أفكار من العالم الآخر: المحكومون بأفيون الأمل

21-12-2021

أفكار من العالم الآخر: المحكومون بأفيون الأمل

الأيهم صالح: بعد أن ذاق المجتمع الأمريكي مرارة سنوات طويلة من حكم عائلتي الجرائم بوش وكلينتون، ظهر في أمريكا مرشح يتبنى سياسات التغيير ويعد الأمريكيين بالتحول من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد السلام، وصدقه ملايين الأمريكيين، ليكتشفوا لاحقا أنه ليس إلا ممثل عائلة روكفلر الإجرامية، وأنه الأكثر إجراما وقتلا بين من سبقوه.

وعندما وعد ترامب الأمريكيين بتجفيف مستنقعات واشنطن، وباستعادة مجد أمريكا السابق، صدقه ملايين الأمريكيين، ليكتشفوا لاحقا أنه ليس إلا أحد كائنات المستنقعات، وأنه مشروعه الحقيقي هو توسيع مستنقعات واشنطن لتشمل عائلته الإجرامية. وكعادة الشعوب المحكومة بالأمل، سار ملايين الأمريكان خلف عائلة بايدن الإجرامية التي أعطتهم أملا بالتخلص من حكم عائلة ترامب الإجرامية.

أستطيع أن أورد مئات الأمثلة من التاريخ عن الشعوب المحكومة بالأمل، هل تذكرون آمال جيل آبائنا في حكم العسكر المصريين والسوريين والعراقيين، وهل تذكرون آمال جيلنا في جيل الحكام الشباب في بداية هذا القرن؟ وهل ترون النتائج الفعلية لحكم العائلات الإجرامية في مجتمعاتنا؟

لم يعد الدين أفيون الشعوب. أصبح الأمل أفيون الشعوب، تستطيع أية عائلة إجرامية أن تشتري بروباغاندا تخدر الناس أو تنومهم على زبد الوعود المداف في عسل الكلام، ثم تقودهم كالقطعان إلى تجمعات التأييد وبعدها إلى صناديق الانتخاب. العائلات الإجرامية تَحكُم بقوة المال، والشعوب تُحكَم بأفيون الأمل، والتاريخ مستمر في تقديم الأمثلة على ذلك.

استطاعت الشعوب في حالات قليلة فقط أن تنهي التاريخ الذي كانت تعيشه وتفتح صفحة جديدة في تاريخها، في بعض هذه الحالات مثلا نجح غاندي وحركته في إنهاء الاحتلال البريطاني للهند، ونجح ثوار الجزائر في إنهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر، ونجحت المقاومة اللبنانية في دحر الاحتلال الاسرائيلي بعد أن سيطر على بيروت.

من استطاعوا إنهاء التاريخ لم يتعاطوا أفيون الأمل، ولكنهم قاموا بالعمل. لم يتبن غاندي آمالا زائفة بتغير الوضع مع الحاكم الجديد، ولا بتغير الوضع مع الحكومة البريطانية الجديدة، ولا بتغير الوضع مع قرارات عصبة الأمم. بدلا من الأمل تبنى غاندي العمل المنطلق على مبدأ عدم الخضوع. كل ما فعله هو الرفض، رفض الخضوع، قول لا. هذه الفكرة هي نقيض أفيون الأمل، وبداية العمل.

ورغم كل بروباغاندا الأمل ووعود الحكومات بالحل، تبنت المقاومة اللبنانية مبدأ عدم الخضوع بكل أطيافها. وبدؤوا العمل على التخلص منه. مرت سنوات طويلة، وحروب عديدة، والمقاومة اللبنانية ترفض أن تموت وتقول لهم أنها باقية. حاولت عائلة الحريري الإجرامية إخضاعها، وحاولت عائلة آل سعود الإجرامية إخضاعها، وحاولت عصابات الإجرام الإسرائيلي إخضاعها، وحاولت كل عائلات الإجرام التي تحكم العالم إخضاعها، ولكن المقاومة مازالت حية ومازالت ترفض الخضوع.

تعلمنا دروس التاريخ أنه عندما تشدد السلطة القائمة ضغوطها لإخضاع الناس، يخضع الكثيرون لأنهم معتادون على الخضوع، ويعتقد الكثيرون غيرهم أن الخضوع هو الخيار الوحيد في انتظار أمل قادم، وأن رفض الخضوع ليس حلا ولا يأتي بنتيجة، ولكن قلة قليلة ترفض الخضوع، وبمجرد رفضها للخضوع وإعلانها للمقاومة، تنفتح لها آفاق كثيرة لم تكن واضحة قبل قول كلمة لا. هذه القلة القليلة التي ترفض الخضوع، وترفض تعاطي أفيون الأمل، هي من ينهي التاريخ ويفتح تاريخ جديدا.

