:  لينا جبور


يجب على ترامب الخروج من الجحيم في سورية

تعاني الولاياتُ المتحدة من الناحية الاقتصادية. قبل ظهور الفايروس التاجي الخبيث، كان من المقرّر أن تدير واشنطن عجزاً سنويّاً بقيمة تريليون دولار هذا العام حسب رؤيتنا المستقبلية الممكنة. ستنخفض الإيرادات وسترتفع النفقات هذا العام، على الأقل، نتيجة لانكماش الاقتصاد بشكل حاد. ويستعد الكونغرس لتمرير حزمة "حوافز" بقيمة تريليون دولار كأولوية. لماذا ما زلنا في سورية؟

تُواصل إدارة ترامب كلَّ يوم ضخ أموال ضخمة بعد كل النتائج السيئة التي حصدتها. ومع ذلك، تستمر حروب أمريكا التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. إذا توقفت الولايات المتحدة غداً، فسوف توفر ما يقدر بـ 6.4 تريليونات دولار ستنفقها على الصّراعات التي انتهت بشكل عام على نحو كارثيّ: أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن. لماذا؟

تقوم واشنطن بصنع حروب لا أخلاقية في ظل تقديرات نسبية: فَقَدَ الشرق الأوسط أهميته الاستراتيجية. لا أحد يهدد بالاستيلاء على النفط الذي يعتمد عليه الغرب. لا أحد يهدد بقاء "إسرائيل"، القوة العظمى الإقليمية. ما المبرر المتاح للأمريكيين لمواصلة محاولتهم هندسة إحدى أكثر مناطق العالم انقساماً واضطراباً على المستوى الاجتماعيّ؟

لا يكفي أن نقول لا لأية حملات صليبية جيوسياسية جديدة، مثل الحرب مع إيران، والتي ستكون كارثة إقليمية في حالِ نشوبها. يجب على الولايات المتحدة الانسحاب من الصراعات القائمة. يجب أن تتوقف ببساطة عن دعم السعودية في حربها على اليمن. وكذلك يجب الخروج من العراق مع تزايد الغضب ضد واشنطن لتوجيهها الضربات ضد القوات الموالية لإيران على الأراضي العراقية.

ويبقى الأهم هو مغادرة سورية. لم ينجح المسؤولون الأمريكيون على مدى تسع سنوات في محاولة رسم نتيجة لهذا الصّراع. يجب على الإدارة سحب القوات الأمريكية، وترك سلطات المنطقة لإيجاد الحلّ لمستقبل ذلك البلد.

لم يكن لتورط واشنطن في سورية أيّ معنى على الإطلاق. لم يكن الرئيس بشار الأسد صديقاً لأمريكا، ولكنه لم يهدد أبداً الولايات المتحدة ولم تخض دمشق مواجهه مع "إسرائيل" منذ سنوات.

كانت الحرب السورية مأساة، ولكنها تبدو أكثر تعقيداً مما تم تصويره في كثير من الأحيان. قام المتمردون الجهاديون بقتل الكثيرين بشكل وحشي، حتى باستخدام الأسلحة الكيميائية. لكن مع غياب حسمٍ عسكري فعّال ومعتدل سياسياً –كانت محاولة أمريكا للعثور على مثل هؤلاء المقاتلين ومساعدتهم غير فعالة ومأساوية، ودون كفاية– فكانت أفضل نتيجة لواشنطن هي بقاء الرئيس الأسد. كان نقل الدولة القومية إلى الراديكاليين الإسلاميين بمثابة الشبح الرهيب الذي تتخذه الولايات المتحدة ذريعة للتدخل في مثل هذه الصراعات. كانت رغبة إدارة أوباما في تحقيق هذه الغاية، سواء أكانت متعمدة أم لا، ضارة، بل وغريبة.

لا نستطيع التحدث عن سياسة ترامب الخارجيّة وعملية صنع القرار إلا بالسوء. ومع ذلك، يبدو أنه وحده في الإدارة يفهم ضرورة مغادرة سورية –فهو يحيط نفسه بأعضاء من حشد "الحرب التي لا نهاية لها". عندما طُلب منه في عام 2017 تعزيز الجيش الأمريكيّ هناك، رد قائلاً: «أنا لن أرسل أي قوات أخرى إلى سورية. سأسلح الأكراد، وسآخذ الرقة، وأُخرج "داعش" من هناك، ثم أخرج من الجحيم في سورية».

 بعد ثلاث سنوات، تبقى النتيجة الوحيدة المناسبة هي: «اخرجوا من الجحيم في سورية».

