أسواق تفترس زبائنها

29-03-2022

أسواق تفترس زبائنها

غابة من الأسواق المتوحشة، هكذا أصبحت مدن سورية اليوم: يخرج الكائن من جحره لكي يحصل على قوته فيعضه البقال والخباز والطبيب والحلاق وتجار السوق السوداء؛ يذهب إلى مؤسسات الدولة فينهشه موظفوها، يعود مذعورا إلى بيته فتنشل زوجته وأولاده وأهله ماتبقى من قوته وماله ليغدو هيكلا على العظم ! وإذا فكر بالفرار فإن أولاد الحكومة سوف يسلبونه على الحواجز والحدود وقبلها عند بائعي جوازات السفر.. هذه الأسواق المتوحشة التي تستثمرها الثعالب بإدارة الضباع وإشراف الذئاب جعلتنا كعصف مأكول في مهب المآسي والمنون، دون أن يتساءل المفترسون: إذا اختفت قطعان المستهلكين ماذا سيحل بأصحاب السوق وهل سيستمر وجود المدينة ؟!
لطالما كتبت عن دمشق، وقلت أن أسواقها هي سر بقائها كأقدم عاصمة مأهولة، إذ أن المدن تتشكل أولا ثم تنشىء أسواقها التي تحتاجها، سوى دمشق التي ابتدأت كسوق أفرز مدينة ! فقد كانت دمشق واحة تعبرها القوافل فيطيب للتجار والحجاج والمحاربين ماءها وهواءها ونساءها، فيستقروا فيها ويصاهروا عائلاتها ليتحولوا بعد بضعة قرون إلى دمشقيين من عائلات المصري والبغدادي والأفغاني والداغستاني والمغربي والجزائري والمقدسي والحجازي بعدما ينضووا تحت لواء السوق وغرفة تجارتها .. ولو أن هذه الأسواق توحشت وافترست زبائنها كما اليوم لكانوا أضافوا دمشق إلى قائمة المدن المنسية..
نصيحة: عقلنوا أسواقكم واعتنوا بجيوب زبائنكم كي تبقى عامرة تبعث الحياة في شرايين الأسواق وعصب المدينة ورأس الدولة، فنحن جميعا كجسد واحد فيه الرأس والقلب والأطراف والأعضاء التناسلية واللسان والأسنان  والأمعاء والخراء، وكل مايحرك حياة هذه الأمة المهددة بالفناء مثلما فنيت أمم من قبلنا وغابت حضارتهم، حتى ليمكننا أن نجد تحت كل مدينة سورية طبقات لمدن أخرى مندثرة لأن سلطاتها لم تحسن إدارة أسواقها، حيث كان هناك دائما وزير للأسواق لايتقن إدارتها، ويعوض عن فشله بالكتابة على جدران الفيسبوك لإيهام الناس أن مدينتهم باقية ولا تزول حتى لو توقفت أسواقها !؟
نحن اليوم نسير باتجاه المجاعة، و نحتاج إلى إدارة ناجحة، ليست هي الحكومة الفاشلة، ولامجلس الشعب البائس، ولاقيادة الحزب التي تدير المؤسستين التشريعية والتنفيذية بفشل يتلوه فشل.. غير أنه مازال لدينا أمل أخير برئيس دولة يملك كل السلطات اللازمة للتغيير، وبشخصيات وطنية يحترمها الناس ويمكنها أن تساعد في الإنقاذ، فنحن الآن في وقت الإنتظار الأخير قبل أن نسافر في قطار المستقبل أونعود في قطار الموتى..

نبيل صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...