نشهد حاليا حركة الرفض والمقاومة التي تستعر في أغلب بلدان العالم تحت شعار رفض الخضوع وتهدف لإيقاف سيطرة عائلات الإجرام على المجتمعات، أي أنها تهدف عمليا لإنهاء التاريخ الذي نعيشه حاليا، ولبداية تاريخ جديد. هذا ليس سهلا، ولكنه ليس مستحيلا. يعرف من يمارسون العمل بدلا من تعاطي الأمل أن عليهم تقديم تضحيات كبيرة بمجرد رفض الخضوع. غاندي كان واضحا مع نفسه وقومه في ذلك، وقد دخل السجن وتعرض للكثير من الأذى هو أنصاره بشكل شخصي، ثم قتل. شعب الجزائر تعرض لمذبحة جماعية، وشعب لبنان تعرض للغزو والتدمير عدة مرات.

يجب أن يكون من يريد أن ينهي التاريخ مستعدا لدفع الثمن. وبوليس أوروبا وأستراليا ونيوزيلاند يوضح أن الثمن لن يكون رخيصا. لم يكن رفض الخضوع للسلطة أمرا سهلا في أي يوم ولا في أي مكان. والخاضعون للسلطة لا يحبون المتمردين ولا يرغبون باستمرار أي تمرد. ولكن بالمقابل لننظر إلى دروس التاريخ من المجتمعات التي تخضع بشكل كامل. انظروا إلى ما حصل في ألمانيا النازية بعد استقرار حكم هتلر، وكيف تم سجن واستعباد مئات الآلاف من الألمان بحجج مختلفة. انظروا إلى ما حصل في الاتحاد السوفييتي بعد استقرار حكم ستالين، وكيف تم سجن واستعباد ملايين البشر في سيبيريا بحجج مختلفة. هناك أمثلة كثيرة مشابهة من تاريخ دول أخرى ومن حقب زمنية أخرى توضح أن ثمن رفض الخضوع ليس قليلا، ولكن الخضوع أغلى بكثير. المجتمعات التي تخضع بشكل كامل تدفع أغلى الأثمان، والمجتمعات التي تقاوم تدفع أثمانا باهظة ولكنها تبقى أقل من ثمن الخضوع المطلق.

كلمة لا غالية ولكن أغلى كلمة في التاريخ هي "سيدي”.

علمنا غاندي والكثيرون مثله أنه إذا لم تخضع أنت في أعماقك، فلن يستطيع القدر أن يخضعك. إذا كان عقلك متمردا ويرفض الخضوع فلن يستطيع أحد إخضاعك. إذا كنت لا تعتبر نفسك عبدا لأحد أو لفكرة، فلا أحد يستطيع استعبادك. قد تتعرض للأسر وللسجن والتعذيب، ولكن حتى في أحلك الظروف لا أحد يستطيع استعبادك وإخضاعك.

عائلات الإجرام التي تحكم أغلب الدول تطالب شعوبها حاليا بالامتناع عن تنفس الهواء النقي بحجة أن تنفس ثاني أكسيد الكربون يحمي من المرض، وبتعاطي حقن تسبب أمراضا قاتلة بحجة أن هذه الحقن تحمي من الزكام. ولكن المطالب لم تبدأ بهذا، المطالب بدأت ببعض التعاون لتسطيح المنحنى، ما بدا طلبا بسيطا في وقتها، أصبح الآن تهديدا حقيقيا لحياة ومعيشة الشعوب، ومن يستمر بالخضوع سيتلقى طلبات أكثر وأكثر، ولن تتوقف الطلبات حتى بعد أن يقتنع مع الحكومة أن 2 + 2 = 5 أو أي شيء تقوله الحكومة.

أمام مليارات البشر هذه الأيام خيارات صعبة، بعض المجتمعات ستنهي التاريخ، وبعض المجتمعات ستدمن أفيون الأمل. أنا أعرف طريقي، فأنا دائما مع الحرية، وضد الاستعباد، فماذا عنك أنت؟ كيف ترى وضع مجتمعك، وهل تعرف طريقك؟

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...