ومع ذلك لا تزال الرغبة في لعب دور المهندس الاجتماعيّ، وتجاهل الدِّين والجغرافيا والتاريخ والعقيدة والاهتمام والثقافة، قوية. كتب "جوش روجين"، كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، مقالاً حول "لماذا يجب أن يهتم الأمريكيون بسورية" في 5 آذار/مارس، بينما تنزلق بلادهم نحو أزمة بسبب فيروس كورونا COVID-19، في الواقع، يعكس المقال الحالة ببراعة. [يدحض روجين ببراعة حجج وادعاءات الولايات المتحدة].

ذرائع روجين:

1.    إنَّ «ما يحدث في سورية لن يبقى في سورية. إذ ستزعزع موجة جديدة من اللاجئين استقرار الديمقراطيات الأوروبية». بالتأكيد، لكن تضاهي تلك "الديمقراطيات الأوروبية" الولايات المتحدة في القوة الاقتصادية وتتجاوز أمريكا في عدد السكان. لنترك الأوروبيين، بعد سنوات من التهرب، يواجهون مشكلة عسكرية بدلاً من افتراض أنها مسؤولية واشنطن. فالأمريكيون في واشنطن بعد كل شيء –إذا لم يلاحظوا– مشغولون بمشاكلهم الخاصة في الوقت الحالي.

2. إنَّ «للولايات المتحدة مصالحَ في جميع أنحاء المنطقة ستهددها الفوضى المتصاعدة». لقد كان في الشرق الأوسط فوضى عارمة منذ سنوات. وكانت سياسات الولايات المتحدة السبب في الكثير من هذه الفوضى. دمرت واشنطن الديمقراطية في إيران، وفجرت العراق، وساعدت في تدمير ليبيا، وتواصل المساعدة في تفكيك اليمن. إن القول بأن المصالح تقتضي ذلك لا يعني أنها مهمة بما يكفي لتبرير الحرب، أو أنَّ العمل العسكري يمكن أن ينقذها. ما الذي فعله صانعو السياسة الأمريكيون في العقدين الماضيين ليقترحوا أنهم قادرون على إصلاح سورية؟

3. «ستغتنم "الدولة الإسلامية" "داعش" الفرصة لإحياء نفسها. في النهاية، سيهاجم مقاتلوها، عندما تستعيد قواها، الأمريكيين حيثما استطاعوا». في الواقع، انشق "داعش" بشراسة عن "القاعدة" في سعيه لإنشاء "دولة الخلافة"، أو" شبه الدولة"، وليس من أجل مهاجمة العدو البعيد، المتمثل في الولايات المتحدة. إن الأمريكيين الوحيدين الذين قتلوا على يد "داعش" قبل تدخل واشنطن هم أولئك الذين سافروا إلى سورية. على أي حال، يبقى "داعش" بصفته تنظيماً وحركةً الجهة التي تعارضها الحكومات والجماعات كافةً في المنطقة –من قبيل: سورية وإيران والعراق والأردن وتركيا ودول الخليج و"إسرائيل" والأكراد وحزب الله– وكذلك الأجانب روسيا وأوروبا. هل ترى واشنطن هذا الطاغوت الناشئ لـ "داعش" كبيراً إلى درجة أنها هي وحدها هي التي يمكنها وقف نهوضه؟

4. إذا استعاد الرئيس الأسد إدلب، «سيكون هدفه التالي هو شمال شرق سورية، حيث يتمركز مئات الجنود الأمريكيين، الأمر الذي سيجعل هذا الوضع مشكلتنا». في الواقع، هذه ليست مشكلة. ويمكن وينبغي سحب هؤلاء الموظفين. إنهم يحتلون بشكل غير قانوني دولة أخرى، بدون سلطة الكونغرس ولا سلطة الأمم المتحدة، ولا يوجد سبب استراتيجي جيد.

5. «عندما نسحب تلك القوات، سنفقد كلّ النفوذ للدفع باتجاه حلٍّ سياسيٍّ». في مرحلة ما، كان الرئيس الأسد يقاتل عسكرياً بينما كانت واشنطن تموّل المتمردين، وكانت مجموعة من الدول الأخرى، وعلى الأخص تركيا ودول الخليج، تساعد خصومه أيضاً. لم يكسبنا هذا "النفوذ" أي شيء. اليوم لقد انتصر الأسد في الحرب، ويحاول استعادة المنطقة الأخيرة، إدلب، من قبضة المتمردين. فهل تتوقع واشنطن الآن أنها تستطيع الضغط عليه لإبعاده عن السلطة؟

6. «سيقوم "داعش" وإيران بملء الفراغ». في الواقع، من المرجح أن تملأ الحكومة السورية، بدعم من روسيا وإيران، الفراغ. كان من بين التناقضات الأساسية في سياسة الولايات المتحدة محاولة القضاء على "داعش" أثناء محاولتها الإطاحة بالأسد، العدو الرئيس للتنظيم. فشل هذا الجهد عندما اضطرت أمريكا إلى التركيز على تنظيم "داعش"؛ بينما كان يستهدف الأسد المتمردين الآخرين. سمح ذلك للأسد بالسيطرة على بقية بلاده، وسيحارب أي عودة لـ "داعش". أما إيران فهي بالفعل في سورية بدعوة من الحكومة، ووجودها مدفوع بوجود حركات تمرد مدعومة من أمريكا. لن يهم وصول طهران بحرّية إلى الشمال السوري أمريكا ولا حتى "إسرائيل"، إذ أثبتت هذه الأخيرة قدرتها على ضمان أمنها.

7. «مع بضع مئات من الجنود وبعض المساعدة لحلفائنا، يمكن إنقاذ حياة الملايين من حكم الأسد». بعد وقوفها على الحياد لمدة تسع سنوات بينما تدمر الحرب سورية، فات الأوان على تخيُّل أن واشنطن تفعل الكثير لحماية المدنيين هناك. على أي حال، ليس من الواضح كيف سيتم تحقيق ذلك تماماً. بالتأكيد ليس بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر. إن دعم تركيا، التي ذبحت مدنيين أكراداً في تركيا قبل غزو سورية بشكل غير قانوني، لقتل الأكراد هناك، سيكون خطوة غريبة باسم الإنسانية. (ناهيك عن انزلاق أنقرة المحليّ نحو الاستبداد والإسلاميين، والتدخل في الحرب الأهلية في ليبيا، والتحالف مع روسيا). ولا يُعد إبقاء إدلب تحت حكم مجموعة من الإسلاميين، بقيادة جماعتي "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" المرتبطتين بالقاعدة، وغيرهما من الجماعات الجهادية المشكوك فيها أيضاً، حلاً إنسانياً. ولا يصب هذا كله في مصلحة أمريكا. أخيراً، لا يحتمل أن تتنازل سورية، بدعم من إيران وروسيا، طوعاً عن أراضٍ ذات سيادة، فإن أي تدخّل أمريكي لن يقدم أي ميزة أمريكية أو مصلحة ملحوظة.

8. نقلاً عن ديفيد ميليباند من لجنة الإنقاذ الدولية، «ستصبح الحرب في سورية، بشكل خطير، سابقة لطبيعة جديدة للصّراعات الوحشية والمقسّمة والمعدية». احتدمَ الصّراع لمدة تسع سنوات وقتل أكثر من نصف مليون شخص. إذا أصبحت هذه الحرب سابقة لنوع جديد من الصراعات يمكن تكرارها في الصّراعات المستقبلية، فهي بالفعل كذلك. ومع ذلك، لقد شهد الماضي الكثير من الصراعات الرهيبة التي دامت طويلاً، والتي اندلعت ودمرت دون تمييز: أفغانستان وبورما / ميانمار وبوروندي وكولومبيا ورواندا وسريلانكا والسودان واليمن وزائير / جمهورية الكونغو الديمقراطية. وإذا رجعنا إلى التاريخ قليلاً: الجزائر وأنغولا وكمبوديا / كمبوتشيا وإثيوبيا وموزمبيق ونيجيريا. للأسف، لقد تكرست هذه السابقة الدموية للغاية.

9. «إذا لم يقتنع الأمريكيون بالحجج الأخلاقية أو الاستراتيجية، ففكِّرْ في هذا الأمر: هناك ما لا يقل عن ستة مواطنين أمريكيين محتجزين كسجناء من قبل الحكومة السورية الآن ... ستنخفض فرصنا في التفاوض على إطلاق سراحهم إذا غادرنا سورية ولم يكن لنا دور نؤدّيه في مستقبلها». إذا لم تتمكن واشنطن من تحقيق مطلبها لتأدية دور في مستقبل سورية وإطلاق سراحهم بعد ثماني سنوات –فُقِدَ أوستن تايس في عام 2012– فمن غير المحتمل أن تتمكن من فعل ذلك في المستقبل. ولكن إذا تخلى المسؤولون الأمريكيون عن تصميمهم على الإطاحة بالحكومة السورية، فستكون لديهم فرصة أفضل بكثير لإطلاق سراح الأشخاص. على كل حال، تبقى هذه مجرد مساومات لدمشق.

 

الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...